المغربية المستقلة : بقلم سيداتي بيدا
في إفريقيا التي تتسارع فيها وتيرة التمدّن أكثر من قدرتها على التنظيم، تحولت الأحياء الهامشية والبناء العشوائي، أو ما يُعرف محليًا بـ«الكريانات»، إلى علامة فارقة في المشهد الحضري. مدن تكبر رأسيًا بلا تخطيط، وأطراف حضرية تتمدد أفقيًا بلا خدمات، فتتشكل جغرافيا جديدة للفقر والإقصاء، حيث يغيب السكن اللائق وتحضر الهشاشة بكل أوجهها. في خضم هذا الواقع القاتم، تبرز مبادرة الرئيس إبراهيم تراوري بتشييد 50 ألف وحدة سكنية للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود في بوركينا فاسو كخطوة تخرج عن المألوف، وتطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للسكن أن يكون أداة لإعادة ضبط المسار الاجتماعي؟
في العديد من الدول الإفريقية، لم يكن انتشار الأحياء العشوائية مجرد نتيجة للنمو الديمغرافي، بل ثمرة لغياب رؤية شمولية للتخطيط الحضري، ولانسحاب الدولة التدريجي من دورها الاجتماعي. ومع الوقت، تحولت هذه الأحياء إلى فضاءات مكتظة تفتقر للماء والكهرباء والصرف الصحي، وتغدو بيئة خصبة للهشاشة الصحية والاقتصادية، بل وللتوترات الأمنية. السكن هنا ليس مأوى، بل أزمة متراكمة تنتج فقرًا جديدًا كل يوم.

في المقابل، تأتي المبادرة البوركينابية لتقلب المعادلة: بدل ترك الفئات الهشة رهينة البناء العشوائي، تسعى الدولة إلى إدماجها في نسيج عمراني منظم، يعترف بالسكن كحق لا كامتياز. فمشروع الوحدات السكنية لا يعالج العرض العمراني فقط، بل يقطع الطريق على تشكّل أحياء هامشية جديدة، ويُعيد الاعتبار للتخطيط كأداة للعدالة الاجتماعية.
الأكثر إثارة في هذه الخطوة هو بعدها الوقائي. فالدولة التي تستثمر اليوم في السكن، توفّر غدًا كلفة معالجة أزمات أكثر تعقيدًا: الصحة، التعليم، الأمن، والبطالة. كما أن المشروع، بما يحمله من تحفيز لقطاع البناء وخلق فرص العمل، يربط بين الكرامة الاجتماعية والدينامية الاقتصادية، في تلازم نادر في السياسات الإفريقية المعاصرة.
صحيح أن التحديات كبيرة، من حيث التمويل والتنفيذ وضمان الشفافية، لكن الفارق الجوهري يكمن في الرؤية. فبين مدن إفريقية تُدار بالعشوائية، وأخرى تحاول استباق الانفجار الاجتماعي عبر التخطيط، يختار هذا المشروع أن يضع الإنسان في قلب السياسات العمومية.
في النهاية، لا يبدو مشروع السكن في بوركينا فاسو مجرد حل تقني، بل موقف سياسي وأخلاقي. موقف يقول إن محاربة «الكريانات» لا تكون بالجرافات وحدها، بل ببناء سقف يحمي كرامة الإنسان، ويمنح المدن الإفريقية فرصة لتكون فضاءات حياة لا خرائط للفقر.
