المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وسبعة وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*مشاهد من نصر المسلمين في أحد*
*1ـ مقتل زعماء الشرك وحمال الألوية*
قتل يوم أحد من المشركين طلحة بن أبي طلحة..
فحمل اللواء أخوه أبو شيبة بن أبي طلحة..فقتله حمزة..
ليرفع اللواء بعده أبو سعد بن أبي طلحة، فكان فريسةً لسعد بن أبي وقّاص، إذ رماه بسهم فأصاب حنجرته.
فحمله بعده مُسافع بنُ كبشِ الكتيبةِ، وكان من نصيب عاصم بن ثابت رضي الله عنه، أصابه بسهم فقتله لحينه.
فحمله بعده كِلاب بنُ كبشِ الكتيبة فانقضّ عليه الزّبير رضي الله عنه حتّى قتله.
وتقدم القتلى واحدًا إثر واحد..
وانتصر المسلمون انتصارًا ساحقا..
جاء في “مسند الإمام أحمد” عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه أنّهُ قالَ – في حديث طويل -:
مَا نَصَرَ اللهُ تبارك وتعالى فِي مَوْطِنٍ كَمَا نَصَرَ يَوْمَ أُحُدٍ.
قَالَ الرّاوي عنه: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ،
فقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللهِ تبارك وتعالى، إِنّ اللهَ عزّ وجلّ يقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} يقُولُ ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه:
وَالْحَسُّ الْقَتْلُ ..
وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ، حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ ..»
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وثمانية وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*مشاهد من نصر المسلمين في أحد*
*2ـ الروح القتالية للمسلمين*
لقد فوجِئ المشركون بجيش يحصدهم على الأرض حصدا .. حتّى ولو أرادوا أن يفرّوا إلى السّماء فإنّهم لن يستطيعوا، فقد كان ينزل عليهم الموت من جبل الرّماة كالشّهب، فلا الأرض وسعتهم، ولا السّماء قبلتهم ..
وكان الرّماة يؤدّون مهمّتهم على أكمل وجه، فتفرّقت صفوف الوثنيّين، وهربوا بكلّ اتّجاه .. ولكن إلى أين ؟
إنّ السّهام لا تنطلق من قمّة الجبل فقط .. لقد كان بقرْب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمهرُ الرّماة وأفضلُهم:
ـ سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه.
ـ وأبو طلحة رضي الله عنه.
❍ وكان سعد رضي الله عنه ممّن تقرّ به الأعين .. فمع شدّةِ الحرب ولهيبِها استطاع أن يَلْفتَ انتباه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فحدّثنا بما رآه.
روى البخاري عنْ علِيٍّ رضي الله عنه قالَ: ما سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ، إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فإِنِّي سَمِعْتُهُ يقولُ يَوْمَ أُحُدٍ: ((يَا سَعْدُ، ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي )).
وزاد هذا الدّعاء من حماس سعدٍ، وظلّ يحفظ ذلك طوال حياته..
❍ أمّا أبو طلحة رضي الله عنه، فتراه إلى جانب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم متترّسا بحجفة – وهي الدّرع من الجلد اتّقاء نبل المشركين – وإليك خبرَه من صحيح البخاري ومسلم عنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ:
“… كَانَ أبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ – أي الرّمي -،كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا – أي: من شدّة الرّمي -، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنْ النَّبْلِ، فَيَقُولُ – أي: النبيّ صلّى الله عليه وسلّم -:
(( انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ ))، قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ
فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ:” بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي !
*لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ ! نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ ! “.*
وهنا أدرك المشركون أنّهم أمام قوم لا قِبل لهم بهم، فقد ذابت الأرواح في الأرواح على أرض أُحُدٍ ..
وكيف لا وهم يرون قائدا يفدي جنوده بأبيه وأمّه، وجنودا يفدون نبيّهم بأمّهاتهم وآبائهم وأنفسهم: ( نحري دون نحرك !).
❍ حتّى الملائكة كانت دروعا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
روى البخاري عنْ سعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قالَ:
” رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ “.
وامتلأ قلب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالسّرور؛ فهو يرى أصحابه يمتثلون أوامره كأنّها نُقشت في قلوبهم.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
____________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وتسعة وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*مشاهد من نصر المسلمين في أحد*
*3ـ الروح القتالية للمسلمين*
ذكرنا فيما سبق أن الحبيب صلى الله عليه وسلم أعطى سيفه لأبي دجانة.. أعطاه إياه بحقه دون غيره.. لتكشف لنا موقعة أُحد عن عن مدى صحة ما أعطى وبُعد نظرته النبوية..
القصة كما رواها الزبير.. وكان الزبير بن العوام يجد في نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السيف لأبي دجانة ولم يعطه له هو قال الزبير في نفسه:
أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه فسألته السيف قبل أبي دجانة فأعطاه له وتركني والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فرأيته وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
ونحن بالسفح لدى النخيل.
أن لا أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسول.
فيقول الزبير بن العوام: فجعل لا يلقى أحد من المشركين إلا قتله.
وكان في المشركين رجل يقتل كل جريح مسلم، فيقول الزبير: فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة. مع أن الزبير من كبار الفارسين، فاجتمعا فضرب ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة، فاتقاه بدرقته أي بدرعه فعضت بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله.
واخترق أبو دجانة صفوف المشركين حتى وصل إلى صفوف النساء..
ورأى أبو دجانة كما يقول: رأيت إنسانًا يخمش الناس خمشًا شديدًا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف وَلْوَل فإذا هو امرأة وكانت هند بنت عتبة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وتسعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*مشاهد من تغير موازين المعركة*
*1ـ استشهاد سيدنا حمزة البطل:*
شهد سيدنا حمزة بن عبد المطلب معركة أُحُد ، وله فيها صولات مشهودة .
رُوي عن ابن الشياب أنه قال:
«كان رسولُ الله آخرَ أصحابه يوم الشعب (يعني يوم أحد)، ليس بينه وبين العدو غير حمزة، يقاتل العدو حتى قُتل، وقد قَتَلَ اللهُ بيد حمزة رضيَ الله عنه من الكفار واحداً وثلاثين رجلاً، وكان يدعى أسد الله».
ولأنه قَتَل في بدر صناديد العرب فقد ترك اللوعة والأسى في قلوب مشركي مكة ، فأضمروا له الكيد وأخذوا ينتهزون الفُرَص للانتقام منه..
♢ وممن التاع بمقتل عمه: *جبير بن مطعم النوفلي القرشي* فقد دعا غلاماً له حبشياً يُقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له:
«اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عمَّ محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق».
سيرة ابن هشام (61/2)
♢ وكانت *هند بنت عتبة* قد بعثت إلى وحشي بن حرب قبل معركة أُحُد ، وكان عبداً من أهل الحبشة ، فأغرته بالأموال إن هو قتل حمزة ، وذلك طلباً لثأر أبيها وأخيها اللذان قُتلا ببدر ..
وكان وحشي مشهوراً برمي الحربة ، ولم تكن العرب آنذاك تعرف هذا السلاح الذي كان خاصاً بأهل الحبشة ، وتُسمى هذه الحربة عند العرب بـ ( المزراق ) ، وهي : عبارة عن رمح قصير .
وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبةأو مرت به تقول:
«ويهاً أبا دسمة، اشف واشتف»، أي تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب.
البداية والنهاية (13/4)
.. وكان حمزة يقاتل يومئذٍ بسيفين، فقال قائل: «أيّ أسد هو حمزة!»،
فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرعُ عن بطنه، فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله.
يقول وحشي وهو في أرض أُحُد :
إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهذ الناس بسيفه ، ما يلقى شيئاً يمر به إلا قتله ، فهززتُ حربتي ودفعتها عليه ، فوقعت في ثنته [ أسفل بطنه ] ، فخرَّ صريعاً ثم تنحَّيت عن العسكر . فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة ، وإنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت.
بعد أن بلغ هند مقتل حمزة رضي الله عنه.. جاءت فَبَقَرَتْ كبدَهُ فَلاكَتْه ، فلم تستطع أن تَسِيغَه فَلَفِظَتْه.
وحلت الكارثة على جيش المسلمين بمقتل حمزة أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم..
ومع قتل حمزة وبرغم الخسارة الفادحة التي خسرها المسلمون ظل المسلمون مسيطرون على الموقف تمامًا في أرض أحد..
وملي المشركون بخسارات فادحة فروا هاربين بخيبتهم..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸.