فيلم :《صياح و همس .. رقصة الموت

المغربية المستقلة : السيناريست وسام يلديز سويدر

بقي الحلم يراود انغمار برغمان لسنتين، حلم يقظة له أن يفسره بفيلم، كان يرى غرفة كل ما فيها أحمر، وبين جدرانها ثلاث نساء يرتدين الأبيض يتهامسن دون أن يعرف ما الذي يقلنه، وكان كلما راوده هذا الحلم ازداد توقاً لاكتشاف ما يقلنه، ولنكون في النهاية أمام فيلمه «همسات وصرخات» 1972 الذي جاء مسكوناً بهذا الهاجس، ولعله كان كل الفيلم- القصيدة، التوصيف اللصيق بما صنعه من أفلام، ولعل آليات صناعة الفيلم لدى برغمان شبيهة بكتابة قصيدة تماماً، وبقدر هائل من الذاتية، أو كما يقول هو نفسه عن علاقته بالسينما «إن صناعة فيلم هي مسألة شخصية جداً بالنسبة لي. إنها قوة دافعة مثل الجوع والعطش. يعبر بعض الناس عن أنفسهم بكتابة الكتب، برسم اللوحات، بتسلق الجبال، بضرب أطفالهم، أو برقص السامبا، أما أنا فأعبر عن نفسي بصنع الأفلام»

مقاربة الفيلم ستكون في تعقب الحلم الذي بدأنا به، ولنا أن نجده تفصيلاً أمامنا على الشاشة، فبعد لقطات متوالية لساعات مختلفة الأشكال والتصاميم، مع التحف والتماثيل، نكون أمام صالون واسع وبأثاث كلاسيكي كل ما فيه ضارب في الحمرة، بينما ثلاث نساء يرتدين الأبيض أمامنا، إضافة إلى خادمة، ولنتعقب حركات تلك النساء، وعلى خلفية تشكيلية، وديكور باذخ له أن يحول اللقطات إلى لوحات تتعاقب وهي تشكل ما له أن يتحول إلى إطار يظلل تلك الحركات، وليتبع ذلك مقاربة كل امرأة عبر «الفلاش باك» وحياتها الماضية.

النساء هن ثلاث أخوات، وما يجمعهن هو مرض إحداهن أي أغنس (هاريت أندرسون) أو احتضارها، ما استدعى حضور آنا (كاري سيلون) وماريا (ليف أولمان)، ولعل الحدث الرئيس في الزمن الافتراضي للفيلم، أي في الحاضر، هو موت أغنس في النهاية، ولكن مع زيارة الطبيب تستعيد ماريا علاقتها معه، خيانتها لزوجها الذي يحاول الانتحار، وعلاقتها مع أمها، وغير ذلك مما تعود إليه بمجرد أن تمسي الشاشة حمراء، كذلك الأمر مع آنا وعلاقتها المأزومة مع زوجها وقيامها بمحاولة الانتحار عبر غرس زجاج كأس مكسور في منتصفها، ولعل أغنس المحتضرة هي الوحيدة التي لا تعود في الزمن، إذ إنه سرعان ما تموت بعد مشاهدتنا معاناتها المؤلمة و المصورة بغرد إيصال أكبر قدر من العذاب إلى المشاهد ،و حين تموت يبقى الفيلم على اللون الأحمر، لكن ليحضر الأسود بدل الأبيض. علاقة أغنس بالخادمة كارين “أنغريد ثولين” على شيء من أمومة الخادمة لها و ما إن تشتد الآلام على أغنس حتى تقوم الخادمة بتعرية صدرها و إحاطتها كما لو أنها أم ،و ليمضي الفيلم إلى إعادة أغنس إلى الحياة في مشهد تتضح فيه علاقة الأختين بأغنس، و تبدو الخادمة خلاصا لها ،كونها الوحيدة التي لا تخافها، بينما تهربا الأختان بعد إتفاقهما على تقاسيم الورثة بينهما و التخلي عن كارين.

لا يمكن تفسير عودة أغنس إلى الموت إلا باقتباس ما يقوله إنغمار بيرغمان نفسه و لعله يصلح ليكون خاتمة لعبورنا الوجيز على “صرخات و همس” يقول بيرغمان ” أشعر أن الموت هو إستمرار ودي وجيد لنهاية الحياة”

Loading...