هل يمكن لعودة الأمطار أن تُترجم إلى مليون ونصف منصب شغل بحلول 2030 ؟

المغربية المستقلة  :  منير الدايري

في تصريح أخير أثار الكثير من الجدل، تعهدت الحكومة المغربية بإحداث مليون ونصف منصب شغل بحلول سنة 2030، شريطة أن تستمر التساقطات المطرية بطريقة عادية ومنتظمة. هذا الوعد جاء في وقت بدأ فيه المغرب يشهد عودة الأمطار بعد سنوات من الجفاف القاسي، حيث أعادت التساقطات الأخيرة – التي وصفت بالمهمة – الأمل إلى الفلاحين وأنعشت الأراضي الزراعية. لكن، وعلى الرغم من التفاؤل الذي أحدثته هذه الأمطار، يظل السؤال المحوري قائماً: هل يمكن فعلاً تحقيق هذا الهدف الطموح؟ وما مدى واقعية هذا التعهد في ظل التحديات الاقتصادية والبنيوية التي تواجهها البلاد؟

الأمطار: بداية ضرورية وليست حلاً كاملاً

لا شك أن عودة التساقطات المطرية تمثل خبراً ساراً للمغرب، البلد الذي يعتمد اقتصاده بشكل كبير على الفلاحة. الجفاف الذي عانى منه المغرب في السنوات الأخيرة أثر سلباً على الإنتاج الزراعي، مما أدى إلى تراجع فرص العمل في المناطق الريفية وزيادة معدلات البطالة. التساقطات الأخيرة بدأت تملأ السدود وتُحيي الأمل في موسم زراعي أفضل، لكنها وحدها لا يمكن أن تكون ضماناً لخلق وظائف بالملايين. فالفلاحة، رغم أهميتها، ليست آلة توليد وظائف فورية. إنتاج المحاصيل يحتاج إلى وقت، والوظائف المرتبطة به – مثل الحصاد والتوزيع – غالباً ما تكون موسمية ومحدودة العدد.
التعهد الحكومي يفترض استمرار التساقطات “بطريقة عادية ومنتظمة” حتى 2030، وهو شرط يبدو منطقياً لأن استقرار المناخ أساسي لاستدامة الإنتاج الزراعي. لكن هذا الشرط يكشف أيضاً عن هشاشة الوعد، إذ إن المناخ ليس متغيراً يمكن التحكم فيه. التغيرات المناخية العالمية أثبتت أن الجفاف قد يعود في أي وقت، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها إذا ما انقطعت الأمطار مجدداً.

مليون ونصف منصب شغل: طموح ضخم يحتاج إلى أكثر من الفلاحة

لنكن صريحين: إحداث مليون ونصف منصب شغل بحلول 2030 يعني خلق حوالي 250 ألف وظيفة سنوياً على مدى ست سنوات. هذا الرقم ضخم بمقاييس أي اقتصاد، خاصة بالنسبة للمغرب الذي يعاني من تحديات هيكلية مثل البطالة بين الشباب وضعف الاستثمار في القطاعات غير الفلاحية. إذا افترضنا أن الفلاحة ستكون المحرك الرئيسي لهذا الهدف، فإننا نحتاج إلى أرقام دقيقة: كم عدد الوظائف التي يمكن أن يولدها موسم زراعي جيد؟ وهل يمكن أن تتكرر هذه الديناميكية كل عام حتى 2030؟
الواقع يقول إن الفلاحة، حتى في أفضل حالاتها، لا يمكنها تحقيق هذا العدد من الوظائف بمفردها. على سبيل المثال، موسم زراعي ناجح قد يخلق عشرات الآلاف من الوظائف الموسمية، لكن الوصول إلى مئات الآلاف يتطلب استثمارات إضافية في سلاسل القيمة الزراعية – مثل التصنيع الغذائي، التخزين، والتصدير – وهي مجالات ما زالت تعاني من نقص التطوير في المغرب. هذا يعني أن الحكومة، إذا كانت جادة، يجب أن تتجاوز الاعتماد على الأمطار وتستثمر في قطاعات أخرى مثل الصناعة، التكنولوجيا، والسياحة، التي يمكن أن توفر وظائف دائمة ومستدامة.

الخطة المفقودة: الشفافية هي المفتاح

ما يثير القلق هو غياب خطة واضحة تدعم هذا التعهد. الحكومة لم تقدم حتى الآن تفاصيل حول كيفية تحقيق هذا الهدف: هل هناك استثمارات مقررة؟ هل سيتم دعم الفلاحين بقروض وبنية تحتية حديثة؟ وما هو دور القطاع الخاص في هذه العملية؟ بدون إجابات واضحة، يبدو الوعد وكأنه محاولة لرفع المعنويات أكثر من كونه استراتيجية مدروسة.
الشعب المغربي، الذي عانى من تبعات الجفاف وارتفاع الأسعار، يستحق أكثر من مجرد تصريحات. التساقطات الأخيرة قد تكون نقطة انطلاق، لكن تحويل هذه الفرصة إلى وظائف ملموسة يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنفيذاً سريعاً. على سبيل المثال، يمكن للحكومة الاستفادة من تحسن الوضع المائي لدعم مشاريع الري الحديثة، التي قد تزيد الإنتاجية وتخلق وظائف في المناطق الريفية. لكن هذا يحتاج إلى تمويل وتنظيم، وهو ما لم نرَ أي إشارة إليه بعد.

الواقعية مقابل الأمل: ما الذي يمكن توقعه؟

في أفضل السيناريوهات – أي استمرار الأمطار بانتظام ووجود خطة استثمارية قوية – قد ينجح المغرب في خلق عدد كبير من الوظائف، لكن الوصول إلى مليون ونصف بحلول 2030 يبدو هدفاً متفائلاً للغاية. الاقتصاد المغربي بحاجة إلى تنويع مصادر نموه، وهو ما يتطلب إصلاحات هيكلية تتجاوز الاعتماد على المناخ. في المقابل، إذا فشلت الحكومة في تقديم خطة واضحة أو إذا عاد الجفاف، فقد يتحول هذا الوعد إلى مصدر إحباط جديد.

في الختام، التساقطات المطرية الأخيرة هي نعمة يجب استغلالها، لكنها ليست عصا سحرية. التعهد بإحداث مليون ونصف منصب شغل بحلول 2030 يعكس طموحاً مشروعاً، لكنه يحتاج إلى أكثر من مجرد أمطار منتظمة. الشفافية، التخطيط، والاستثمار هي العناصر التي ستحول هذا الوعد من كلمات إلى واقع. الكرة الآن في ملعب الحكومة، والوقت وحده سيثبت ما إذا كان هذا التعهد حلماً قابلاً للتحقق أم مجرد صدى يتلاشى مع الرياح.

Loading...