المغربية المستقلة : أيوب نصر/كاتب مغربي، باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والاستشراق
أما قبل، فإنني أحب أن أعتذر لمحبي العربية الشريفة وقرائها، عن العنوان العامي الذي سميت به مقالي هذا، ولكن قد دعت إلى ذلك الضرورة، وكما يعلم القاريء الكريم، فإن من المضرورات ما يذهب إلى إباحة المحظورات، وأحيانا قد يأتي اللفظ العامي، وسط العبارة البليغة، فزيدها بيانا، فتظهر قوتها من ضعفه، ويستدل على كمالها من قصوره، وليونتها من خشونته.
وأما “سول المجرب” فهو جزء من مثل مغربي عامي، سائر على ألسنة المغاربة، متداول في كلامهم، وهو بتمامه وكماله: “سول المجرب لا تسول الطبيب”، كما أنه يقصد به غير ما يتبادر إلى ذهن السامع أول مرة، من دعوى الإعراض عن سؤال الطبيب، والاكتفاء بسؤال المريض لأنه أعلم بالمرض، بل معناه سؤال المريض عن الألم، لأن الطبيب مهما علم من حال المرض وما يسببه من آلام، إلا أنه دون من جرب تلكم الآلام، فالمريض من هذه الناحية أعلم.
قبل يوم من إجراء انتخابلت 8 شتنبر 2021 ، خرج عبد الإله بن كيران، من غيابات جبه، على المغاربة بتصريح موجه إلى عزيز أخنوش، وصف فيه المحيطين بأخنوش، الذين يطبلون له على وسائل التواصل وبعض وسائل الإعلام، بأنهم “نكافات العرس”، وقال فيما قال أنهم سيعرضون عنه مع أول أزمة يواجهها وهو على رئاسة الحكومة، وابن كيران في هذه كان يتكلم عن علم، وعن تجربة، وقد كان ما تنبأ به، وذلك مع أول أزمة واجهتها حكومة أخنوش، إنفضوا من حوله وتركوه قائما، ليجد نفسه وحيدا منفردا.
ولم تكد تطفوا الأزمة المغربية الجزائرية، حتى جادت مواقع التواصل الاجتماعي، بأمثال هؤلاء وأضرابهم، بدعوى الدفاع عن المغرب، وأنا لا أقصد هنا أشخاصا يحملون الصفة، أو من سبق لهم ذكر بين الناس، سواء في الإعلام أو على المستوى الأكاديمي، بل أتكلم عن أشخاص ليست لهم صفة، ولم يسبق لهم ذكر بين الناس، وإنما ظهروا في الناس على حين غفلة، و تكاثروا مع توالي أحداث الأزمة، وهم نتاج هذه الأزمة، استغلوها وركبوا عليها، بدعوى الدفاع عن المغرب ونصرته، فحشدت لهم الجماهير تتابعهم، وتتلقى عنهم، وتصفق لهم.
وتراهم في كلامهم يصدرون عن غير علم، وعن غير منهج، فيأتون بأشياء تسيء إلى المغرب، وتعطي صورة سيئة عنه، تحت غطاء نصرته والتحزب له، وهم بهذا ينخرون جسده، ولا يزيدون عن كونهم معولا هادما، وقبل أيام صادفني كلام لأحد هؤلاء ذهب فيه إلى إخراج المغرب من سياقه الجغرافي، منكرا وجود شيء اسمه “إتحاد مغاربي كبير”، في الوقت الذي نجد فيه المغرب يسعى سعيه، ويعمل عمله، لأجل قيام هذا الإتحاد وتطوره، لأنه يعلم علما يقينيا، أن السياق الجغرافي له أهميته.
ولأهمية السياق الجغرافي عند المملكة المغربية، ومكانتها في سياسته، وخاصة في أبعادها العربية والإفريقية، نجد أن ردود أفعالها إتجاه مخالفيها، تكون متباينة، وإن تعلق الأمر بالموضوع نفسه، فبينما تجد المغرب يذهب في الرد على إسبانيا وألمانيا كل مذهب، فإنك تراه يستمر على سياسة اليد الممدودة مع الجزائر، بل حتى في عز الأزمة مع الدول الخليجية، ورغم ما حدث من مضايقات ومزايدات، فإن المغرب التزم الصمت.
وهذه الأمور تظهر مدى فداحة القول بأنه لا يوجد شيء اسمه المغرب الكبير، فعلى كل من يريد الدفاع عن المغرب أن يتكلم بعلم، أو يترك المجال لأهل الشأن فهم أدرى بما يقولون ويفعلون، وهم أعلم بتوجهات المغرب السياسية، ويعرفون كيف يدافعون عنه وفق توجهاته.
إن هذا الضرب من الناس يحضرون عند الطمع، ويفرون عند الفزع، فلا يعول عليهم كثيرا، خاصة أنهم غير مغاربة، ولا يسكنون المغرب، وليست لهم صفة أو ذكر بين الناس، بل يجب التعامل معهم على حذر، وعدم الإمعان في قبول كل ما يقدمونه من محتوى، وأنا لست هنا لأنظر في النوايا، ولكن وفي أحسن الأحوال لا يهمهم إلا كثرة المتابعين والمشاهدات
