المغربية المستقلة : سيداتي بيدا
في مدينة طنجة، حيث تلتقي الرياح بالبحر وتتنافس الأبراج على عناق الغيوم، برزت قصة تُشبه رواية بوليسية، لكن أبطالها هذه المرة ليسوا من خيال أجاثا كريستي، بل من واقع مؤسف يليق بزمانٍ صار فيه “الضمير المهني” سلعة نادرة أكثر من الذهب نفسه.
القصة بدأت حين دخلت سيدة مسنّة مصحةً خاصة لتلقي العلاج، تحمل في معصمها بقايا ذكريات من زمن الوفاء والبركة: أساور ذهبية ترافقها منذ عقود. لكنها ما كانت تعلم أن تلك الأساور ستُغادرها إلى الأبد وهي على سرير المرض، بعدما قرر أحد بما يطلق عليهم “الملائكة البيض” أن يتحوّل إلى “صيّاد أصفر” يرى في المريض فرصة استثمارية لا تستحق التعاطف بل الاستغلال.
استفاقت العائلة لتجد أن الذهب اختفى، وأن ما ترك مكانه ليس سوى تقليد رخيص من نوع “بلاكيور” نسخة مزيفة تُشبه الحقيقة كما يشبه الوهم الكرامة حين تُباع بثمن بخس.
تحركت الشرطة القضائية، واستُدعي الطاقم التمريضي، وبدأ التحقيق. لكن المفارقة الساخرة أن المشتبه بهم لا يزالون يزاولون عملهم، وكأن شيئاً لم يحدث. المصحة من جهتها اكتفت بالصمت الحكيم، لأن السمعة كما يبدو أهم من العدالة.
في زاوية أخرى، يتساءل المواطن المغربي البسيط: كيف يمكن لمكان يُفترض أنه “ملاذ الشفاء” أن يتحول إلى “سوق للمجوهرات المستعملة”؟ كيف نثق في يدٍ تُمسك المحقن وهي لا تتورع عن سرقة السوار؟
القضية، وإن بدت صغيرة في ظاهرها، إلا أنها تعري منظومة كاملة من الانفلات الأخلاقي، وتكشف هشاشة الرقابة داخل بعض المؤسسات الصحية الخاصة، حيث يتحول المريض إلى زبون، والرحمة إلى بندٍ في الفاتورة.
نحن لا نطالب بالانتقام، بل بالمحاسبة. لأن العدالة في مثل هذه الحوادث ليست فقط من أجل تلك السيدة المسنّة، بل من أجل كل من ما زال يثق بأن المستشفى مكان للعلاج لا للنهب، ولأن الأساور المسروقة ليست مجرد ذهبٍ مسروق، بل هي قطعة من كرامة وطن تُسحب من معصمه في صمت.
