نزولا عند رغبة بعض الأصدقاء الذين طلبوا مني شرح ما هو الفرق بين مفهومي الصوم والصيام بشكل مبسط وبسيط لتعميم الفائدة لما فيها من خير كثير على معاملاتنا الانسانية وعلاقاتنا اليومية؟

المغربية المستقلة :  بقلم الدكتور /عبدالله شنفار

متابعة : ابراهيم مهدوب

الكثير من الناس يقع له الخلط بين مفهومي الصوم والصيام فيخلط بينهما قولا وفعلا.

ومن خلال تدبر الآيات؛ وصل علماء المسلمين إلى حقيقة مفادها أن القرآن الكريم لا يحمل مترادفات لمعاني الكلمات.
وبالتالي فإن السياق العام الذي توظف فيه كلمة الصوم، تختلف عن كلمة الصيام في القرآن الكريم.
كيف ذلك؟
الله عز وجل مخاطبا الذين آمنوا بالقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.)؛ ولم يقل: كتب عليكم الصوم؛ الذي هو شيء آخر من غير الامساك عن الطعام والشراب؛ وشهوتي البطن والنفس.
فالصوم يتخلل ويرافق ويصاحب الصيام على طول شهر رمضان وعلى طول السنة؛ وذلك بتفادي قول الكلام الفاحش والتافه والسخيف والزور والكذب والبهتان.
الله عز وجل مخاطبا مريم بنت عمران يقول: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا.) أي عدم الكلام والبوح بأي شيء والسكوت عن الكلام.
وهذه الآية تميز بين مفهومي الصوم والصيام بشكل واضح؛ يقول عزل وجل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.) هنا المقصود بالصيام بشكل معياري في العبادات.
وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: ( كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.) وليس الصيام.
الصوم ادن هو: مسألة قيم وتربية وأخلاق.
ومن أوضح الأحاديث التي ترشد الصائم وتبين الفرق بين الصيام والصوم؛ ما رواه الامام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه حين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه».
هذا الحديثٌ يُوضح الفرق بين من صام عن الطعام والشراب وشهوتي النفس والبطن، والذي يعد مجرد وجود فعلي للصيام مع عدم وجود الصوم في نفس الوقت والعياذ بالله؛ كمن أفطر على غيرها.
ونضرب لهم مثلا الفرق بين: الوقوع في أعراض الناس، أو فعل المحرَّمات، أو قول الزور والكذب والبهتان، أو فعل الاشاعة وخلق الفتنة التي هي أشد من القتل والمشاء بنميم… إلى غير ذلك؛ وبين الذي صام صيامًا حقيقيًا مزودًا بالحسنى وبالتقوى ومرصعًا بطاعة الله عز وجل.
‏ وهذا الحديث يعطي صورة مقربة أكثر للفرق بين الصوم والصيام:
عَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ ‏الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ..
قَالَ‏: (‏إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ ، ‏فَيَقْتَصُّ ‏‏هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.)
تماما كمن يصب الماء في الرمل؛ والعياذ بالله..

Loading...