المغربية المستقلة : سيداتي بيدا
قبل صافرة البداية، يكون الجمهور عادةً معلّقاً بين أملٍ خجول وخوفٍ مشروع. لكن أحياناً، لا ينتظر المشجّع صافرة الحكم ليحلم؛ يكفيه خبر “سار” يتسلّل إلى هاتفه، مبهوراً بشعار شركة اتصالات كبرى، ليجد نفسه فجأة في الصف الأمامي للأحلام الرقمية.
الخبر كان بسيطاً، لامعاً، وسهل الحفظ: كل هدف للمغرب = جيجابايت أنترنت. معادلة لا تحتاج إلى محلل رياضي ولا إلى خبير في الاقتصاد الرقمي. كرة في الشباك، رصيد في الهاتف. الوطن يسجّل، والعداد يتحرك.

في زمن صار فيه الأنترنت امتداداً للحياة اليومية، بدا العرض ذكياً حدّ الإغراء. فالاحتفال لم يعد مقتصراً على العناق والهتاف، بل صار قابلاً للتحميل والمشاركة والبث المباشر. الهدف لم يعد فقط لحظة فرح عابرة، بل “باقة بيانات” قابلة للاستهلاك الوطني. تسويق ذكي؟ بلا شك. وعد جذاب؟ بالتأكيد.
انطلقت المباراة، وسجّل المنتخب هدفاً… ثم ثانياً. المدرجات اشتعلت، وسائل التواصل انفجرت، والآلة الحاسبة لدى الجمهور اشتغلت تلقائياً: هدفان = 2جيجابايت. لا مجال للتأويل، ولا هامش للاجتهاد. الحساب هنا دقيق كضربة جزاء.
لكن بعد نهاية المباراة، وقع ما لا يُدرّس في كليات التسويق:
الهدفان في الشباك، و2 جيجابايت… في المجهول.
لا إشعار، لا رصيد، لا حتى اعتذار صغير يمرّ مرور الكرام. كأن الوعد لعب المباراة كاملة، ثم غادر الملعب دون أن يمرّ بغرفة تبديل الملابس.
هنا، لا يعود الحديث عن أنترنت مجاني، بل عن رصيد الثقة. لأن الشركات الكبرى لا تبيع فقط خدمات، بل تبني صورة. والوعد، حين يُعلن على الملأ، يتحول تلقائياً إلى عقد معنوي. وعندما لا يُنفّذ، لا يُخصم من الرصيد الرقمي فقط، بل من الرصيد الرمزي أيضاً.
السخرية التي عمّت ليست شراسة، بل ردّ فعل طبيعي. سخرية المواطن الذي يسأل بابتسامة مُرّة:
هل كان الهدف خارج التغطية؟
هل الجيجابايت علقت في غرفة الـVAR؟
أم أنها ضاعت في الوقت بدل الضائع؟
والحقيقة البسيطة أن التوضيح الصريح، مهما كان، أقل كلفة من الصمت. فالاعتذار لا يُضعف العلامة التجارية، بل يقوّيها، بينما الغموض يفتح الباب للتأويل، والسخرية، وفقدان المصداقية.
في النهاية، لا أحد يطالب بمعجزة رقمية، ولا يتهم النوايا، ولا يشكك في الوطنية. المطلوب فقط انسجامٌ بين ما يُقال وما يُفعل. لأن الجمهور، كما علّمتنا كرة القدم، قد يسامح في خسارة مباراة… لكنه نادراً ما ينسى وعداً قُطع له قبل صافرة البداية.
