المغربية المستقلة: بقلم الدكتور /عبد الله شنفار
متابعة: إبراهيم مهدوب
ما هو الفرق بين الأمية المعيارية والتي نعني بها من لا يتجاوز حد معرفة القراءة والكتابة؛ والأمية الوظيفية أو الإدارية والأمية لي على بالكم؟..
لتحليل هذا المعطى ننطلق من سؤال آخر: ماذا يقصد بكلمة امية؟ ونجيب بان كلمة “أمي” وردت في القرآن الكريم منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النبي الأمي) وكذلك نجد في قوله تعالى في سورة الجمعة:(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الآية 2. فأمة أمية نسبة إلى التي لا تعرف لا الكتابة ولا القراءة.
وفي تعريف منظمة اليونسكو؛ الأمي هو الشخص الذي لا يستطيع أن يقرأ ويكتب أو يفهم عبارة قصيرة وبسيطة في حياته اليومية. وفي تعريف آخر؛ الامي هو الذي يعجز عن التواصل مع غيره خارج الخطاب الشفهي.
نستحضر المادة 28 من الميثاق الجماعي نجد انها كانت تنص على انه: “لا يجوز لأعضاء المجالس الجماعية الذين لا يثبتون توفرهم على مستوى تعليمي يعادل على الأقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية أن ينتخبوا رؤساء ولا أن يزاولون مهاما بصفة مؤقتة.”
ومن خلال قراءة في السياقات والمناقشات التي واكبت تنزيل هذه المادة من قبل المشرع، نشير الى الاقتراح الذي تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي آنذاك والذي نزل بقوة في اقرار هذا الفصل؛ والمتمثل في اشتراط مستوى باكالوريا في من يريد تولي رئاسة المجالس الجماعية. لكن بعد نقاشات حادة و مارطونية بالنظر الى النسق السياسي والاجتماعي للنخبة الوطنية وضعف المستوى في صفوف “أصحاب المال” والمراهنة على بعض الاعيان في ضبط النسق وتهدئة الخواطر جاء هذا النص في هذا الشكل.
ومن خلال تحليل التعبير في الفصل: “على الأقل مستوى…” نشير الى ان هذه السلطة التقديرية في تحديد المستوى تثير العديد من المشاكل حيث احيانا تفسر على انها تحيل الى اشتراط القراءة والكتابة فقط وأحيانا اخرى ان يتجاوز الشخص حد معرفة القراءة والكتابة.
هذا؛ ولما واجه رجال السلطة الادارية المحلية مشكل الادلاء بالشواهد وما تلاه من طعون قضائية توصلت كل عمالات وأقاليم المملكة آنذاك ببرقية استعجاليه عممتها على مختلف القيادات والباشويات والدوائر تطلب منهم اعتماد اية شهادة كيفما كان نوعها كتفسير واسع لهذا الفصل، لكن بتشاور بطبيعة الحال مع كافة الهيئات السياسية؛ حيث نعرف ان انتخابات 2002 كانت تشكل ارهاصات اولية لانتخابات نزيهة؛ لكونها اول انتخابات جماعية تجرى على عهد جلالة الملك محمد السادس. وكل ما تعلق بها خضع لمشاورات مع كافة الاحزاب من قبل وزارة الداخلية في شخص السيد ادريس جطو وزير الداخلية آنذاك.
ان التحليل الضيق لهذا الفصل يحصر اشتراط المستوى الثقافي في رئيس المجلس؛ لكن تتمة الجملة “… ولا ان يزاولون مهاما.” يعني هذا انه يسري الامر على نواب الرئيس الذين قد يزاولون العديد من المهام المؤقتة في غياب او حضور رئيس المجلس.
وبالتالي فتح المجال أمام عدة شواهد تفتح المجال للهزل والسخرية والضحك من خلال فحواها.
ومن خلال الاختبارات التي كان يجريها القضاة على الرؤساء المطعون في مستواهم الثقافي؛ نضرب مثالا لفحوى احدى الشواهد المسلمة لرئيس احدى الجماعات الترابية والمسلمة له من قبل شيخ احدى الزوايا؛ والتي تبدأ بتوطئة “ان الحمد لله … يعلم من كتابنا هذا المصون ان السيد فلان بن فلان (الهوية الكاملة )… قد حفظ اسماء الله الحسنى وأتمها وتلاها علينا… وقد اتم حفظ حزب كامل من القرآن الكريم.. فاستحق بذلك هذه الشهادة التي تثبت التخرج من المدرسة العتيقة او الزاوية الفلانية…”
وفي شهادة أخرى نجد تعبيرا آخر أكثر قوة من هذا حيث تتضمن احدى الشواهد المدلى بها من اجل اتباث المستوى الدراسي العبارة التالية: “لقد امتحناه فوجدناه بحرا من العلم !😂…” ولكن مع الأسف؛ لما تم اختباره من طرف القاضي الاداري للمحكمة الادارية بأكادير؛ حيث معروف ان القاضي يلجأ أحيانًا قصد التحقق والتحري، الى طرح عملية حسابية على الممتحن او يطلب منه كتابة احدى الجمل او اسمه الشخصي؛ فطلب منه القاضي كتابة اسمه الشخصي فلم يستطع هذا البحر من العلم كتابة حتى اسمه؛
والعديد منهم لما يختبر القاضي مستواهم المعرفي يجدهم صفرًا.
لكن الامية ليست دائما معيارا في تدبير الشأن العام؛ بحيث ان العديد من رؤساء الجماعات الترابية مثلا، استطاعوا تدبير شؤون الجماعة وحققوا نجاحا كبيرا في ذالك. وهناك رؤساء جماعات اخرى يتوفرون على مستوى ثقافي عال او متوسط ومع ذلك لم يوفقوا في تدبير التنمية المجالية على مستوى جماعاتهم.
وبالتالي نميز بين الامية بمعناها المعياري والأمية الوظيفية حيث ان العديد من المسئولين الحاصلين على شواهد عليا؛ هم في الصراحة يجمعون بين الأمية والجهل والعجز المتعدد الابعاد.
فماذا يقصد بمصطلح العجز؟ وما هي الأشكال التي يتخذها العجز الذي تعاني منه النخبة؟ وكيف يؤثر سلبا على القرارات والبرامج ورسم السياسات العامة والعمومية والقطاعية؟
فعجز يعجز: عجزا وعجوزا وعجزانا ومعجزا ومعجزة: يعني عجز عن الشيء؛ اذا ضعف ولم يقدر عليه او اذا لم يكن لم يكن حازما.
وعجِزَ عَجَزًا، فهو عجِز، والمفعول معجوز عنه: عجِزَ عن الشَّيء عجَز عنه، ضعُف ولم يقدر عليه” عجِز عن العمل: كبِر ولم يعد يستطيعه.
وجاء في القرآن الكريم: “فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ” سورة المائدة الآية 31.
وعجَزَ عن الشَّيءِ: اذا ضعُف ولم يقدر عليه ” حيث عجَز عن تحقيق هدفه.
ونقول عجَزَ الشَّيخُ أي؛ هرِم، و أَسنَّ وبلغ من العُمر مداه” عَجزتِ المرأةُ اذا انعدمت القدرة لديها. ونقول أُعْطِي معاشَ عَجْز بالنسبة للعامل او الموظف اذا انعدمت لديه القدرة على العمل.
هذا؛ و يمكن حصر عناصر العجز الذي تعاني منه النخبة، في مجال تدبير الشؤون العامة والعمومية والقطاعية، في العناصر التالية:
– عجز على مستوى المطابقة مع الواقع والمتطلبات الاجتماعية للساكنة؛ فالعديد من المنتخبين مثلا لم يستوعب بعد المهام المنوطة به في تدبير الشأن العام الجهوي والإقليمي والمحلي.
– عجز على مستوى المسايرة للتطورات والتطلعات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الحاصلة في المجتمع المغربي.
– عجز على مستوى الانسجام والتكامل والتمازج والتناغم مع مكونات المشهد السياسي والاجتماعي على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي وغياب استيعاب هذه المتناقضات.
– عجز على مستوى التدبير والتنشيط التنموي وانعدام القدرة على الخلق والابتكار بحيث يلاحظ عدم الاهتمام والنظر كون المرحلة مجرد انتداب غير دائم وتنعدم فيه التعويضات والمعاشات والعديد من الحقوق، مما يؤدي الى نوع من الخمول.
– عجز وظيفي يتجلى في عدم القدرة على استيعاب استراتيجيات التنمية.
– عجز علائقي ويتجلى في عدم القدرة على خلق شبكة علاقات تساهم في التنمية المجالية؛ من خلال الاطار العلائقي بين الاشخاص.
– عجز على مستوى المرافعة ومناصرة قضايا الجماعة والبحث عن مصادر التمويل والتعريف بالطلبات الاجتماعية للسكان وتحقيق عمليات التأييد للمشاريع المقترحة.
نستنتج ان مصطلح العجز يحيل الى فهم متعدد المعاني حسب السياق العام الذي وظف فيه. ولا تظهر معالمه الا من خلال اختبار الأشخاص فنجدهم صفرًا.