كتاب الرأي : “الديمقراطية آخر الأنظمة العادلة”

المغربية المستقلة : رشيد حمري صحفي متدرب

منذ أن وجد الانسان على الأرض دخل في مرحلة عيش طبيعية أو ما يمكن تسميته بالحالة الطبيعية الأولى أي حالة الطبيعة التي كانت شبه همجية يعيش فيها بعشوائية لا متناهية، يتناسل مع بني جنسه، يأكل وينام، ويقاتل من دون سبب ولا حاجة إلى ذلك ، والأمر عائد إلى عدم وجود قانون يزجره وينظم حياته، لقد كان الناس في بداية أمرهم يعيشون حياة بدائية يمكن الاصطلاح عليها بحالة حرب الكل ضد الكل حسب تعبير طوماس هوبس.
وتجاوزا لهذه الحرب والدخول في مرحلة جديدة أساسها التنظيم والتعايش السلمي والتشارك الجماعي في انجاز الأعمال وتأدية الوظائف الاجتماعية، دخل الناس مرحلة التعاقد فيما بينهم، سماها المختصون بمرحلة “التعاقد الاجتماعي”، فتنازلوا عن بعض حقوقهم لرجل واحد سموه بالحاكم، مقابل أن يضمن لهم حقوقهم ويكف أيدي الظالمين عنهم ويزجرهم، وينصف المظلومين منهم ويستأصل شأفة الشادين عن اجماع كلمتهم، أو بمعنى آخر إعطاء كل ذي حق حقه، غير أن هذه الفترة كذلك شابها نقائص وساد خلالها الظلم والاستبداد والطغيان والفساد، بعد أن تمركزت جميع السلطات في يد الحاكم أو الملك أو الرئيس، الذي أصبح يحكم البلاد والعباد كإله أو نصف الاله، أو أنه يستمد شرعيته ومشروعيته من الآلهة، فلا تقبل قراراته وأحكامه الرد والنقاش .
ويمكن القول أن هذه الفترة شكلت فترة استعباد البشر للبشر، أي أن الحاكم هو الانسان الكامل المكتمل في مقابل المحكوم في مرتبة العبد البائس الذي لا يصلح لشيء سوى تلبية وخدمة مولاه الحاكم، تحت دريعة الألوهية أو تحقيق الفوز في الحياة الأخروية أو ما شابه ذلك.
دامت هذه الفترة الثانية قرونا من الزمن، قبل أن يهتدي الانسان إلى ما يعرف اليوم ب”الديمقراطية”، وكان السبيل للوصول إليها مريرا وشاقا وثمنه غاليا، ذبحت خلاله النفوس وشردت الأطفال بعد تيتمها، وخلت الدور والمنازل بل وحتى القرى والمداشر، كما سيل مداد كثير من الثوريين للترويج لهذه الفكرة الجديدة، اي مسألة الديمقراطية، من أجل التجدير لها ورسم ملامحها التي لم تكن لتكتب إلا بمداد من الدماء.

إن الانسان اليوم الذي يتبجح بالديمقراطية وما يملكه من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ينسى أن ذلك كان مكلفا لمن قبله الذي لم يتوانى ولو للحظة في التضحية بنفسه وماله، في سبيل أن تلقى الشعوب والأجيال التي ستأتي بعده مصيرا مخالفا للمصير الذي عاشه هو وعمل على تغييره، هذا التغيير الذي كلفه أغلى ما يملك، ألا وهو حياته. ويجب اليوم أن يطرح سؤال وجيه على أية حال وهو كيف يمكن التمييز اليوم بين الديموقراطية الفعلية والديموقراطية الموهومة من جهة، والديمقراطية الحقة والديمقراطية المصطنعة، وديكتاتورية الأغلبية على الأقلية، وهل كل من يدعي الديمقراطية هو فعلا ديمقراطي …؟؟؟.
إن ما يحز في النفس ويحمل على الشك هو أن دول العالم الثالث تأخذ برأي الغرب في تقييم نفسها هل هي ديمقراطية أم العكس، ومع أن العالم الغربي يبني علاقاته مع العالم الآخر بناء على المصالح لا أقل ولا أكثر وعليها أي المصالح يبني أراءه ومواقفه وسياساته.
ولا شك أن مفهوم الديمقراطية الذي يصعب وضع حدود لمدلوله الشاسع الذي يتأرجح بين المد يمينا تارة والجزر يسارا تارات أخرى ويطرح عدة تساؤلات، يخيم على الأجوبة عنها، الضباب والإبهام الذي فتح ولازال يفتح أبواب التحليل والمناقشة والجدال العلمي، المولد للكثير من الأجوبة المتشابهة والمختلفة باختلاف الزمان والمكان الذي تستعمل فيه، فرغم أن الكل ينادي ويتغنى بيافطة الديموقراطية، إلا أن المعنى الذي تحمله الكلمة في طياتها وفي جوفها لا يزال غافلا عن الكثير من الناس، بحيث لم تغربله الآذان ولا حفظته القلوب كما ينبغي لحد الساعة، مما يعني أن اليافطة توارثها بني الانسان أبا عن جد باعتباره رمزا للعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة ومحاربة الظلم، إضافة إلى التعددية الحزبية …دون تحديد دقيق ومضبوط لهذا المصطلح.
لقد شكلت الديمقراطية آخر الأنظمة السياسية التي ارتضتها الأنظمة العالمية في عصرنا الحاضر، حتى أن الشعوب قبلت بها على أنها الضامن الأول والرئيس لضمان حقوقها وتحقيق العدالة بين مختلف شرائحها، لدرجة أصبحت معها بمثابة حق طبيعي غير قابل للتفويت والمساومة.

Loading...