القوات المسلحة تبلغ مرحلة التصنيع العسكري في عهد الملك محمد السادس : الرهان على جودة التكوين العسكري للرفع من كفاءتهم القتالية
المغربية المستقلة : انشطة ملكية
شهدت المؤسسة العسكرية المغربية خلال الـ25 سنة من حكم الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تطورات مهمة عززت من موقعها في الخريطة العسكرية العالمية، إذ حرص ملك المغرب على تطوير المنظومة الدفاعية والهجومية الوطنية على جميع الأصعدة والمستويات من خلال جملة من المبادرات التي توخت تحديث الترسانة العسكرية للجيش بما يتماشى مع طبيعة التهديدات والتحديات التي تواجه المغرب، وتحسين الوضع المادي لأفراد لعناصر القوات المسلحة الملكية، مع الرهان على جودة التكوين العسكري للرفع من كفاءتهم القتالية.
وبدا لافتا حرص المغرب في عهد الملك محمد السادس على تجاوز منطق الشراكات التقليدية الثابتة من خلال سلك نهج إستراتيجي جديد قوامه تنويع مصادر الحصول على السلاح، والانفتاح على شراكات جديدة في المجال الدفاعي، مكنته من تملك أحدث صيحات الصناعات العسكرية في العالم وأحدث التكنولوجيات الحربية التي ساهمت في ضبط أمن الحدود وتحييد مختلف الأخطار والتهديدات، ضامنا بذلك التفوق الإستراتيجي في محيطه الإقليمي.
وعملت المملكة في عهد الملك على مواكبة تطور شكل الحروب وأساليبها، من خلال توقيع صفقات ضخمة همت الحصول على أسلحة نوعية برية بحرية وجوية، وكذا إدماج الطيران المسير في منظومتها العسكرية، لتتصدر بذلك قائمة الدول المغاربية الأكثر امتلاكا للدرونات التي قلبت موازين الصراع حول الصحراء لصالح الرباط، كما عملت أيضا على إشراك قواتها المسلحة في الجهود الدولية لحفظ السلام من خلال المشاركة المشاركة في البعثات الأممية ذات الصلة، وهو ما مكن الجيش المغربي صقل خبرات عناصره.
عوامل ومعطيات جعلت من القوات المسلحة الملكية نموذجا تسعى مجموعة من الدول خاصة في إفريقيا إلى استلهام تجربته والاستفادة من خبراته، والتكوين في مدارسه ومؤسساته، دون أن يفوت مغرب محمد السادس أن يطمح بدوره إلى الاستفادة من تراكمات شركائه العسكريين من أجل توطين الصناعات الدفاعية على المستوى المحلي من أجل تقليص فاتورة الاستيراد والتخلص من التبعية العسكرية للخارج.
سياق متداخل وتحصين من الأطماع
قال موسى المالكي، باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيو-إستراتيجية: “القوات المسلحة الملكية حظيت برعاية ملكية، خاصة منذ اعتلاء الملك محمد السادس نصره الله سدة الحكم، وقد شهدت على مدى ربع قرن تطورا نوعيا مستمرا في العتاد والتدريب والخدمات الاجتماعية، خاصة أن الموقع الجغرافي للمغرب يضعه ضمن سياق إقليمي وجيو-إستراتيجي متداخل المصالح والرهانات وتنافس القوى الدولية والإقليمية”.
وأضاف المالكي: “تسببت عدة أحداث وموجات اضطراب في تحويل شمال إفريقيا إلى فضاء متصاعد المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، يتأثر بالسياق الدولي المتقلب منذ مطلع الألفية الثالثة، فقد تعرضت ليبيا للتفكك التدريجي منذ سقوط نظام القذافي، وتجد تونس صعوبة في استعادة توازنها السياسي، كما أن النظام الجزائري لا يدخر جهدا في تمويل وتسليح وتدريب مرتزقة البوليساريو لاستهداف الوحدة الترابية للمغرب”.
وعلى هذا الأساس يؤكد المصرح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “تطوير القوات المسلحة يستجيب لجهود المغرب في استكمال وحدته الترابية وتحصينها من أطماع الجيران، خاصة ما يتعلق بأقاليمه الجنوبية، ومدينتي سبتة ومليلية وبعض الجزر، وتأمين حدوده البرية والبحرية ومجاله الجوي”، مسجلا أن “المملكة تعرضت أيضا لمحاولات عديدة للتطويق الجيوسياسي، استطاعت أن تتعامل معها بكل حزم وحكمة”.
وبين الباحث ذاته أن “الجيش المغربي المشهود له بالمهنية والتمرس في الحروب التي شارك فيها على مدى عقود القرن السابق كان يحتاج بالضرورة إلى تحديث ترسانته العسكرية من الأسلحة المتنوعة، التي تلبي الاحتياجات والمتطلبات والمهام الجديدة، وتواكب التطورات التقنية والتكنولوجية المتسارعة التي تعيشها سوق الأسلحة”، موردا أنه “في مرحلة أولى ركز المغرب على الاستيراد لتلبية هذه الاحتياجات، مع تنويع الشركاء (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الصين) لتحقيق التوازن بين مزايا الأسلحة، وبين تكلفتها وتناسبها مع الخصوصيات الجغرافية ومع الإستراتيجيات والخطط الدفاعية”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “الاستيراد مكن من التوفر على أنظمة مدفعية متطورة (أرض – أرض)، وأنظمة دفاع جوي (أرض– جو وجو – جو)، ورادارات وطائرات حديثة (F16)، وطائرات بدون طيار (المسيرات)، وفرقاطات (سفن وزوارق حربية)، وأقمار اصطناعية عالية الدقة (محمد السادس 1 و2)، ودبابات وتشكيلة من الصواريخ المضادة للدبابات والمدرعات، علما أن المغرب متحفظ في ما يتعلق بالكشف عن تفاصيل صفقاته العسكرية لدواع أمنية”.
عصرنة للقوات ومنظومة تصنيع
أشار موسى المالكي إلى أن “المغرب ينخرط بنشاط في مختلف المناورات العسكرية الدولية والإقليمية لتطوير قدرات موارده البشرية، والاحتكاك بتجارب جيوش أخرى واختبار قدراته القيادية والعملياتية؛ وتعتبر مناورات الأسد الإفريقي التي يحتضنها بانتظام من بين أهم وأضخم المناورات التي تستعمل الذخيرة الحية؛ وزيادة على ذلك يساهم في بعثات عسكرية متعددة في إطار مهام الأمم المتحدة لإرساء السلام في عدة بلدان”.
ومع أهمية الاستيراد والتدريب المشترك في تحديث وعصرنة القوات المسلحة يضيف المالكي أن “المغرب يخوض إستراتيجية جديدة تضيف للاستيراد بناء منظومة تصنيع اكتملت أركانها وعناصر نجاحها، وأسس لها قانونيا (قانون صناعة الأسلحة رقم 10.20) وصناعيا (إنشاء منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع)، في سعي حثيث إلى توطين الصناعات الدفاعية، بتنسيق مع شركائه الدوليين”، مبينا أن “التصنيع العسكري المغربي يشهد تطورات متلاحقة تستمد زخمها من منظومة المفاهيم الإستراتيجية الكبرى التي أعلن عنها القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة الملك محمد السادس، والمتعلقة بالسيادة الصحية والطاقية والصناعية والدفاعية”.
وأشار المتحدث إلى “جني أولى ثمار التصنيع العسكري في المغرب، المتمثلة في إنتاج نماذج أولية لطائرات بدون طيار، علما أن القوات المسلحة الملكية راكمت تجربة واسعة في ميدان صيانة الطائرات والمعدات العسكرية ومعدات الحرب الإلكترونية، ما يعزز من قدرات البلاد في هذا المجال؛ وبالتالي فمن شأن هذا المسار أن يسهم في تقليص فاتورة استيراد الأسلحة من الخارج، المكلفة للميزانية العامة، بل سيسهم أيضا في خلق فرص شغل جديدة، وتقوية الاقتصاد الوطني من خلال تأسيس مقاولات مغربية رائدة في هذه الصناعات وجلب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الشركات العالمية للاستثمار في هذا المجال”.
وخلص الباحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيو-إستراتيجية إلى أن “هذه الجهود التي يقودها الملك محمد السادس نصره الله ستثمر تعزيز الموقع القاري الإفريقي المتقدم للمغرب، وتأمين الأدوار الجديدة للمملكة كقوة إقليمية فاعلة في تحقيق الأمن والاستقرار وسط وغرب وشمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط وسواحله المطلة على المحيط الأطلنتي، والدفاع عن المصالح العليا للبلد في مختلف السياقات والتطورات”.
تجديد نخب ورهان على البحث
قال العقيد طيار عادل عبد الكافي، المستشار السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الملك محمدا السادس استطاع إحداث تطور كبير على مستوى القوات المسلحة الملكية في ظل التحديات التي تعرفها المنطقة شمال إفريقيا والمغرب العربي وعموم القارة الإفريقية”، مشيرا أيضا إلى التجديد في النخب والترقيات التي عرفها الهيكل التنظيمي للجيش المغربي في ربع القرن الأخير من حكم الملك.
وأضاف عبد الكافي: “كان هناك تأكيد من جانب العاهل المغربي، بصفته القائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، على أهمية تطوير برامج البحث العلمي أبحاث الدفاع من أجل تطوير الصناعات العسكرية، إذ جرى تأسيس المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع بأمر من الملك، من أجل إجراء الدراسات الإستراتيجية ومواكبة تحديات المنظومات العسكرية وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “الجيش المغربي تمكن من امتلاك أسلحة جد متطورة في السنوات الأخيرة، رفعت من القدرات القتالية لأفراده”، مسجلا أن “المغرب عمل أيضا على تحديث البنى التحتية حتى تستوعب الأسلحة الحديثة كما راهن على الموارد البشرية من خلال تكوين عناصر فنية قادرة على التعامل مع أحدث التقنيات والمعدات العسكرية”؛ كما أشار إلى “انفتاح القوات المسلحة الملكية المغربية على الدول المتقدمة وعلى الحلفاء الإستراتيجيين للرباط، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إضافة إلى الصين أيضا التي استفاد الجيش المغربي من قدراتها في إدارة الحروب الإلكترونية، إضافة إدخال الطيران المسير في الخدمة وحصوله على منظومات دفاع متطورة على غرار منظومة ‘هيمارس’ وراجمة الصواريخ الصينية ‘أر2’، مع العمل بطبيعة الحال على توطين الصناعة العسكرية من خلال رصد ميزانيات مهمة لذلك، وبالتالي تحقيق السيادة العسكرية”.