كتاب الرأي : المغاربة : هل يعرفون بعضهم البعض؟

المغربية المستقلة :
كتاب الرأي : بقلم : سدي علي ماءالعينين .
“””من وجدة عاصمة الثقافة العربية 2018″””

ترى كيف ينظر المغاربة الى بعضهم البعض؟
وماهو التاريخ الذي درسوه ،او درس لهم في المقررات المدرسية ؟
مادرسه المغاربة عن تاريخهم لا يتجاوز تلك الجملة المشهورة : سكان المغرب الأصليون هم البربر؛ و بعدها درسوا العائلات الحاكمة المتعاقبة على المغرب حتى العلويين ؛و مقاومة محمد الخامس للإستعمار ؛و بعض رجالات المقاومة كالخطابي بالريف و احمد الهيبة بسوس والصحراء وحمو الزياني …
لكن غير هذا التاريخ الرسمي ؛
ترى ماذا يعرف اهل سوس عن أهل الريف مثلا ؟
وأهل الجهة الشرقية عن أهل الصحراء؟وغيرها من مناطق المغرب ؛
وبعبارة أكاديمية : هل يتوفر المغاربة عن دراسات سوسيولوجية تقدم لهم المغرب المتنوع الذهنيات والعقليات عبر مختلف الجهات؟
لا اريد الخوض هنا في كتابات بول باسكون ولا جاك بيرك و لا المحمودي و آخرون قليلون؛
لكن سأعرض لبعض نماذج نظرة المغربي لبعض جهات المغرب ؛
فقد نجح المستعمر مثلا في تكريس مفاهيم التفرقة ليس فحسب بالظهير البربري وثنائية الشلح والعروبي و لكن في تجزيئ المجزأ بحيث يصبح الشلح مقسما الى ثلاث:
شلوح الكنز وهم اهل سوس للدلالة على المال
وشلوح العز وهم اهل الريف للدلالة على ثورة الخطابي
وشلوح الخنز وهم اهل الوسط و زيان للدلالة على النشاط
وهذه النظرية الإستعمارية توارثها المغاربة بكل عفوية ؛
ولا يختلف الأمر كثيرا عن مايقال عن البراكنة (اهل بركان) والشلح السوسي القرزاز ؛و الصحراوي مول الجمل والكدرة ؛والدكالي صاجب البنية القوية …
وهذه العينة الصغيرة من مئات الأحكام الجاهزة عن بعضنا البعض تزداد ترسخا في عقلية الأجيال حين تجد طريقها الى الأغاني الشعبية و النكت اليومية ؛
اذكر اني استدعيت للمشاركة في ندوة في اواخر التسعينات ببوزنيقة حول الشباب والسياسة ؛حيث قدمت لنا عروض مختلفة من اساتذة و دكاترة ؛و أثناء المناقشة اخدت الكلمة للحديث عن شباب الصحراء ؛
ليس هذا هو المهم في الموضوع بل هو تلك النقاشات الجانبية التي جمعتني مع شباب وشابات الذين إلتفوا حولي قرب المقصف و يستفسرون عن عيش اهل الصحراء بشكل اثار دهشتي :
هل عندكم منازل ؟ هل تركبون السيارة ؟ هل صحيح بعد شرب الشاي ترمون بالكؤوس اتجاه معد الشاي بدل وضعها مباشرة في طاولة الشاي!!!
لم يكن الامر جهلا بمنطقة يسمونها :الصحراء المغربية ؛ بل كان افضع من ذلك هو حجم المغالطات و النظرة القدحية إتجاه من يسمونهم الشلوح :أعرابن ويسمون هم الأمازيغ ب :الشلييح بالتصغير القدحي
المغاربة عبر التاريخ لم يكونوا جوالة داخل المغرب ؛و حتى مثقفوه و إعلاميوه لم يبدلوا مجهودا لخلق التواصل المثمر بين الجهات؛
لا اريد ان اعرض ما تتغنى به الأغاني الشعبية عن البيضاوي و السوسي و القنيطري و الرباطي و ذلك التمييز في الطباع حسب المدن .
اما إذا انتقلنا الى اللهجات فإن السوسي لا يعرف الريفية و كلاهما لا يعرف الحسانية و جميعهم يجد صعوبة في فهم اللكنة الشمالية وجميعهم يحاولون ان تكون لهجتهم المشتركة هي الدارجة
لذلك فعندما تقوم برحلة جماعية الى مناطق جبلية يخرج اليك السكان ليتفرجوا عليك كانك سائح غريب و لست مغربي !
و بتطور ادوات التواصل الإجتماعي هناك مغاربة لا يصدقون ان صور المواطنين المحاصرين بالثلوج بالجبال هم مغاربة وانهم يسكنون بيننا ؛
و عندما وقعت مأساة ضحايا مناجم جرادة لم يصدق المغاربة وهم امام التلفاز ان ما يشاهدونه يوجد بالمغرب …
الامثلة كثيرة ويطول سردها مع صعوبة إيجاد تفسيرات لها ؛و تبقى مؤسسات المخزن هي التي تملك مفاتيح هذه المناطق وقد يكون المخزن نفسه من يكرسها !
الأحزاب و النقابات وحسب تنظيماتها الجهوية والإقليمية تغني نفسها عن الخوض في ماهو محلي وه ما يجعلها بعيدة عن القواعد الحقيقية لفهم ذهنيتها ؛
وكنا محظوظين اننا شاركنا في اوراش للشبيبة الإتحادية التي تجمع عضوين عن كل إقليم من مجموع التراب الوطني مما قربنا من فهم سلوك كل منطقة .
لقد طرحت سؤالا صعبا عن معرفة المغاربة بعضهم لبعض ؛وكما قلت ان هذا مبحث للسوسيولوجيين ؛ واننا مطالبون في القادم من السنوات ان نتعلم ان المغربي ليس صورة نمطية من السهل تحديد ملامحها و مطلوب منا بدل مجهود لصياغة مفهوم موحد عن عقلية المغربي من مختلف الجهات ؛
إن هذا التنوع والإختلاف و التكامل الذي زكاه الدستور من زاوية الأبعاد العربية و الامازيغية و الإفريقية و الأندلسية و الإسلامية هي أبعاد تاريخية لا تشفي غليل الباحث عن كنه المغرب و كيف نجح في تحصين نفسه من صراع القوميات و النزعات العرقية واللغوية .
هنا يمكن بالفعل ان يقدم المغرب نفسه كمخزن كنظام راسخ في العراقة والقدم والضامن للوحدة و الإستقرار و التضامن .
ومصطلح المغربي مبهم و لا يشفي الغليل في تقديم المشترك التاريخي و اللسان الموحد و الطباع المتقاربة او المتطابقة ؛
نعم المغربي هو مملكة تجمعنا و دين موحد و مذهب مالكي و اصول امازيغية و مجال مغاربي و إفريقي يجمعهنا ؛
ولكن الحقيقة المرة اننا لا نعرف بعضنا البعض جيدا ولم نحتك ببعضنا البعض ؛وكل ما نعرفه عن بعضنا احكام قيمة حتما تغدي فينا التفرقة و التباعد والتنافر .

Loading...