المغربية المستقلة : بقلم سيداتي بيدا
في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، يظل الإعلام ركيزة أساسية في بناء الوعي وصياغة الرأي العام. ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى الدعم العمومي كرافد ضروري يمد المؤسسات الإعلامية بما يمكنها من القيام بدورها التنويري والرقابي. غير أن واقع الحال يفضح وجهاً آخر؛ وجه الدعم الذي تحول أحياناً إلى أداة مغلوطة تسهم في تشويه فعل الإعلام وتفريغه من جوهره النبيل.
المداخلة البرلمانية الأخيرة التي قدمها السيد محمد أوزين، إن لم تكن مجرد تصريح إعلامي تقليدي، فهي بمثابة إنذار مدوٍ يكشف النقاب عن أزمة عميقة تجتاح قطاع الإعلام المُموّل من المال العام. الدعم الذي وُجد ليكون عوناً للإعلام الحر، صار في أيدي البعض وقوداً لانزلاق متكرر نحو محتويات ترفيهية سطحية، وأحياناً خطابات تشهيرية تغذي القطيعة بين الإعلام والمجتمع، متحكمة بعقول الجمهور لتسليعه عبر برامج لا تكاد تخلو من التكرار والإثارة الزائفة.
الأمر لا يقتصر على اختلال في جودة المحتوى فحسب، بل يستهدف بدقة ثقة الجمهور التي تعد حجر الزاوية في العلاقة بين الإعلام والمجتمع. فغياب مراقبة صارمة وآليات شفافة لمساءلة الجهات المستفيدة من الدعم العمومي، يُفسح المجال لانتشار نماذج إعلامية تتسامح مع الممارسات التي تضر بالمهنة وتقوض المبادئ الأخلاقية والمهنية.
كما يبدو واضحاً التجاهل أو الإهمال المقصود لقضايا وطنية استراتيجية على درجة عالية من الأهمية؛ كالصراعات السياسية الداخلية، والتحديات الاقتصادية، والإنجازات الدبلوماسية التي كان من المفترض أن تحتل مساحة مركزية في خطاب إعلامي يراعي الدور الجوهري الذي يجب أن يلتزم به. وهذا التجاهل يرسم صورة قاتمة لمشهد إعلامي عاجز عن استثمار الدعم العمومي في تحقيق التنوع المعرفي والارتقاء بمستوى النقاش الوطني.
لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الأموال المقدمة بهذا الصدد ليست ترفاً أو هبة دون شروط، بل هي التزام ومسؤولية تفرض شروطاً واضحة للتقييم المستمر للجودة، والنتائج، والتأثير الاجتماعي. وبدون هذه الضوابط، ستظل المؤسسات الإعلامية أسرى لصوت مرتفع بلا مضمون، ينسف جسور الثقة ويعمق من جهل المواطن بدوره في الحراك الديمقراطي.
لذا، يتعين على الجهات المؤسسة للتشريعات أن تضع في صلب أولوياتها تطبيق معايير صارمة وشفافة لإدارة الدعم العمومي، بما يضمن توظيفه في خدمة رسالة إعلامية موضوعية، مسؤولة وفاعلة. وفي الختام، لا بد من التأكيد على أن الإعلام المدعوم لا ينبغي أن يكون حاضنة للتدهور، بل منبعاً لتجديد الفكر وفعل التغيير البنّاء..
