المغربية المستقلة: عبد العزيز المروني / متابعة : إدريس بنعلي
– كلمة المناسبة-
تحل الذكرى 64 ليوم 18 يونيه 1956 الذي يؤرخ للحدث التاريخي بإعلان جلالة المغفور له محمد الخامس هذا اليوم يوما وطنيا للمقاومة، والذي دأبت أسرة المقاومة وجيش التحرير ومعها الشعب المغربي على الاحتفاء به في موعده في كل سنة.
وفي هذه السنة ، تعود الذكرى والعود أحمد، وتتزامن مع ظروف خاصة ودقيقة تجتازها بلادنا كسائر بلدان العالم ، مع جائحة كورونا كوفيد 19 وما ترتب عنها من تدابير وإجراءات وقائية واحترازية في مواجهة الوباء .
ولن ندع مناسبة الذكرى 64 لليوم الوطني للمقاومة تمر دون أن نستحضر إيحاءاتها وإضاءاتها من أمجاد وروائع الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال، إيمانا واعتزازا بواجب الوفاء والبرور بالذاكرة التاريخية الوطنية وبروادها ورموزها من شرفاء الوطن ورجالاته ونسائه الغر الميامين.
ففي يوم 18يونيه 1956، وبعد أسابيع معدودة من عودته من المنفى إلى أرض الوطن في 16نونبر 1955، وقف بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس برياض مقبرة الشهداء بالدار البيضاء للترحم على أرواح شهداء الحرية والاستقلال وعلى قبر الشهيد البطل محمد الزرقطوني الذين وهبوا أنفسهم وحياتهم وأعز ما لديهم افتداء للدين والعرش والوطن.
وقد ألقى جلالته رحمه الله خطابا تاريخيا ترددت أصداؤه وتعالت نفحاته وإيحاءاته في أوسع أوساط الشعب المغربي وأسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وتفاعلت معه سائر القوى السياسية والفئات الاجتماعية والثقافية والنسائية والشبابية لما جسده الخطاب المولوي السامي من رسائل بليغة واشارات قوية ومقاصد نبيلة.
وفي وقفة الوفاء والبرور بنساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة والفداء، أعلن الملك المجاهد والمقاوم الأول عن اعتبار يوم 18 يونيه من كل سنة يوما وطنيا للمقاومة يكون مناسبة وموعدا سنويا للتذكير والإشادة بشهداء الوطن وبسائر أعضاء المقاومة وجيش التحرير الذين سقوا بدمائهم وعرقهم وبتضحياتهم شجرة الحرية والاستقلال.
ومما جاء في الخطاب السامي بمناسبة الوقفة التاريخية في يوم 18يونيه 1956 بمقبرة الشهداء قول جلالته : “شاء الله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا لنبكي شبابك الغالي، فإن أمثالك لا تقام ذكراهم بالبكاء ولا لنجدد التعزية لأهلك وذويك ، فإن فقدانك أعظم شرف، أصبحت تعز به أسرتك، و لكننا جئنا اليوم لنتذكر المثل العليا التي بذلت في سبيلها روحك الطاهرة… إن الشعب مفطور على الاعتراف بالجميل ولن ُينسى عمل أولئك الذين كان لهم فضل المقاومة سواء بالسلاح أو اللسان أو المال و إنه لجدير بذكرى المكافحين أمثال “الزرقطوني” و “علال” أن يخصص لهما يوم يكون أحد أيامنا المشهودة لتكون ذكرى لائقة بنضالهم المجيد، ناطقة بعظمة كفاحهم و هذا ما عقدنا عليه العزم بحول الله”. انتهى النطق المولوي السامي.
وقد اختار أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال يوم 18 يونيه الذي يقترن بذكرى استشهاد البطل محمد الزرقطوني أحد رموز وأعمدة حركة المقاومة والفداء الذي آثر الاستشهاد وفضل الموت بحبة سم ، حفاظا على أسرار المقاومة والفداء وعلى أعضائها من الشباب الوطني الذي اصطف في حركة النضال الوطني من اجل تحرير الوطن من الاحتلال الأجنبي ومن أجل عودة الشرعية والمشروعية التاريخية بعودة أب الأمة وبطل التحرير والاستقلال من المنفى إلى أرض الوطن
ولد الشهيد محمد الزرقطوني سنة 1925 ، بدرب السوينية بالمدينة القديمة بالدار البيضاء . تعلم القراءة والكتابة بالزاوية الحمدوشية التي كان أبوه مقدما لها . بعد ذلك ، التحق بالمدرسة العبدلاوية وهي من أوائل المدارس الحرة التي أسسها الوطنيون . انخرط منذ ريعان شبابه في العمل الوطني ، فتميز بحماس فياض وفكر ثاقب وكان له السبق في إطلاق الشرارة الأولى للمقاومة والعمل الفدائي بمدينة الدار البيضاء .
وفي أوائل دجنبر 1952، وقعت الأحداث الدامية الشهيرة بالدار البيضاء تضامنا مع الشعب التونسي الشقيق على اثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد وألقي القبض على زعماء الحركة الوطنية، أيقن محمد الزرقطوني أنه دقت ساعة العمل الفدائي فأخذ يبحث عن المال والسلاح . وعندما امتدت يد الاستعمار إلى ملك البلاد ورمز سيادتها جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه ، في 20 غشت 1953 ، شرع محمد الزرقطوني ورفاقه في خوض غمار الكفاح الوطني وبدأوا بنسف القطار الفرنسي الرابط بين الدر البيضاء والجزائر . واتسع مجال عمل مجموعة الزرقطوني ليشمل ربوع التراب الوطني وخاصة مدن فاس ومراكش وقلعة السراغنة .
وفي صباح يوم 18 يونيه 1954 توصل البوليس الاستعماري إلى معرفة المنزل الذي يسكنه فألقي عليه القبض ليتجرع حبة سم التي كانت ترافقه ليلا ونهارا ، وساقوه مغلولا إلى مركز الشرطة ولكنه أسلم الروح لباريها مفضلا الشهادة حفاظا على أسرار المقاومة وتضحية من أجل استمرارها وتواصل أعمالها ، معطيا بذلك المثال على روحه الوطنية الصادقة وتفانيه في الدفاع عن مقدسات وطنه
وبإحيائها للذكرى 64 للزيارة الملكية الميمونة لمقبرة الشهداء في 18يونيه 1956 والمقترنة بالذكرى 66 لاستشهاد البطل محمد الزرقطوني في 18يونيه 1954 ، تحرص المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ومعها أسرة المقاومة وجيش التحرير والشعب المغربي على استحضار هذين الحدثين التاريخيين المجيدين وعلى واجب الوفاء والبرور والعرفان لشرفاء الوطن ورموزه وأبطاله الذين قدموا أروع الأمثلة في الغيرة الوطنية وفي التضحية ونكران الذات وروح المسؤولية.
وإن واجب الوفاء للذاكرة التاريخية الوطنية يحثنا على الحفاظ على هذا الرصيد النضالي وإيصاله وإشاعة دروسه وعبره وترسيخ قيمه وعظاته في أوساط وصفوف الناشئة والشباب والأجيال المتعاقبة جيلا عن جيل.