سلسلة جلسات دينية يومية: سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم : (جلسات 47-48-49-50)

المغربية المستقلة:

سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة السابعة والأربعون: 

*تقديم الإغراءات لصاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم لثَنيهِ عن دعوته*

فأغرَوْه بالمال, والمنصب , والجاه ..

ذكرت كتب السير أن عتبة بن ربيعة قال لقريش :

يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلّمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا. ـ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون ـ.

فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال:

يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرَّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، كفرَّت به من مضى من آبائهم،

فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها.

فقال رسول الله ﷺ:
«قل يا أبا الوليد أسمع»،

ـ قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا.
ـ وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك.
ـ وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا.
ـ وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه.

حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله يستمع منه قال: «أقد فرغت يا أبا الوليد»؟
قال: نعم، قال: «فاسمع مني».

قال: أفعل.

قال: «بسم الله الرحمن الرحيم: {حم تَنزِيلٌ مّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَبٌ فُصّلَتْ ءايَتُهُ قُرْءانا عَرَبِيّا لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرا وَنَذِيرا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} (فصلت:1 – 4).

ثم مضى رسول الله فيها يقرأها عليه.
فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه.

ثم انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك».

فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض:
نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.

فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟
قال: ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة.

يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

*وقد ذكر القرآن هذا الأسلوب ونبّه إليه رسوله فقال:
( ودوا لو تدهن فيدهنون ) فأبى صلى الله عليه وسلم .
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

___________________________________________________

سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة الثامنة والأربعون:

*الإذن بالهجرة إلى الحبشة*

اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من قريش واشتد تعذيبهم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من آمن بالله بالهجرة إلى الحبشة؛ ليسلموا ويَسْلم إيمانهم..

يقول ابن إسحاق رحمه الله:

” لما ضاقت مكّة وأوذي أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم،وفُتِنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، وأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، ـ وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمّه ـ ، قال:

(( إِنَّ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ مَلِكاً لاَ يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فاَلْحَقُوا بِبِلاَدِهِ، يَجْعَلْ اللهُ لَكُمْ فَرَجاً وَمَخْرَجاً مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ )).

قالت: فخرجنا أرْسالاً، حتّى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، آمنين على ديننا، ولم نخشَ فيها ظلما.

👈🏼 وكان أوّل من خرج من المسلمين عثمان بن عفّان معه امرأته رُقيّة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو.
والزّبير بن العوّام، ومصعب بن عمير، وعبد الرّحمن بن عوف.
وأبو سلمة ومعه امرأته أمّ سلمة بنت أبي أميّة، وعامر بن ربيعة وغيرهم.

ثمّ خرج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه معه امرأتهأسماء بنت عميس..

وتتابع المسلمون، حتىّ اجتمعوا بأرض الحبشة فكانوا بها: منهم من خرج بأهله معه، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له.

ثمّ لحق بهم عبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسهيل بن بيضاء، وغيرهم كثير .. *حتّى بلغ مجموعهم ثلاثةً وثمانين نفرا ..*

أمّا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فمكثوا في مكّة يمشون على الأشواك، ويُحثى عليهم التّراب .. ويتحملون في سبيل الله كل أذى ومكروه.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

___________________________________________________

سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة التاسعة والأربعون:

*المسلمون في أرض الحبشة*

ما إن علمت قريش بوجهة المسلمين إلى الحبشة إلا ودبّ الخوف إلى قلوبهم خشية أن يقوى عود هذا الدين هناك فيرجع إلى مكة فيستأصل شوكة الكفر فأرسلت رسلها لملك الحبشة تحرضه على طرد المسلمين من بلاده ..

تحدثنا السيدة أمّ سلمة رضي الله عنها بقيّة حديث الهجرة إلى الحبشة قائلة:

.. فلمّا رأت قريشٌ أنّ أصحاب النبيّ قد أصابوا دارا وأمنا، أجمعوا على أن يبعثوا إلى النجاشيّ فيهم ليخرجهم من بلاده، وليردّهم عليهم.

فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلا إلاّ هيئوا له هديّة على حدة.

وقالوا لهما: ادفعا إلى كلّ بَطريق هديّته قبل أن تكلّموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتم أن يردّهم عليكما قبل أن يكلّمهم فافعلا.

فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلاّ قدّموا إليه هديّته وكلّموه. وقالوا له:

*إنّا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم ! ولم يدخلوا في دينكم ! فبعثنا قومُهم فيهم ليردّهم الملك عليهم، فإذا نحن كلّمناه فأشيروا عليه بأن يفعل. فقالوا: نفعل.*

ثمّ قدّما إلى النّجاشيّ هداياه، وكان أحبّ ما يُهدَى إليه من مكّة الأدم، فلمّا أدخلوا عليه هداياه قالوا له:

أيّها الملك ! إنّ فتيةً منّا سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدَع لا نعرفه، وقد لجئوا إلى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم: آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردّهم عليهم.

فقالت بطارقته: صدقوا أيّها الملك ! لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينا، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعَهم بذلك.

فغضب ، ثمّ قال: لا لعمر الله ! لا أردّهم عليهم حتّى أدعُوَهم وأكلّمهم وأنظر ما أمرهم ؟
قومٌ لجئوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أخلّ بينهم وبينهم، ولم أُنعِمْهم عينا.

فأرسل إليهم النّجاشيّ، فجمعهم.
*ـ ولم يكن شيء أبغض َإلى عمرو بن العاص وعبد الله ابن أبي ربيعة من أن يسمع كلامَهم ! ـ*

فلمّا جاءهم رسول النّجاشي، اجتمع القوم فقالوا: ماذا تقولون ؟ فقالوا: وماذا نقول ؟ نقول- والله – ما نعرفه،وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبيّنا كائنٌ في ذلك ما كان.

فلمّا دخلوا عليه كان الّذي تكلّم منهم *جعفر بن أبي طالب* رضي الله عنه.

فقال له النّجاشي: ما هذا الدّين الّذي أنتم عليه ؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهوديّة ولا نصرانيّة، فما هذا الدّين ؟

فقال جعفر: أيّها الملك:

*كنّا قوما على الشّرك، نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحلّ المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحلّ شيئا ولا نحرّمه، فبعث الله إلينا نبيّا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصلَ الرّحم، ونحسنَ الجوار، ونصلّي لله، ونصومَ له، ولا نعبد غيره.*

فقال: هل معك شيء ممّا جاء به ؟ – وقد دعا أساقفتة فأمرهم فنشروا المصاحف حوله -.

فقال له جعفر: نعم.

فقال: هلُمّ فاتْلُ عليّ ما جاء به.

فقرأ عليه صدرا من {كهيعص}، *فبكى – والله – النّجاشيّ حتّى اخضلّت لحيتُه، وبكت أساقفته حتّى اخضلّت مصاحفهم !*

ثمّ قال:

إنّ هذا الكلام ليخرُج من المشكاة الّتي جاء بها موسى وعيسى عليهما السّلام..

انطلقوا راشدين، لا والله لا أردّهم عليكم، ولا أنعمكم عينًا.

___________________________________________________

سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم*

الجلسة الخمسون

*دخول سيدنا حمزة رضي الله عنه في الإسلام*

ما إن بدأت (السنة السادسة والأربعون) من عمر الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا وأشرقت بوادر القوة للمسلمين بإسلام رجلين عظيمين هما:
سيدنا حمزة رضي الله عنه
وسيدنا عمر رضي الله عنه

*1ـ قصة إسلام سيدنا حمزة رضي الله عنه:*

وكان من خبر إسلامه:

“أنَّ أبا جهل مرَّ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدِينه، والتَّضعيف له؛ فلم يكلِّمه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومولاةٌ لعبد الله بن جُدْعان في مَسكنٍ لها فوق الصَّفا تسمع ذلك.

ثم انصرف عنه؛ فعَمِد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزةُ أن أقبل متوشِّحًا قوسَه، راجعًا من قَنَصٍ له – وكان صاحب قَنَصٍ – .
وكان إذا رجع من قَنَصه بدأ بالطَّواف بالكعبة، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشدَّه شكيمةً.

فلما مرَّ بالموالاة قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقيَ ابنُ أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده هاهنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبَلَغ منه، ولم يكلِّمه محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته؛ فخرج يسعى مُغذًّا لأبي جهل، فلما رآه جالسًا في القوم أقبل نحوه؛ حتى إذا قام على رأسه رفع القوسَ فضربه بها، فشجَّه شجَّةً منكرةً، ثم قال: أتشتمه؟

*فأنا على دِينه، أقول ما يقول؛ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعتَ.*

فقامت رجالٌ من بني مخزومَ إلى حمزة لينصروا أبا جهلٍ؛
فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فوالله لقد سببتُ ابنَ أخيه سبًّا قبيحًا.

وتمَّ حمزةُ على إسلامه..

فلمَّا أسلم؛ عرفت قريش أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة رضيَ الله عنه سيمنعه؛ فكفُّوا بعض الشيء”
أخرجه البَيْهِقِيُّ والحاكم
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

 

Loading...