المغربية المستقلة : متابعة حسن افرياض
نظم المجلس العلمي المحلين لاشتوكة أيت باها، بتنسيق مع المندوبية لإقليمية للشؤون الإسلامية، وبتعاون مع مدرسة تنالت؛ ندوة علمية في موضوع: خصائص المذهب المالكي ومميزاته وأثرهما في تحقيق الوحدة الوطنية لطلبة مدرسة تنالت مساء يوم الأربعاء 16 يناير 2020
برنامج اللقاء :
الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم.
كلمة السيد رئيس المجلس العلمي المحلى لاشتوكة أيت باها.
كلمة فقيه وعميد مدرسة سيدي الحاج الحبيب بتنالت.
كلمة باسم الطلبة .
مداخلة الدكتور الحسن مكراز عضو المجلس العلمي المحلي حول موضوع: “مدارس المذهب المالكي” .
مداخلة الحسين أكروم إمام مؤطر حول موضوع: “مصادر المذهب المالكي”.
مداخلة الدكتور حسن شجيد إمام مؤطر حول: “المذهب المالكي خصائصه ومميزاته”.
مداخلة الدكتور محمد البوشواري عضو المجلس العلمي المحلي لاشتوكة أيت باها بموضوع: أثر المذهب المالكي في تحقيق الوحدة الوطنية”.
قصيدتان شعريتان الأولى ترحيبية، والثانية حول محاسن المذهب المالكي
الختم بالدعاء الخالص لمولانا أمير المؤمنين محمد السادس .
وهاكم تفاصيل البرنامج العلمي للقاء:
كلمة رئيس المجلس العلمي لاشتوكة أيت باها:
رحب السيد رئيس المجلس العلمي باشتوكة أيت باها في البداية بالحاضرين، وشكر المحاضرين، وأثنى على حسن التنسيق بين المجلس العلمي والمدرسة في إعداد برنامج الندوة وترتيباتها.
ثم لفت أنظار الطلبة إلى ضرورة التمسك بالمذهب المالكي كثابت من ثوابت المملكة، في وقت تتزاحمه فيه مجموعة من المرجعيات الأخرى .
بعدها أرشد الطلبة إلى ضرورة التأدب قبل التعلم، وأفاض في ذكر محاسن الآداب العامة والأخلاق الفاضلة في حياة الطالب، ممثلا بإمام المذهب حيث عممته والدته لما أرسلته أن يذهب لحلقة ربيعة الرأي قائلة له: “خذ من أدبه قبل علمه”.
كما ذكر ضرورة امتزاج الأخلاق بالعلم لأن انفصالهما يفضي إلى فقدان القيم النبيلة مما سيؤدي بالطلبة إلى الجرأة على التكلم أمام شيوخهم، بل الرد عليهم، والاندفاع نحو تصدر المجالس، والإفتاء بغير علم، والتعالي والتعالم فكان كل ذلك من أهم مظاهر الخلل في منظومة التربية المعاصرة.
وأوصى الطلبة بعدم الوقوع في ذلك الفخ ممثلا بعدد من علماء السادة المالكية في تواضعهم الجم على كثرة علمهم وقلة كلامهم وحسن اعتراضاتهم فاستفاد الطلبة كثيرا من توجيهات السيد الرئيس، لاسيما بعد أن أكد عليهم بضرورة اتخاذهم قدوة في ذلك المجال.
بعدها عرج إلى مرتكزات الوحدة في المذهب المالكي، وأن هذه الندوة أتت في سياق خاص تتناسب مع السياقات الآنية، وتستوجبها متطلبات المرحلة المقبلة.
كلمة فقيه المدرسة:
رحب فقيه المدرسة سيدي الحاج عبد الحميد بالسادة المحاضرين وقال: “وإنه لشرف لنا أن نحضى منكم بهذه الزيارة والحفاوة التي تحمل إلينا ميراث الرسالة والنبوة، وعلم عالم المدينة إمام الأئمة، ومجلي الظلمة سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه”.
واعتبر عنوان الندوة الموسوم بـ: خصائص المذهب المالكي ومميزاته وأثرهما في تحقيق الوحدة الوطنية أمانا للأمة المغربية من آفات الشتات الذي ابتلي به كثير من الجماعات…
لذا جاء سياق الندوة في وقت “لنحن في أمس الحاجة إليها ليستيقن الطلبة من عظمة الفقه المالكي ومميزاته الفريدة، وليعلموا أن ما هم عليه من الأحكام منطلقة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأنها جاءت في وقتها كشفت العليل، وأروت الغليل، وأزالت التدليس والتلبيس بما زفته من العلم النفيس..”
فكان لزاما -يضيف الفقيه سيدي عبد الحميد أكنازاي- أن لا يأخذكم وإيانا في الدفاع عن القرآن وعلومه عذل وملام لاسيما وأمير المؤمنين نصره الله ورعاه ملك العلماء أعنة الاختيار فلم يجعلهم تحت اقتهار واقتسار؛ فلنكن جميعا مساندين له في درء وهج البدع والأهواء والتعنت والتشدد والتطرف الذي يسوقه ويروجه المتخصصون في الإضلال والإغواء.
كلمة باسم طلبة مدرسة تنالت:
بعد كلمة فقيه المدرسة؛ ألقى الطالب حميد المسافر كلمة باسم طلبة مدرسة تنالت شكر فيها المؤسسة العلمية المجلس العلمي لاشتوكة أيت بها على حسن اختيار عنوان هذه الندوة، وأن الطلبة مشتاقون للاستفادة منها.
محاضرة الدكتور الحسن مكراز
استهل المحاضر الذي هو عضو المجلس العلمي المحلي باشتوكة أيت باها وأستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة موضوعه الموسوم: “مدارس المالكية” بحفريات تاريخية عن نشوء المذهب المالكي والأسباب الداعية إلى استحداثه.
ثم شرع في بيان مدارس المالكية في الأقطار الإسلامية مقسما إياها إلى أربعة: الأولى مدرسة المدينة المنورة، والثانية: المدرسة المصرية، والثالثة: المدرسة العراقية، والأخيرة: المدرسة المغربية.
المدرسة المدنية:
عرف الأستاذ بالمدرسة المدنية قائلا: “هي المدرسة الأم التي انبثقت منها باقي المدارس الأخرى..” ومن مشاهير أعلامها: سليمان بن بلال المتوفى سنة 176 هـ، وابن نافع الصائغ 180 هـ، ومحمد بن دينار 182هـ، وابن الماجشون 212 هـ، ومحمد بن سلمة 216 هـ، ومطرف 220 هـ، وذكر منهم طائفة يطول ذكرهم عند استعراضهم.
وأثناء عرضه لأولئك الأعلام يبث فوائد بين فينة وأخرى فيذكر أن ابن كنانة كان مجلسه عن يمين مالك لا يفارقه، وبعد وفاته قعد في مجلسه. أما ابن نافع الصائغ فهو قرين أشهب في سماع العتبية، خلافا للمغيرة بن عبد الرحمن الذي كان يفتي في حياة الإمام مالك، بل له كتب مستقلة، أما ابن دينار فقال أشهب: ما رأيت من أصحاب مالك أفقه من ابن دينار.
ثم ختم كلامه بقول يعقوب بن حميد بن كاسب المتوفى سنة 241 هـ، الذي قال عنه ابن وضاح لم أر بالحجاز أعلم بقول المدنيين منه.
بعد هذه الفدلكة التاريخية قدم جملة من خصائص هذه المدرسة لعل أهمها: تقديم الحديث عن الآثار، والبعد عن الفقه الافتراضي، والتمسك بعوائد أهل المدينة، كل هذا مع كشف المصادر العلمية التي توجد فيها أقوال المدنيين كآراء الأخوين المحفوظة في الواضحة، وأقوال ابن نافع المبثوتة في المدونة، واجتهادات محمد بن دينار الموجودة في البيان والتحصيل .
المدرسة المصرية:
بعد بيان تاريخها وأصول نشأتها؛ عرج الأستاذ على التذكير بثلة من أعلامها كعثمان بن الحكم المتوفي سنة 163 هـ، وعبد الرحمن بن خالد المتوفى كذلك في السنة نفسها، وعبد الحكم بن أعمى 171 وسعيد بن عبد الله المعافري 173 وعبد الله بن وهب 197 وعبد الله بن عبد الحكم 214 وأصبغ بن الفرج 225 هـ، وذَكر ما يقرب من العشرين وختم بمحمد بن المواز المتوفي سنة 269 هـ.
ومن أهم ما ذكره ظهور بوادر التخصص الفقهي في المدرسة المصرية ذلك أن علم أشهب يكاد يقتصر على معرفة الحرام، وعلم ابن القاسم البيوع، وعلم ابن وهب المناسك.
ثم تفرع هذا التخصص إلى اتجاهين داخل هذه المدرسة الأول: الرأي، والثاني : الحديث مدعما هذه الازدواجية في المنهج بقول يحيى بن يحيى الليثي : “كنت آتي عبد الرحمان بن القاسم فيقول لي: من أين يا أبا محمد ؟ فأقول له: من عند عبد الله بن وهب فيقول لي: اتق الله فإن أكثر هذه الأحاديث ليس عليها العمل، ثم آتي عبد الله بن وهب فيقول لي: من أين ؟ فأقول له: من عند ابن القاسم فيقول لي : اتق الله فإن أكثر هذه المسائل رأي..”.
المدرسة العراقية:
بدأ ظهور هذه المدرسة على يد بعض تلاميذ مالك كابن مهدي، والقعنبي، وغيرهم، ثم عرج الدكتور الحسن مكراز على سرد أعلام هذه المدرسة حسب تاريخ وفياتهم كأحمد بن المعدل 214 هـ، والقاضي إسماعيل 282هـ، وأبو بكر بن الجهم 329هـ، والأبهري 375 هـ، وابن الجلاب 378 هـ، والقاضي عبد الوهاب 422هـ، وابن عمروس توفي سنة 452 هـ.
أما خصائص هذه المدرسة فتميزت بكثرة كتب أصول الفقه، وهي التي أصلت أصول مالك وبينت طريقته في الاستنباط، ومنهجه في التخريج الفقهي، كما تميزت هذه المدرسة بمزج الرأي مع الحديث، وكثرة تبويب المسائل، وإيراد الردود، وعرض المسائل على نهج علماء الكلام والجدل على طريقة إيراد الاعتراضات، وغير ذلك من المميزات التي انفردت بهذا هذه المدرسة.
كما ظهرت فيها عدة مراجع ومصادر فقهية كالتفريع لابن الجلاب، والتلقين للقاضي عبد الوهاب، وعيون الأدلة لابن القصار، وأحكام القرآن للقاضي إسماعيل الذي طبعت منه ثلاثة أجزاء، ومنه ينقل ابن العربي المالكي دون عزو أحيانا، وغيرها من المصادر المالكية.
قال المقري في أزهار الرياض قي أخبار عياض للمقري وقد كان للقدماء رضي الله عنهم في تدريس المدونة اصطلاحان: اصطلاح عراقي واصطلاح عراقي.”فأهل العراق جعلوا من مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس، وبنوا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات، ومناقشة الألفاظ ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين..”.
المدرسة القيروانية:
ذكر فيها ما يقرب من عشرين علما بدء بعلي بن زياد 183 هـ، وعبد الله بن غانم، 190هـ، والبهلول بن راشد 163هـ، وابن فروخ 176هـ، وأسد بن الفرات 213هـ، فهؤلاء هم كبار المؤسسين للمدرسة.
وتعتمد في منهجها الفقهي على المدونة وقياس الفروع على الفروع، وضبط الروايات، وأغلب مؤلفات القيروانيين تنطلق من المدونة كالتبصرة للخمي، والجامع لابن يونس، والتعليقة للمازري، وغيرها.
وقد نقل عضو المجلس المجلي باشتوكة أيت باها الدكتور الحسن مكراز نقلا نفيسا من أزهار الرياض للمقري يبين فيه منهج القرويين قائلا: “وقد كان للقدماء رضي الله عنهم في تدريس المدونة اصطلاحان: اصطلاح عراقي واصطلاح عراقي.” “وأما اصطلاح القرويين فهو البحث عن “ألفاظ الكتاب، وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات، وبيان وجوه الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضطراب الجواب، واختلاف المقالات..”.
المدرسة المغربية:
استعرض الأستاذ المحاضر كالعادة عددا من علماء المذهب لهذه المدرسة وأبو زيد عبد الرحمن الكتامي المعروف بابن غافر توفي 327 هجرية الذي أدخل كتاب محمد بن الموازية الموازية إلى المغرب، كيعلى بن مصلين صاحب أجوبة القرويين، ودراس بن إسماعيل 375 هـ، الذي هو أول من أدخل المدونة إلى المغرب، وأبو هارون العمري 313 هـ، وأبو عمران الفاسي 430 هـ، وآخرون…
ثم أفاض الكلام عن المدرسة الفاسية المغربية باعتبارها فرعا مستقلاً؛ مشيرا إلى ذكر بعض أعلامها، وخصائص منهجها، وقام بموازنة بين التآليف عند المشارقة والمغاربة.
ثم عرف بتصانيف بعض الأعلام كالتنبيهات للقاضي عياض، والإلماع، وإكمال إكمال المعلم .
بعدها انتقل الأستاذ على التو إلى المدرسة الأندلسية واستعرض أعلامها وخصائصها، ومن أهمها العناية بأقوال مالك وأصحابه، والاعتماد على العرف وما جري به العمل الأندلسي، وتأصيل الآرآء وربطها بالموطأ. وعرف ببعض كبار الأعلام كابن عبد البر والباجي وابن العربي وابن بطال وآخرون وعرف بمصنفاتهم وأهميتها وخصائصها وبه تنتهي مداخلة الدكتور الحسن مكراز.
المداخلة الثانية للحسين أكروم
تناول فيها مصادر المذهب المالكي بدءا بالموطأ الذي اعتبره بروكلمان كتاب فقه، وأحمد أمين كتاب فقه وإن ملئ حديثا، وفند ذلك بأدلة تثبت أنه كتاب فقه وحديث .
ثم عرج على عدد أحاديث الموطأ كما نقلها الزرقاني عن أبي بكر الأبهري وذكر أن عدد أحاديث الموطأ 1700 حديث، المسند منها 600 حديث والمرسل 222 والموقوف 613
بعده ذكر الأمهات الأربع كالمدونة لسحنون والواضحة لابن حبيب، والموازية لابن المواز. مسهبا في المدونة كأصل ثاني في المذهب بعد الموطأ.
وذكر أن أصلها من الأسدية وأن عدد مسائلها كما نسب للقاضي عياض حوالي 40000 مسألة واهتم الناس بها وشرحوها وعلقوا عليها، وأول من أدخلها إلى المغرب دراس بن إسماعيل الفاسي، وأنها حرقها الموحدون فأفتاها عليهم الفقيه أبو الحسن علي ابن عشرين ، ثم وجدوا منها نسخة فقارنوها بها فلم يجدوا الفرق إلا بين الفاء والواو.
ويعتبر الركراكي أهم من شرح هذه المدونة وكتب شرحه المذكور بمدينة الكست التي لا تبعد عن تنالت سوى مرمى حجر وسمى شرحه:”مناهج التحصيل ” الذي قال في مقدمته بأنه كتبه بمدينة الكست سنة 633 هجرية وطبع في مصر ويعاد تحقيقه الآن تحقيقا علميا بكلية الشريعة بأكادير، وكما لا يخفى على شريف علم الهشتوكيين أن مدينة الكست من إحدى الحواضر العلمية القديمة باشتوكة، حيث ذكرها المراكشي في كتابه: المعجب .
ثم ذكر كتاب الرسالة لابن أبي زيد القيرواني الذي يعتبر مصدرا مهما للطلبة وهو كتاب تعليمي لخص فقه مالك مع قلة المبنى واستيفاء المعنى، ولذلك سماها الفقيه ابن عباد: “زبدة المذهب” ويروى أن من اعتنى بها وهبه الله تعالى ثلاثا أو واحدة من الثلاث: العلم، والمال الطيب، والصلاح، وتنافس الناس في اقتنائها حتى إن بعض نسخها كتبت بالذهب، وأول نسخة منها بيعت في بغداد في حلقة أبي بكر الأبهري بعشرين دينارا، واعتبر المحاضر تلك الفترة بطولها تدخل في عصر التأصيل والتقعيد.
مرحلة التفريع:
هذه المرحلة عُرفت بكثرة المصادر التي تجمع آراء فقهاء السابقين، وأقوال كبار المتقدمين، وهي الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين، ككتاب الجامع لابن يونس في عشرين مجلدا، والتبصرة للخمي في ثلاثة عشر مجلدا، والبيان والتحصيل لابن رشد الجد في عشرين مجلدا، وشروح الموطأ لابن عبد البر كالاستذكار والتمهيد كل واحد منهما في ما يقرب من ثلاثين مجلداً، والمنتقى والإيماء للباجي، والمسالك والقبس كلاهما لابن العربي، وكلها كتب مطولة جدا ظهرت في مرحلة التفريع.
ثم اضطرب الفقه بعد هذه المرحلة بكثرة الأقوال واضطراب الآراء، فكثر الاعتماد على الضعيف والتعويل على المرجوح، لقلة الملكة الفقهية، وضعف الصنعة العلمية، فظهر كتاب المختصر للشيخ خليل معتمداً على به الفتوى مع تقديم الراجح على غير ه، ثم بعده ظهرت الشروح والحواشي عليه، وبعد أقل من أربعة قرون ظهر رجز ابن عاشر كمصدر جديد لأخذ التفقه فشرحه الكثيرون وحشوه، وختم كلامه بخلاصات عامة:
كلمة الدكتور الحسن شجيد
أما في العرض الثالث فقد تناول فيه صاحبه الأستاذ الحسن شجيد ما يميز المذهب المالكي من خصائص ومميزات، هذا المذهب الذي كان صاحبه مميزا بين سائر الأئمة الذين برزوا في عصر الاجتهاد، لأنه كان وريث المدرسة النبوية التي تأسست أصولها في المدينة المنورة على يد الفقهاء السبعة، فنهل الإمام مالك من علم هؤلاء الذين نهلوا بدورهم من علم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبذلك شهد فحول العلماء لمذهب مالك بالمنزلة الرفيعة بين سائر المذاهب، فقالوا بأن أسانيدها أصح الأسانيد واستنباطاته أقوى الاستنباطات، وهو أكثر المذاهب صوابا وأصحها قياسا كما قال الإمام الشافعي، وأرجحها رأيا كما قال أحمد، وإذا سئل عن توجه إليه الفتوى لا يشير إلى أحد إلا لمالك وأصحابه..
وقد قسم الأستاذ في عرضه خصائص المذهب إلى قسمين، قسم منها متعلق بالأصول التي بنى عليها مالك مذهبه، وقسم متعلق بالفقه نفسه، فأبرز خصائص ومميزات كل قسم على حدة.
أما القسم الأول فظهرت ميزة المذهب فيه من جهة وفرة مصادره وأصوله التى أوصلها العلماء إلى ستة عشر أصلا، ووفرة القواعد المتفرعة عنها التى أوصلوها إلى ألف ومائتي قاعدة غطت جميع أبواب الفقه. كما امتازت هذه المصادر بمزاوجتها بين النقل الصحيح والرأي الصريح، فلا هي جامدة على النقل ولا هي منساقة وراء العقل، بل أخذت من هذه الأطراف بطرف، هذه الوسطية والتنوع كانا سر بقاء المذهب واستمرار انتشاره والإقبال الشديد عليه.
وبالنسبة للفقه، فقد امتازت بخصائص ومميزات، أجملها الأستاذ في شر مميزات، فذكر منها:
1 الانفتاح على المخالف: هذا الانفتاح تجسد في المذهب المالكي من خلال أخذه بمبدأ مراعاة الخلاف مع المذاهب الأخرى ومن الأمم السابقة عملا بالقاعدة القائلة “شرع من قبلنا يلزمنا ما لم يرد ناسخ”، ومنه استنبط المالكية مشروعية الجعالة والكفالة مثلا في سورة يوسف “ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم”. وقد غرس هذا المبدأ في المالكية عموما خلق التسامح والتعايش مع المخالف كيفما كانت ديانته أو مذهبه.
2 قابليته للتطور والتجديد : من الأمور التي جعلت المذهب المالكي ينماز عن سائر المذاهب أخذه بأصل العادة والمصلحة وسد الذرائع .. هذه الأصول جعلته يواكب العصر ويفتح باب الاجتهاد والاستهلاك على مصراعيه فظهر ما يعرف بالعمل الفاسي والسوسي والمطلق ..سريا على ما جرى به العمل، وهذا قد أغنى المالكية من الاقتباس والتقليد من غيرهم..
3 الأخذ بالوسط : يظهر ذلك فيما عرف به المالكية من أخذهم بالرخص وترك غريب الأقوال وشاذها ومحبة الاتباع ونبذ الابتداع، والابتعاد عن الحيل للتخلص من الواجبات..
4 البعد المقاصدي : يعد المذهب المالكي أكثر المذاهب تعمقا ورسوخا في علم المقاصد، فبنى عليه أئمته فقههم، وكانت الضروريات الخمس قد نالت من هذا الفقه حظا أوفر، ومن الأمثلة على حفظ النفس مثلا ما يميز النظر التشريعي المذهب سعيا للمحافظة عليها اقوي بين القتل والمباشرة والتسبب، وواجب قتل الجماعة بالواحد… المذهب العلة قد يلحظ الباحث ندرة النوازل الفقهية المتعلقة بالدماء مثلا في كتب النوازل، وحرصهم الشديد على حصانة النفس استتباب الأمن…
5 السماحة واليسر: غلب المالكية قاعدة التيسير ورفع الحرج عن الأمة في مختلف أبواب الفقه حتى قال الغزالي عن مذهب مالك في باب المياه بعد أن قارنه بالمذهب الشافعي: “وددت لو كان مذهب الشافعي في المياه كمذهب مالك”.
وبقي من هذه الخصائص خمس أخر تطرق إليها الأستاذ إجمالا وهي : البعد العلمي والبعد الاجتماعي والبعد المنطقي العقلي والبعد الواقعي البعيد عن الافتراض والمرونة.
هذه الخصائص والمميزات كان لها الأثر البارز في انتشار هذا المذهب وارجحيته ومواكبته لكل عصر، وهو س من أسرار تمسك المغاربة به منذ عهد الدولة التدريسية فلم يحد عنه المغاربة إلى الان، بعد من ثوابتهم التي يدينون بها لله عز وجل، وفي ذلك يقول ابن عاشر: في عقد الأشعري الفقه مالك… وفي طريقة الجنيد السالك.
كلمة الدكتور محمد البوشواري:
عنونها بـ: آثار المذهب المالكي في تحقيق الوحدة الوطنية وقسمها إلى ثلاثة محاور الأول: أثر المذهب المالكي في توحيد الفتوى، والثاني: في توحيد القانون، والثالث: في توحيد القضاء.
وذكر قبل الشروع في عرضه بداية أسس الوحدة بدخول الإسلام للمغرب، وأنه دخل عن طريق القائد الفاتح الصحابي الجليل عقبة بن نافع الفهري سنة 62 هجرية، مع استعراض الفرق العقدية والكلامية إلى أن قامت نواة أول دولة مغربية على يد إدريس الأول.
ثم عرج على ملامح توحيد الفتوى في المغرب مبينا أن ذلك كان يؤخذ بمشهور الفتوى وما به العمل إلى أن قنن بإحداث هيئة علمية مكلفة وحدها بالإفتاء جاء في المادة 7 من الظهير الشريف المنظم لها” تحدث لدى المجلس العلمي الأعلى هيئة علمية تتكون من بين أعضائه تختص وحدها دون غيرها بإصدار الفتاوى الرامية إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية في القضايا ذات الصبغة العامة.
كما استدل عضو المجلس العلمي باشتوكة أيت باها الدكتور محمد البوشواري بكتاب: دليل الإمام والخطيب واعتبره بمثابة تقنين أحكام أساسية في مجال فقه العبادات، مما جرى به العمل في المغرب وشكل الخصوصية الحضارية في هذا المجال درءا للمفاسد، وتحقيقا للمصالح وجمعا للكلمة.
ثم عرج على المحور الثاني وتناول فيه بالدرس والتحليل مرتكزات توحيد القانون بالمذهب المالكي، مبينا أن عدة قوانين قننت أثناء فترة الحماية سنة 1912 بالمغرب وزاحمت المذهب المالكي في التشريع.
وقال الأستاذ المحاضر: ومنذ ذلك أصبحت القوانين الوضعية تغطي جميع مجالات الحياة بالمغرب؛ ما عدا مجال الأسرة، والعقار، والأوقاف، المستمدة أحكامها من المذهب المالكي، فوحدت بذلك أحكامها على جميع المغاربة.
ثم استدل عضو المجلس العلمي باشتوكة أيت باها الدكتور محمد البوشواري بعدد من المواد داخل القوانين كالمادة 400 من مدونة الأسرة التي تنص على أن “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.
وفي المادة 169 من مدونة الأوقاف “كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى أحكام المذهب المالكي فقها واجتهادا بما يراعي فيه تحقيق مصلحة الوقف..”.
وفي المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار..”.
ثم أشار إلى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى كمظهر من مظاهر توحيد الفتيا في المغرب، وفيها هيئات متخصصة داخلها .
ثم مثل باللجنة الشرعية للمالية التشاركية التي تكلف بإبداء الرأي بشأن مطابقة المنتوجات المالية التشاركية التي تقدمها مؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في عمليات التأمين التكافلي التي تقوم بها مقاولات التأمين وإصدار الصكوك لأحكام الشريعة وغيرها..”.
وأحسن صنعا لما ذكر السؤال الذي طرحه أمير المؤمنين محمد السادس لما سأل اللجنة العلمية المكلفة بالإفتاء حول إمكانية الاعتماد على المصلحة المرسلة في تدبير الشأن العام، فأجابت اللجنة أمير المؤمنين بكتاب مستقل مترجم إلى الفرنسية.
وخلاصة ما فيه: لقد تأسست في الفقه السياسي الإسلامي قاعدة كلية إجمالية تنص على أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة وهي قاعدة مركزية تعرفها كل المذاهب الفقهية وهي تعني تعليق كل التقنينات على تحقيق المصلحة، وفي جميع تلك التقنينات يراعي فيها أن لا تصادم حكما قطعيا في الشريعة، ولا تعارض المصلحة المتوصل إليها بالرأي مصلحة أكيدة بالشرع..”.
ثم جعل مسك ختام مداخلته بأثر المذهب المالكي في توحيد القضاء وتجلى ذلك عند المحاضر في أمرين: الأول رجوع القضاء إلى الفقه المالكي فيما لم يرد به نص في القانون، وخاصة بالنسبة لمدونة الأسرة، ومدونة الحقوق العينية والأوقاف.
ثم مثل بعدد من القرارات القضائية كقرار محكمة النقض عدد 415 الصادر بغرفتين بتاريخ 18 مارس 1986 في ملف عقاري : ” وحيث إن الحاضر ومن في حكمه إذا قام بعد العام من تاريخ البيع يطلب الحكم له بشفعة ما بيع في شركته وأنكر المقوم عليه ذلك، وادعى عدم علمه بالشراء؛ فإن القائم يصدق بيمينه عملا بقول خليل: وصُدق إن أنكر علمه.