المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة الثالثة والستون:
*الملك جبريل يعرض تعذيب أهل الطائف على رسول الله*
بعد الموقف المشين من أهل الطائف لسيد الأنبياء، وبعد الشكوى التي قدمها الحبيب الغالي صلى الله عليه وسلم لرب السماء، جاءت الملائكة منتصرة بجبال الأرض كرمى حبيب الله..
القصة يرويها الحبيب صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها يوم سألته عن مذكرات دعوته قائلةً:
يا رسول الله: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟
قَالَ : ” لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ..
إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ،
فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ..
فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ :
إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ.
فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ. إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ “.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا “.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة الرابعة والستون:
*إسلام عدّاس أمام حضرة المحبوب*
عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف يشقُّ طريق العودة شقًّا، ويحمل كربه وهمومه من جرَّاء أثقال الاعتداء الذي جرى عليه من أهلها، وخشية الاعتداء الذي ينتظره في مكة حين يعلم أهلُها بما حدث له مع ثَقِيف.
نعم لم تُصِب الهدايةُ أهلَ القريتين العظيمتين، *لكنها أصابت عبدًا مغمورًا،* كان يخدم في بستانٍ بالمكان الذي ألجئ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحتمي فيه من سفهاء الطائف وصبيانهم الذين أغراهم به ساداتُهم، فاجتمعوا عليه صلى الله عليه وسلم يُؤذونه بالحجارة.
كان ذلكم المكان حائطًا لعُتْبة بن ربيعة وشَيْبة بن ربيعة، فلما دخله النبي صلى الله عليه وسلم، عمَد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه، وكان ابنا ربيعةَ ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، فتحرَّكت له رحمُهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانيًّا، يقال له: عدَّاس، فقالا له:
خُذْ قطفًا من هذا العنب، فضَعْه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقُلْ له يأكل منه.
ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له : كُلْ ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال : باسم الله ، ثم أكل.
فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد .
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟
قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟
فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي .
*فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه*.
قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك .
فلما جاءهما عداس ، قالا له : ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟
قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ..
السيرة النبوية لابن هشام
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة الخامسة والستون:
*إسلام الجن*
حين انصرافه صلى الله عليه وسلم من الطائف، راجعا إلى مكة، وعند وادٍ في طريق مكة يسمى “نخلة” قام صلى الله عليه وسلم في جوف الليل يصلي..
فأتاه سبعة من الجن، استمعوا لقراءته صلى الله عليه وسلم وهو يصلي..
فلما فرغ من صلاته، أعلنوا إيمانهم وإسلامهم، ثم انصرفوا إلى قومهم دعاة، يحملون الإسلام إليهم، ويوضحون تعاليمه ومزاياه..
وفي ذلك يقول الله تعالى:
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ .
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ .
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ .
وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }(الأحقاف 29: 32) .
وفي سورة الجن قال الله تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً .
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً }(الجـن 1: 2) .
سيرة ابن هشام
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_____________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة السادسة والستون :
*دخول رسول الله إلى مكة بعد الطائف*
بعد الاستراحة في وادي نخلة التي وهبها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ،وجرعة الإيمان والثقة بالله التي تلقاها وذلك بـ (معية الملائكة له، وإسلام الجن) وما فيهما من عبر وحكم ..
قرَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيل من جديد صوب مكة؛
نعم إنَّه لا يدري كيف ستسير الأمور؛ لكنَّه كان مطمئنًّا إلى تأييد الله له..
يقول ابن سعد في الطبقات:
«وَأَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِنَخْلَةَ أَيَّامًا، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ:
كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ -يَعْنِي قُرَيْشًا- وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟
فَقَالَ: «يَا زَيْدُ إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ».
ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حِرَاءٍ، فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ: «أَدْخُلُ فِي جِوَارِكَ؟» .
فَقَالَ: نَعَمْ.
وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلاحَ وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ؛ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا.
فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَامَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَلا يَهْجُهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ.
فَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُطِيفُونَ بِهِ»
(الطبقات الكبرى 1/165)
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸