كتاب الرأي : سكيزوفرينيا السياسة و الوطن

المغربية المستقلة : متابعة

كاتب رأي : منصف الإدريسي الخمليشي

سكيزوفرينيا السياسة و الوطن

كان هو رجل طيب , في سبت جميل , وسط تلك البادية و هو في السوق الأسبوعي يتجول بين عامة الناس , يلقي التحية على الحاجة حادة عوادي , امرأة في عقدها الثامن لها وشم و تلبس جلباب فضفاض , امرأة كريمة طيبة , التقط صورة معها و يتوسطهما بائع الخضر , ميلود فانة , كان يبيع البطاطس معهم , و هم كلهم يرتقبون و يترقبون الشوق و الحنين في ذاك الرجل ابن دوار يقع بنواحي بركان , كان صديقهم و زميل العديد , لهم أرض تركها له الأب مسعود من أجل ضمان حياة أفضل .
و لحسن خلقه و معاملته الفضلى لجيرانه , خصوصا للسيدة ”حادة عوادي ” التي توفي زوجها و لها ابنين في عقديهما الرابع لهما إعاقة ذهنية , فكان الحاج عمور يساعدها في مصاريف العلاج , في نهاية شهر شتنبر , ترشح الحاج عموري للانتخابات التشريعية , بوصاية من سكان الدوار الذين أحبوا فيه عدله و كرمه مع السيدة ” حادة ” , اشتغل معه أزيد من 700 رجل و امرأة في الحملة الإشهارية للانتخابات و كان ” المعلم ميلود ” مسؤول الحملة , جاء موعد الاقتراع , انتخب ” الحاج العموري ” على رأس قائمة حزب ” حقنا هذا ” , سكان الدوار يزغردون , النساء يستعدون لإقامة حفل عشاء على شرف ” الحاج العموري ” الذي أصبح مستشار برلماني , الأغنام ذبيحة , و الأبقار , كلهم حيوية و سعادة , رغبة منهم في تحقيق أمانيهم من خلال المسؤول بالبرلمان ابن الدوار ” الحاج العموري ” .
مرت الحملة الانتخابية في أحسن الظروف , نجح ” الحاج العموري ” , سافر للرباط , كانت جلسات البرلمان تبث بالقنوات الوطنية , سكان الدوار يشاهدون الحاج و هو يتحدث بلسان الساكنة , و هم فارحين و غاية في السعادة , اتصل ” ميلود فانة ” بالحاج العموري , يكتشف الصدمة فيجد العموري غير رقمه , على ما يبدو أنه أصبح من الطبقة التي تحمل رقم يبتدئ ب 0661 , نعم ها هو الحاج عموري أصبح شخصية بارزة , استقبله عاهل البلد ليمتعه بحقيبة وزارة محاربة الطمع و الشؤون التكبرية , فكان الحاج العموري سعيد بذاك المنصب الذي لا يحتاج لتكوين أكاديمي كبير , فهو سبق له أن درس جزء من الفقه و أصول الدين .
أول اتصال هاتفي مع أمه كان يخبرها بالخبر السعيد و هو يتكلم بحساب الأحرف و كأنه وزير تأهيل التكبر و الطمع , أمه تسبه فيقفل الهاتف عليها , ليتركها هناك بالدوار , ابنها وزير , عمله هو مؤازرة منتخبيه و من وضع في شخصه الثقة في تمثيله في بر الأمان , الحاجة حادة توفي لها أحد أبنائها و هي تحاول الاستنجاد بالسيد معالي الوزير ”الحاج العموري ”
الحاج العموري في سفرية خاصة في لقاء حكام العرب من أجل تمثيل الوطن في مهمة ديبلوماسية لمحاربة الطمع و الأنانية و التكبر , حاوره أحد الإعلاميين حول حصيلة عمل الوزارة منذ النشأة , فبطريقة الإجابة فهم الصحفي النتيجة , فكان يظن قبل استجوابه , أنه قد تم عودة الأخلاق و العادات لأصلها , كما كان عمر ابن الخطاب و علي بن أبي طالب العدل و الإحسان , و شعارهم التوحيد و الإصلاح من أجل تنمية الجانب الروحاني و عدالة المخلوقات , لكن كان ظنه إثما .
عاد ” الحاج العموري ” , إلى أرض الوطن اتصل به العاهل ليخبره أنه نجح في السفرية بناء على ما أظهره في الإعلام , يبدو أن الحاج العموري أصيب بسكيزوفرينيا السياسة , فمن أجل أن يجعل الوطن جميلا في عيونهم مثل دور الضحية على ملك البلاد , ليمنحه هدية ثمينة , سيارة من نوع مرسيديس و فيلا رباعية الدفع و حساب بالإضافة ,إلى حصانة , ليصبح اقتراح سكان البادية بمثابة المشروع الناجح , فكان الحظ معه و أصبح يمتهن مهنة , الإتجار في أحاسيس المواطنين .
المؤتمر السادس و الخمسون لحزب هذا حقنا , وزير محاربة الطمع و الشؤون التكبرية , رشحته الأمانة العامة ليترأس منصب رئيس الحزب , ليصبح أحد رجالات الدولة , و في إحدى الخطابات الشعبية , عاد للأصل , عاد لموطنه حيث عاد لبركان من أجل تفقد حالة الساكنة فوجد الحاجة حادة على فراش الموت و كأنها تنتظره للعودة , و كعادته رجال الإعلام و الحارس الشخصي و سيارة المرسيدس التي منحه إياها العاهل , و لباسه الرسمي , فكان هو الذي زودها آخر قطرات الماء في حياتها ماتت حادة في كنف معالي الوزير الحاج العموري , و ها هو في المقبرة يبكي و ينهق و يحمل جثمان المرحومة التي عاشت كريمة و ماتت كريمة , و الصحافة السمعية البصرية المرئية المقروءة و المسموعة تصور , عنوانها الأبرز , الحاج العموري كان مخططه إقامة خطاب سياسي بموطنه , ليستوقفه وفاة السيدة حادة مربيته , فألغى جميع التزاماته ليحضر للجنازة و في جو روحاني استحضر الماضي , و بكي , ليظل وحيدا , يخجل من نفسه , عادت الحاجة لمثواها الأخير , و بقي الحاج العموري رهينة صحافة و إعلام , فجمع ثروة كبيرة , مرت سنين من النضال و استعراض أعمال بطولية من أجل البروتوكول , استدعاه العاهل ليكون من بين أصحاب الوسام , من درجة فارس , و في مناسبة وطنية أخرى , الكفاءة الوطنية , ها هو الحاج العموري يكرم بالقصر , و يطلق اسمه على مؤسسة دولية لمحاربة التكبر , ها هو الحاج العموري يكرم بإطلاق اسمه على إحدى المدن الصاعدة , و ها هو الحاج العموري يكرم بإطلاق اسمه على إحدى أبرز معالم المدينة الصاعدة , مدرسة الحاج العموري لمحاربة التكبر و الطمع .
ضجة كبيرة زعيمها الخضار ميلود حيث صورت معه جريدة ” النفاق تيفي ” مبرزا في تصريحه , الحاج العموري كان رجل وطني يحب الخير للناس و رجل يعامل كل الناس معاملة جيدة و يساعدهم ماديا و معنويا حيث كان المعين للحاجة المرحومة حادة , لكن إلا أن هذا كله كان قبل بلوغه السلطة و الاسم الذي صنعه , فكنا نحن من نصوت عليه إلى أن بلغ هذه الدرجة فنسينا نحن من صوتنا و شجعناه للانخراط في العمل الحزبي و النقابي و السياسي , طمعا في العدل و المساواة و الإحسان و الإنصاف , إلا أنه تخلى على مبادئه حينما شاهد حقائب و شيكات , هو كرمه الوطن و سميت الأزقة باسمه و الشوارع و المدارس و نحن من سيكرمنا , و من سيجعل منا مواطنون , ها نحن أوفياء الوطن , لكن هل الوطن وفي لنا , قد يكون الوطن أوفى , إلا أن ذاك الوفاء تمسحها قيم و مبادئ رجالاته الأوفياء للأوراق و السلطة .
سمع الحاج تصريح الخضار , الذي أدلى به إلى أكثر من منبر إعلامي ,حاول أن يمده الرشوة من أجل سحب اعترافاته الخطيرة بصفة الحاج العموري أصبح رجل دولة محنك , إلا أن ميلود مواطن ضعيف لا يقبل , فحاول مضايقته , من خلال النفوذ التي أصبحت بين يديه و المجرمين و ذلك بتحطيم مشروعه البسيط الذي يعيل به أسرته الصغيرة , و لكن يرفض ما هو إلا هو شهر و يسمع خبر اغتيال الخضار ميلود بمنصات الإعلام الرقمي , حيث أصبح شخصية معروفة , فتدخلت الدولة و تكلفت بجثمانه و مراسم الدفن , و أغلقت القضية لأن الحاج العموري له حصانة .
الحاج العموري ,لإرضاء نزواته , كان بفيلا خالية هو و إحدى الشابات يجلسان هما الاثنين يمارسان الرذيلة , فيأجرها على عملها في ليلة و هي تأجره على عمله في ثلاثين سنة , بطعنة سكين , أدت به للوفاة , عند وفاة الخضار ميلود و اغتياله من طرف رجل دولة كان الاكتفاء بالتكلف بثمن القبر و الجنازة و لوازمها و بناء قبر بالفسيفساء الفاسي , للبرهنة على أصالة المغرب المتجذرة , أما عند مقتل الحاج العموري , كان مصيرها تعذيب و جعلها في إحدى الحفر المهجورة الخالية , مجهولة , أ هي حية أم ميتة , جنايتها كانت هي الدفاع عن الشرف و هي ذات الخمسة عشر سنة ظنها الرجل ذو العقد السادس هي مجرد فاسقة تمتهن بيع الجسد , و هي مجرد تلميذة , دفاعا عن الشرف كان مصيرها تعذيب و هتك لعرضها ثم ذبحها بغابة بمراكش و قطع رأسها و تسمية الحادث في تنظيم القاعدة , الذي بناه الإعلام , الحاج العموري , بعد موته , أصبح درس في التربية على المواطنة في مادة الاجتماعيات , و الطفلة أصبحت مثال في القانون من أجل إسقاط جريمتها عن جريمة تقربها , يا ترى أ هذه هي السياسة ؟؟؟

منصف الإدريسي الخمليشي

Loading...