د. بكار السباعي :النزعة الإنفصالية والقضية الوطنية نتائج بحث ميداني

المغربية المستقلة :

د. بكار السباعي

لم تكن افتراءا كل تلك الفرضيات الواردة عن برغماتية الفكر الإنفصالي بالصحراء يتزعمه قيادات صحراوية سواء من داخل هاته المناطق أو بأوربا و تنضوي تحت لواء شخصيات تنكرت لغدوتها و رواحها في مخيمات محتجزي تيندوف… شخصيات تشكلت من طلبة انخرطوا في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب فترة الستينات تجمعت في هيأة اخطبوط يمد أطرافه في بواطن كل طبقات المجتمع السلطة فتعتصرها قرارات لا تصب إلا في مصلحة اللوبي الممسوس بجنون الغرور و الفخر و التكبر…. ذاك اللوبي المتدثر بغطاء جبهة البوليساريو لا يغدو في الحقيقة إلا غطاء مثقوب يحاول إخفاء اطماع استغلالية بإسم الوطنية المزورة تمظهرت آخر ملامحها في بحث ميداني أجراه مرصد الجنوب لحقوق الأجانب حول النزعة الإنفصالية لدى فئة مهمة تقدم صورة واضحة لحقيقة الفعل الإنفصالي وهي فئة الطلبة الجامعيين، أهمية هاته الفئة تتجلى في البعد الزمني لكون هاته الفئة هي من وضعت اللبنة الأساس لجبهة البوليساريو قبيل التأسيس بالإضافة إلى إمكانية إحتواءها وتسخيرها لخدمة أجندات معينة نظرا لما تحمله من طاقة وتراجع لمستوى تحليلي مقبول يميز الحق من الباطل.
البحث الميداني كان عبارة عن استمارة موجهة لطلبة بجامعة ابن زهر بآكادير وجامعة القاضي عياض بمراكش، بلغ عدد المستجوبين 40 طالبا وسخر لإنجاز هذا البحث امكانيات مهمة وضمانات بسرية المعلومات الشخصية للمستجوبين.
إن النزعة الإنفصالية لا يمكن فهمها دون فهم الإطار التاريخي الحقيقي لولادة جبهة البوليساريو وهي الجبهة التي خلق لتحرير منطقة الصحراء من الإستعمار الإسباني غير أن ولما كان يعيشه العالم من معسكرين رأسمالي وإشتراكي، وقد تم استقطاب الشباب المؤسس للجبهة من طرف داعمي الإشتراكية وفق منهج عمل يقوم على مبدئين هما التحريض و الدعاية، وحسب قاموس اوكسفورد فالتحريض يراد به ”الإثارة أو التحريك”، بينما الدعاية فهي “مخطط منهجي أو حركة منسقة لترويج عقيدة أو منهج ما”. وهو ما ينطبق في قالب مثالي على جبهة البوليساريو إلى يومنا هذا.
نورد في مقالنا هذا بعضا لنتائج البحث الميداني التي تضمن خمس عشر سؤالا.
السؤال الأول الذي طرح هو هل تعرف تدرك بما لا يدع مجالا للخطأ بكل الأحداث الإقليمية المميزة لفترة الستينات والسبعينات؟ 68 في المئة يشككون في معارفهم التاريخية دون مجال للخطأ في حين فقط 32 في المئة يركون حسب قولهم بهاته الأحداث، هاته النسب المئوية توقفنا على اشكالية الطالب السياسي و الطالب المسيس، فجبهة البوليساريو وإن كانت للطلبة الجامعيين دور في تأسيسها وتبني فكر سياسي فاليوم هاته الفئة بالذات تراجع مستوى التحليل لديها لتسيس بمعنى التفاعل مع الحدث وليس صناعة الحدث كما كان في السابق، ومما لا شك فيه أن التفاعل مع الأحداث لا يمكن ان يعرف إستمرارية دون تبعية لمركز قرار يوهم المتعاطف أنه نفسه من يملك القرار.
وعن تاريخ النزعة الإنفصالية فقد كان السؤال الثاني كتالي: هل يمكن أن تذكر بالإسم كل الأفراد من مؤسسي جبهة البوليساريو فقط 14 بالمئة استطاعوا ذكر مؤسسي جبهة البوليساريو بينما عجز 86 بالمئة عن ذكر اسماء الجبهة الإنفصالية الأمر الذي يوقفنا على حقيقة الإيمان القاطع بتأسيس الجبهة من الأصل قبل الخوض في مبادئها، فما يحدث غالبا هو أن الأقلية تصارع دوما من أجل البقاء ومن أجل انتزاع اعتراف الآخر بها، وتبقى علاقتها بالدولة دائما مشوبة بالحساسية والتجاذبات وهو ما يمكن تفسيره بطاقة الصراع بين الفرد الغير مدرك والدولة، وهو بذلك يثور كلما أتيحت له الفرصة مستعيدا شخصيته في صراع داخلي مع الذات و صراع خارجي مع الآخر من أجل فرض الذات.
السؤال ما قبل الأخير الذي سندرجه في مقالنا هو هل سبق وأن اطلعت على القانون الأساسي لجبهة البوليساريو؟ الجواب ان 20 في المئة اطلعوا على القانون بينما 80 في المئة لا يعلمون به وإرتباطا بعدم علمهم بهذا القانون وجه لهم السؤال التالي كيف إقتنعتم بفكرة تبني الفكر الإنفصالي دون قراءة القانون الأساسي لجبهة البوليساريو فقد اشار 7 بالمئة بإقتناعهم بالفكر في حين 22 بالمئة يعتبرون الفكر واجبا رفاقاتيا أي واجب يجمع مجموعة من الأفراد على نفس الفكرة، في حين 23 بالمئة يعتبرون تبني الفكر الإنفصالي هو نوع من تحصين للذات ضد الآخر و 48 في المئة يقرون ان نضالهم من أجل هذا الفكر هو مرحلي اي مرتبط فقط بمرحلة الجامعة.
وإرتباطا بعائلات شهداء الجيش المغربي الذين استبسلوا في الدفاع عن مغربية الصحراء وما خلف من أثر كبير على عائلاتهم وأبنائهم فقد تم توجيه السؤال التالي هل تستطيعون التعبير عن إنتمائكم للجبهة الإنفصالية أمام العائلات الصحراوية التي فقدت ابنها إبان الحرب ضد جبهة البوليساريو؟ فلم يؤكد أي مستجوب قدرته على التعبيير عن انتمائه بل أكثر من هذا ومن خلال المعاينة لسلوكات المستجوب فقد توحد 95 في المئة من المستجوبين في الإشارة إلى أن الأمر هو نوع من الجنون بعبارة “نت نجنيت” أو عبارة “مالي فيسد” فالكلمة الأولى تفسر بسؤال إستنكاري عن جنون السائل وهو ما يوقفنا عن ادراكه المسبق بأن قضيته تقف عاجزة امام ضحايا هاته القضية بالذات، في حين فالكلمة الثانية تفيد عن المستوى الأخلاقي الذي يعتبرونه غائبا تماما إذا ما عبر عن انتمائه امام العائلات الصحراوية التي انخرط آباؤها وأبناؤها مستبسلين في الدفاع عن قضية الصحراء.

“هناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة هو نقطة التحول…” الشيخ محمد الغزالي، فأحيانا يعتذر المرء ليس من خطئ أو جرم بل من خشية فقدان. و أحيانا يدفع إيثار النفس على الحق و التمادي في الصد إلى استعجال انسدال الستار و ختم المسار. و أحيانا تنزلق الكلمات دون اعتبار فتقع نصلا في كبد محاولات الفهم و التجاوز و صراع البقاء و الاستمرار لفرض الذات، فما أقسى الخيبة التي تخلفها الروابط حين نحسبها فولاذية متينة قبل أن تعصف بأركانها تقلبات المزاج.
اقتبس جورج واشنطن كلمات واردة في الإنجيل ليعلن استقالته من منصب الرئاسة، وقد كرس بذلك منطق تبادل الأدوار فنجاح التنظيم السياسي ليس بأن يصل لموقع القرار وإنما أن يحف نفسه بأفراد يريدونه الإستمرار وهو الأمر الذي يغيب عن جبهة البوليساريو التي لن تستطيع لا محالة تمرير مغالطات أو الإستمرار في نهج سياسة الدعاية والتحريض إذا كان الواقف في النقيض هو من ابناء جلدتهم لا يؤمن بالإنفصال بقدر ما يوقن بالإستمرار في العمل لخدمة القضايا النزيهة للإنسان عموما بدل خدمة اجندته الشخصية. يقول المثل الحساني ماجبر سفة اسفها جابوا لو عروس إلفها ما حملنا على ذكر هذا المثل هو أمران الأول هو أنه لا يمكننا أن نطالب بما لم نمنح و الثاني و هو التجربة الاجتماعية المحكية في شكل أمثلة شعبية و التي يجب أن توثق فقد صار حريا بنا أن نكتب و أن ندعم الاعلام كسياسة رشيدة للتواصل بيننا و للتفاهم الأمثل فالسياسة كسلوك فردي أو جماعي ما هي الا انعكاس للمدرسة الاجتماعية التي ينشأ عليها الساسة فحين يستعد المجتمع للتغيير فان الأمة تلد القادة.
د/”الحسين بكار السباعي
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
رئيس مرصد الجنوب لحقوق الأجانب والهجرة.

Loading...