محمد الحنافي الجعفري..من عامل الى مشرف على اعتد المدارس العتيقة بسوس

المغريبة المستقلة: عبد الله الجعفري

من « اكادير اوزرو» بلدة الشعراء والعلماء وأصحاب القامات العالية نبت هذا الغرس الطيب مستوعبا عطاء النخيل وسموقه ليعانق العلا، فهو ابن منطقة اقا حيث ولد، في بيت مفتوح للناس كلهم من مختلف الشرائح الاجتماعية، في النهار كان يستمع للأحاديث الدينية والدروس الفقهية، . وجد الفتى في طفولته الوالد منكبا على مشاغل الحياة ،في البيئة المبدعة، والحاضنة الثقافية الأولى التي جعلته يتنبه لأهمية المعرفة في حل عقد ومشاكل الحياة. لذا كان التحصيل المنهجي والدراسة المتخصصة هي أهداف تطلع إليها في بدايات حياته وقد حقق بها ومن خلالها ما كان يطمح إليه، كي يكون مؤثرا في محيطه، معطاءا في مجاله، وهو الشيء الذي جعله يستوعب حكمة الحياة في أهمية تناقل العصا من جيل لجيل بحب ومودة وحسن بصيرة.

لم يتصور الابن أن يعيش حياة الزهد والتقشف التي عاشها الأب ووجد أن عليه أن يحدث انعطافة ما في مسيرته؛ فلا يوجد ثمة تناقض بين علوم الدين وعلوم الدنيا، وهي النقطة المفصلية التي دفعته ليتوجه إلى دراسة علمية لها شقها التطبيقي في وطن كان يتطلع بقوة ليأخذ مكانه تحت الشمس.

فارسنا بتلك الصيغة قرر أن يغير المسار لصالح مجتمعه الذي كان يتطلع لأفق منفتح على تجارب جديدة، لذا كانت مسيرته طويلة وملتصقة بالبيئة التي أحبها فقد التحق بمدرسة اكادير اوزرو الابتدائية الأولى بالسنة الأولى الابتدائية، ثم انتقل إلى اعدادية اقا. فتقدم كطالب منازل في الصف السادس الابتدائي، وما لبث أن أنهى المرحلة المتوسطة قبل ان ينقطع عن الدراسة ، ثم التحق بسوق الشغل بحنكة وتبصر واجه مناحي الحياة الصعبة. كان في بداياته مشاكسا عنيدا، فانتقل بين المدن ، من اكادير ، فاس، واسفي، حيث هناك نقطة تحوله ، بان التحق باحدى المدارس العتيقة، ليواصل مسيرة التحصيل الدراسي اللتي اخدته الى عوالم التحصيل متنقلا بين المدارس ، يين عبدة وسوس، الى حصل على شهادة الباكالوريا. ليبدأ مسارا آخر كان نقطة التحول في الحياة لامامنا سيدي محمد الحنافي الجعفري.

كان الفتى خلال دراسته يميل إلى قراءة الشعر، كما كان شغوفا بقراءة التاريخ العربي، ومدارسة ما كتب عن الحضارة الإسلامية العريقة، وقد تكوّن عنده مخزون لا بأس به أفاده كثيرا فيما بعد. بالرغم من ثقافته الواسعة فهو لا يعد نفسه أديبا بل متذوقا للأدب. كما لا يعد نفسه كاتبا بل قارئا ناقدا. وبالرغم من ذلك شعر بالميل إلى قراءة المواد العلمية أكثر من الأدب، وما جعله متفردا في مجال الدرس أنه لم يكن يستطيع أن يآخذ المادة العلمية كما هي بل عود نفسه أن يبحث عن حقيقة تلك المادة، مستجليا أسرارها الكامنة.

لم يكن في البداية يصدق ما يقرأ إلا إذا عاد لمصادر أخرى حتى لو كان الكتاب كتابا مدرسيا أو أي كتاب آخر، فهدفه هو محاولة أن يتعرف على أكثر من مصدر بالنسبة للمادة العلمية، هذا لأن العقل الناقد يكون مهيئا أكثر من غيره في مقارعة الحجة بالحجة واستنباط المعلومات الدقيقة والصحيحة عبر محك علمي يمكن اختباره.

من يراجع سيرة سيدي محمد الحنافي يجد له أصدقاء في مختلف المراحل الدراسية، فهو شخص اجتماعي بطبعه ولم يجعله التفوق التعليمي بمعزل عن صحبة الأصدقاء، ففي المرحلة الابتدائية وحتى المدارس العتيقة والجامعة ، كان له أصدقاء أعزاء، من بينهم كثر . ما زال على تواصل معهم.

لم يكن محمد الحنافي حين انخرط في كلية الشريعة بايت ملول ،يتصور أن ثمة فارق في النظم الجامعية عما سبق أن مر به، فقد رأى أناسا يسهرون الليل وقد يستمر نومهم للضحى ويهتمون بكرة القدم وفي الإجازة الأسبوعية يناجون القمر ويصغون لرنات احواش ودقات الدفوف. وبالرغم من ذلك كان هدفهم المنشود هو التحصيل العلمي. كانت الغرفة المجاورة لغرفته أكثر أنسا من غرفته. كان ساكنها هاويا للغناء بل من المجيدين في فيه، فلا تفارقه الاشرطة الغنائية إلا لماما.

كان يحاول أن يهرب من هذا الصخب بمحاولة ضرب الجدار بين الغرفتين معظم الليالي ليسكته. كان زميل السكن مهذبا يسمع له فيركن الموسيفى جانبا ويتركه يستمتع بكتابه في هدوء. هكذا عرف الحنافي فكرة التعددية والتجاور في الحياة فهي ليست حياة مصمتة تسير في اتجاه واحد، بل أنه قد أدرك أن للحياة أكثر من وجه وإنه لا يحق له أن يحكم على الآخرين بتسرع ودون فهم مراميهم. الشاهد أنه قد توصل لفضيلة فكرية تتلخص في حكمة بثتها دراسته المبكرة في الكلية: حيث أننا نريد أن يُحترم رأينا فلا بد لنا من احترام آراء الآخرين. حتى لو لم نكن مقتنعين بها، وهي حكمة يمكن تطبيقها في الكثير من مجالات الحياة، فحسب القول المأثور: « دع مائة زهرة تتفتح» ولاشك أنه توصل إلى حقيقة « أن البستان في هذه الحالة يكون أشد بهجة، وأكثر متعة للناظرين».
وسنواصل الحديث عن امامنا الجليل عبر حلقات اخرى باذن الله.

Loading...