المغربية المستقلة : بقلم د/ مصطفى توفيق
يعتقد بعض المحللين السياسيين أن الرئيس الأمريكي ترامب استعمل ورقة التطبيع للفوز بولاية ثانية في الإنتخابات الرئاسية 2020، و لكن الشعب الأمريكي قال كلمته، و المجمع الانتخابي الأمريكي أعلن فوز الديمقراطي بايدن، مما يعني أن التطبيع العربي الإسرائيلي لا يؤثر من بعيد أو قريب على ديمقراطية الإنتخابات الأمريكية، و السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، هل التطبيع العربي ينتهي بعد ولاية بايدن؟ و بعبارة أخرى، كيف يمكن للسلم و السلام أن يتحقق بين شعوب العالم بدون تطبيع؟ فقبل الخوض في الحديث عن التطبيع العربي الإسرائيلي الذي يواجه انتقادات عاطفية لاذعة من طرف بعض الشعوب العربية، التي ترى في التطبيع الخيانة وغدر للقضية الفلسطينية، حيث أن معظم شعوب الدول العربية و الاسلامية ترى ان التطبيع مع دولة إسرائيل، التي تحتل الأراضي الفلسطينية و قطاع غزة و الضفة الغربية و هضبة الجولان هو بمتابة خزي و عار، و أن الإتجاه في طريق التطبيع هو كبح لنضال الشعب الفلسطيني في كفاحه عن مكتسباته المشروعة و أرضه المغتصبة.
و الملاحظ أن معظم الشعوب العربية يرون من خلال التطبيع وسمة عار، و أنه يصب فقط في مصلحة الأنظمة العربية التي طبعت مع إسرائيل.
و ما يثير الإستغراب أن بعض الدول العربية التي من المفروض أن تعيش السلم و السلام مع بعضها البعض غارقة في الانقسامات و التفرقة و غلق الحدود و التوثرات اللامتناهية في علاقتهم الدبلوماسية مع بني جلدتهم، بعيدين كل البعد عن تطبيع العلاقات فيما بينهم، و ينتظرون من مجلس الأمن أن يصدر قراراته لحل نزاعاتهم السياسية بدل أن يحلوا مشاكلهم و يرحبون بتطبيع العلاقات فيما بينهم.
و بالرجوع إلى مصر التي تعد أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، و التي تلاها الأردن عام 1994 و الإمارات العربية المتحدة و البحرين في منتصف سبتمبر و السودان و المغرب الذي أعاد مؤخرا علاقته الدبلوماسية مع إسرائيل في 2020.
و في اعتقادي أن الاتفاق مع المغرب يعد آخر الاتفاقات التي يبرمها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته و فريقه بقيادة المستشار البارز للبيت الأبيض جاريد كوشنر، والمبعوث الأمريكي أفي بيركوفيتش قبل تسليم السلطة للإدارة المقبلة بقيادة الرئيس المنتخب جوبايدن، و المتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية يلاحظ أن تنصيب الرئيس الديمقراطي بايدن و تسليمه السلطة ودخوله إلى البيت الأبيض، سيقوي من التحاق دول أخرى إلى قائمة الدول المطبعة مع إسرائيل، و لا يمكن بأي شكل من الأشكال إلغاء قرار إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء المغربية كما لا يمكن إلغاء قرار إفتتاح القنصلية الأمريكية في مدينة الداخلة المغربية، لأن المحللين السياسيين يدركون جيدا أن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب المنتهية ولايته، و الرئيس الديمقراطي المنتخب بايدن يتجهان في نفس الإتجاه فيما يتعلق بالاعتراف بالصحراء المغربية و تطبيع الدول العربية مع إسرائيل، حيث رحب جو بايدن بعملية التطبيع و لم يصدر أي إعتراض من طرف فريق إدارته بالاعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن العلاقة المغربية الأمريكية على مر العصور بدأت بتاربخ
20 ديسمبر 1777، وتوطدت رسميا في 1787 عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
واهم من يعتقد أن المغرب تخلى عن القضية الفلسطينية بمجرد إعلانه عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، حيث
أجرى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اتصالا هاتفيا مع فخامة السيد محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أكد من خلاله أن موقف جلالته الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير أبدا.
وبإعلان المغرب استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، تداولت ردود فعل إيجابية في الدولة العبرية، حيث أعربت الجالية المغربية اليهودية المقيمة في إسرائيل المرتبطة بوطنها الأصلي، عن سعادتهم بتوسيع دائرة السلام في منطقة الشرق الأوسط، و بهذا لا يمكن للتطبيع العربي أن ينتهي بعد ولاية بايدن، و لا يمكن للدول الأخرى أن لا تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية بافتتاح قنصليات لها بالصحراء المغربية.
إن الدبلوماسية المغربية الحكيمة، التي تؤمن بمنطق السلم و السلام بين شعوب العالم جعلت قادة دول العالم يتجهون إلى القوة الناعمة، و يدركون فعلا أن كسب المعارك بالسلم أقوى من كسبها بالحرب و الدمار.
جدير بالذكر أن فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، اعطى قوة لامكانية الإعلان مجددا على ترشيح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.