المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة : مائة وتسعة
*مشاهد من الهجرة7*
*بذل الصدّيق رضي الله عنه في الهجرة*
لقد حمل الصدّيق يوم هاجر مع الحبيب صلى الله عليه وسلم كل ماله، وضعه كلَّه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ..
حتّى صار بيتُ أبي بكر خالياً من كلّ شيء، إلاّ من الإيمان .
تقول أسماء رضي الله عنها:
” لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر رضي الله عنه، احتمل أبو بكر رضي الله عنه معه خمسةَ آلاف درهم – أو ستّة آلاف -، فانطلق بها معه.
فدخل علينا جدّي أبو قحافة – وقد ذهب بصره -،
فقال: والله إنّي لأراه قد فَجَعَكُم بِمَالِه ونفْسِه.
قلت: كلاّ، إنّه قد ترك لنا خيرا كثيرا.
فأخذْتُ أحجارا، فوضعْتُها في كُوَّةِ في البيت الّذي كان يضع فيه أبو بكر رضي الله عنه فيها مالَه، ثمّ وضعتُ عليهاثوبا..
ثمّ أخذت بيده، فقلت: يا أبتِ، ضَعْ يدَك على هذا المال.
فوضع يده عليه، فقال: لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا إبلاغٌ لكم.
قالت أسماء رضي الله عنها[أي: لمن تُحدّثه بهذا الحديث]: لا، والله ما ترك لنا شيئا، ولكن أردت أن أُسكِت هذا الشّيخ بذلك “.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
___________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة : مائة وعشرة:
*خطط الحبيب في الهجرة*
*الأخذ بالأسباب*
لقد قام الحبيب صلى الله عليه وسلم بخطط احترازية تساهم في إنجاح دعوته رغم اعتماده على ربه سبحانه.. منها:
ـ مجيئه وقت الظهيرة إلى بيت أبي بكر.
ـ أتى متقنعا.. لئلا يعرفه أحد..
ـ تأمين المبيت في الفراش.. واختار لها الغلام الفدائي علي رضي الله عنه..وذلك لتكون عند النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة الكافية للوصول للمكان المحدد ..وليرد علي الأمانات لأهلها..
ـ تقصي الأخبار: واختار لها عبد الله بن أبي بكر : فكان من مهامه أن يلتقط أخبار قريش ويقتصّ آثارهم .. حتّى إذا حلّ المساءُ صعِد إلى حيث النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فسرعان ما تكون أخبارُ قريشٍ بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم .. ثمّ يعاوِدُ النّزولَ قبل طلوع الفجر.
ـ وأمّا الطّعام، فقد كُلِّف به السيدة أسماء بنت أبي بكر .. واختارها أنثى بُعدًا عن التهمة..
ـ محو آثار الأقدام: وقد اختار عامر بن فُهيرة إذ كان يخرج راعيا للغنم، فلا يَلْفِتُ انتباهَ أحدٍ، فرَعْيُها مهنتُه، وأن يكون خارج أسوار مكّة مَهَمَّتُه.
ـ وأما عن الراحلتين اللتين ستقلانهما إلى يثرب فقد تواعدا مع رجل مشرك ـ بعدا عن التهمة ـ
وسارا طريقًا غير معهود ..هو طريق الساحل..
ـ المكوث في غار ثور ثلاثة أيام..لأنه في اليوم يشتد الطلب،
وفي اليوم الثاني يخف.. وفي الثالث ييأس الناس عنه..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
___________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة : مائة وإحدى عشر:
*سراقة ومحاولة الاغتيال*
جاء في صحيح البخاري أنّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ قَالَ:
جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ [والدّية مائة من الإبل].
فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ:
يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ !
قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا.
ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي ـ أي حفزتها ـ حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ.
فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي ! فَخَرَرْتُ عَنْهَا،
فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا ؟
فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ !
فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي،
*حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ.*
[في رواية عند الإسماعيليّ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليه، فقال:
(( اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ ))].
فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ !
فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا !
فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ ـ غبار ـ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ !
فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ !
*فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ.*
وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ:
أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقُلْتُ لَهُ:
إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ.[في رواية قال: يا محمّد، قد علمت أنّ هذا عملُك، فادعُ الله أن ينجِيَنِي ممّا أنا فيه].
وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي ـ لم يأخذا شيئًا مما معي ـ ، وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ:
(( أَخْفِ عَنَّا )).
[في رواية قال: فوالله لأعمينّ على من ورائي من الطّلب.
وهذه كنانتي فخذ منها سهما، فإنّك ستمرّ بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا، فخُذْ منها حاجتَك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ ))
ودعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلق راجعا].
فجعل لا يلقَى أحدا إلاّ قال له: قد كُفِيتُم ما هاهنا.
فلا يلقى أحدا إلاّ ردّه.
وفي رواية أنس رضي الله عنه:” فقال: يا نبي الله مُرْني بما شئت !
قال: (( فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَداً يَلْحَقُ بِنَا )).
*فكان أوّل النّهار جاهدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،وكان آخرَ النّهار مَسْلَحَةً له “، أي: حارسا له بسلاحه.*
وكان يقول لقريش: قد عرفتم بصري بالطّريق وبالأثر، وقد استبرأْت لكم، فلم أر شيئا، فرجعوا “.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة : مائة واثنا عشر:
*شاة أبي معبد*
في الطّريق إلى المدينة ، وبينما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم
وصاحبُه أبو بكر رضي الله عنه يواصلان المسير، تحت عناية العليّ القدير ، شاهدا بعضَ الأغنام..
فاقتربا من الرّاعي، فطلبا منه السّقيا، فقال: ما عندي شاةٌ تُحلب، غير أنّ ههنا شاةً حملت أوّل الشّتاء وما بقي لها لبن.
فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( اُدْعُ بِهَا !)) فاعتقلها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومسح ضِرعها، ودعا حتّى أنزلت، وحلب وسقى أبا بكر رضي الله عنه..
ثمّ حلب فسقى الرّاعي..
ثمّ حلب فشرب.
فقال الرّاعي: بالله من أنت ؟! فوالله ما رأيت مثلك قط ؟
فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( أو تراك تكتم عليّ إن أخبرتك ؟ )), قال: نعم.
قال صلّى الله عليه وسلّم: (( فإنّني محمّد رسول الله )).
فقال: أنت الّذي تزعم قريش أنّه صابئ ؟
قال صلّى الله عليه وسلّم: (( إنّهم ليقولون ذلك )).
قال: فأشهد أنّك نبيّ، وأشهد أنّ ما جئت به حقّ، وأنّه لا يفعل ما فعلت إلاّ نبيّ، وأنا متّبعك.
فقال صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذلِكَ يَوْمَكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فأْتِنا ))
رواه البيهقي في الدلائل
هذا الرّجل الرّاعي ذكر البزّار في روايته أنّه يُدعى :أبا معبد رضي الله عنه…
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸