المغربية المستقلة : إبراهيم مهدوب
بقلم ذ / عبد الرزاق الجباري قاضي التحقيق
لا يشك عاقل في أن من بين أهم أولويات ما تضطلع به السلطة القضائية، في كل الأنظمة الدستورية عبر العالم، هو محاربة “الفساد” داخل المجتمع ؛ فهي المِّعوَل الدستوري والقانوني المُعَوَّل عليه في القضاء على بنيات الفساد بشتى أنواعه وتمظهراته: السياسية منها، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها.
وليس هناك من سبيل لتحقُّق هذه الغاية، إلا بتطبيق القانون في إطار المبدأ الدستوري القاضي بمساواة جميع المواطنين أمامه، حيث تغيب كل أشكال التمييز بينهم أمامه، وبالتبع أمام السلطة القضائية باعتبارها الجهة الموكول إليها، حصرا، السهر على سيادته وسلطانه.
من هنا، يمكن القول بأن فكرة “دولة القانون”، كما ورثناه عن مفكري عصر الأنوار، قد أضحت متجاوزة، ويتعين استعاضتها بفكرة “دولة القضاء والقانون”، حيث المزج بين القانون كأداة تَنشُد العدالة، وبين القضاء باعتباره وسيلة لبلوغ تلك العدالة في الواقع الملموس ؛ إذ لا قيمة لأي قانون بدون قضاء قوي مستقل وقادر على تطبيقه تطبيقا سليما وعادلا. ولا علاقة لهذه الفكرة، كما قد يتوهم البعض، بمفهوم “دولة القضاة”، فالبون شاسع بينهما.
غير أن اللافت في هذا المضمار، هو أن محاربة الفساد وفق هذا المنظور، ليس بالأمر الهين على القضاة كأفراد ممثلين للسلطة القضائية، خصوصا أمام مجموعات الضغط المتمثلة في “لوبيات” تدافع، بشراسة وقوة، عن مصالحها غير المشروعة، بما قد تشكله، في أحايين كثيرة، من تهديد حقيقي للقضاة، مع ما يُحتمل معه من تأثير خَفي عليهم في أداء لمهامهم.
ورفعا لهذا الخطر على القضاة، وبالتالي على ضمان سيادة القانون، يتعين على المجالس العليا للقضاء أن تشد أزر كل من تفانى من القضاة في محاربته للفساد، إذ إن حاجة هؤلاء ماسة إلى دعم فعلي واقعي ومباشر من طرف تلك المجالس، باعتبارها المؤسسات الوحيدة المكلفة بحماية استقلاليتهم، بل وملزمة بذلك أيما التزام، وإلا تُركوا في معترك “الفساد” تتلاطمهم أمواجه اللُّجية دون حماية أو دعم، وربما يُضَيّق عليهم حتى في عملهم هذا أمام مرأى ومسمع من المجالس المذكورة، إن لم يكن لبعضها يد سبق في ذلك، وهو ما سيؤثر سلبا على أداء مهام السلطة القضائية ككل، وسيعمق، لا محالة، من أزمة الثقة فيها.
ومن هذا المنطلق، نعتقد أن على المجالس العليا للقضاء عبر العالم، أن تعزز استقلالية القضاة حتى تستدر مجتمعاتهم ما قد ينطوي عليه قضاؤهم من منافع بناء على ما يتوفرون عليه من تكوين رصين وخبرة علمية وعملية ؛ إذ إن كل هذا لا يكفي لبلوغ الأهداف المنشودة بدون استقلالية حقيقية وفعلية للقضاة.
___________________________________________
موقع المغربية المستقلة يدعو متتبعيه للإلتزام واتباع التعليمات و التدابير الإحترازية التي اتخذتها السلطات طوال فترة الطوارئ الصحية حفاظا على سلامتكم و سلامة البلد ” بقاو في ديوركم”.