المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وتسع وعشرون
*حراسة المحبوب صلى الله عليه وسلم*
ظلت المدينة بعد تهديدات مشركي الخارج ومنافقي الداخل بين مخالب الخطر..
مما جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحتاط لنفسه..
فالله علّمه من فوق سبع سماوات قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُم}
ففي إحدى اللّيالي كانت عائشة رضي الله عنها إلى جنبه، ولكنّها رأت شبح السّهر يطارد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقلِقت لقلقه.
روى البخاري ومسلم ـ واللّفظ لمسلم – عن عائشةَ رضي الله عنهاقالتْ:
أَرِقَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فقالَ:
(( لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ ! )).
قالتْ: فَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ – وفي رواية: سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ – فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ هَذَا ؟ ))
قال: سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ يا رسولَ اللهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ.
قالتْ عائشةُ:
” فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ “.
وفي رواية أخرى له قال: (( مَا جَاءَ بِكَ ؟ ))
قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ على رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ.
فَدَعَا لَهُ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، ثُمَّ نَامَ.
ولم يكن المهدّدُ هو رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم وحده، ولكنّه ما من أحد إلاّ وهو يتوقّع سهما أو رمحا يصيبه من أيّ جهة..
روى الحاكم والبيهقيّ عن أبيّ ابن كعب رضي الله عنه قال:
” لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة، وآوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحدة..
فكانوا لا يبيتون إلاّ بالسّلاح، ولا يُصبحون إلاّ فيه، فقالوا: ترون أنّا نعيش حتّى نبيت مطمئنّين لا نخاف إلاّ الله عزّ وجلّ ؟!”.
وجاء الجواب وحيا من السّماء، ليبشّر الله به عباده الصّادقين، ويُثلج به قلوب المتّقين .. جواب حوّل كلّ شيء ..
يُكمل أبيّ رضي الله عنه قائلا:” فنزلت:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
فتلقّى المؤمنون هذه الآية وأخذوها سلاحا لهم باللّيل والنّهار، إذ هي وعدٌ صادق من الواحد القهّار.
ليكون الإذن بعدها للمسلمين بالقتال…
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وثلاثون
*الإذن بالقتال*
مرت السنة الأولى من الهجرة ..
ولم يكن الله ليذر المؤمنين في صف الدفاع عن أنفسهم دون المبادرة للمواجهة مع العدو..
وخصوصًا بعد تجرؤ المشركين على إخراج الحبيب صلى الله عليه وسلم من وطنه..
روى الإمام أحمد، والتّرمذي، النّسائي، والطّبري عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال:
لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ مَكَّةَ، قال أبو بكْرٍ رضي الله عنه:
“أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ ! إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! لَيَهْلِكُنَّ.
فنَزَلَتْ:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}. قال أبو بكر رضي الله عنه:” فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ “.
قال ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنه: فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي القِتَالِ.
ثمّ نزلت بعدها آيات الإذن بقتال من يقاتلهم، وذلك في سورة البقرة:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
وكان أول مهدد بقتاله أمية بن خلف:
روى البخاري عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:
” انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه مُعْتَمِرًا، قال: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ..ـ وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالمَدِينَةِ نزَلَ على سعْدٍ ـ، فقالَ أُميَّةُ لِسَعْدٍ:
انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ، انْطَلَقْت فَطُفْت.
فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ، إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ ؟
فَقَالَ سَعْدٌ رضي الله عنه: أَنَا سَعْدٌ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ ؟!
فَقَالَ: نَعَمْ ! فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا..
فقالَ أُميَّةُ لسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ؛ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي !
ثمَّ قالَ سَعْدٌ: واللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ.
قال: فَجَعَلَ أُميَّةُ يقولُ لِسَعْدٍ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ.
فَغَضِبَ سَعْدٌ، فقالَ: دَعْنَا عَنْكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ.
قال: إِيَّايَ ؟! قال: نَعَمْ.
قالَ: واللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ.
فَلَمَّا خَرَجُوا، رَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ مَا قَالَ أَخِي الْيَثْرِبِيُّ، فَأَخْبَرَهَا.
فَقَالَتِ امْرَأَةُ أُمَيَّةَ: مَا يَدَعُنَا مُحَمَّدٌ..
فَلَمَّا جَاءَ الصَّرِيخُ ـ داع القتال ـ، وَخَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، قَالَتْ لَهُ: أَمَا تَذْكُرُ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ، فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ..
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْوَادِي، فَسِرْ مَعَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللهُ..
.. ثم انقضى موسم الحجّ، وجاء شهر الله المحرّم، ثمّ انقضى دون قتال لحرمته فيه .. وجاء شهر صفر فبدأ الغزو..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
__________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة واثنان وثلاثون
*غزوة الأبـواء.*
*- تاريخها ومكانها:*
كانت في شهر صفر من السّنة الثّانية من الهجرة، بمكانٍ يقال له “ودّان” بالأبواء.
ذلك المكان تذكّره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتذكّر الحُزنَ الّذي غمره فيه !
ذلك المكان الّذي ودّع فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمَّه، وتركها هناك يواريها التّراب.
*هدف الغزوة ونتيجتها:*
كانت هذه الغزوة أوّلَ تهديد لقريش، حيث خرج المسلمون لاعتراض عير قريش وهي متّجهة إلى بلاد الشّام، وذلك انتقاما لأموالهم الّتي سلبوها بمكّة.
*وكان المستخلف على المدينة:* سعدَ بنَ عبادة رضي الله عنه،
*وحامل لواء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حمزة بن عبد المطّلب في مائتي مقاتل.*
وكان قائد قوّات العدوّ أميّة بن خلف في جيش من قريش وبني ضمرة.
*نتيجة الغزوة:*
ولكنّ المسلمين وجدُوا العِيرَ قد فاتتهم، فعقد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم معاهدةَ صُلح وأمانٍ مع سيّد بني ضمرة، و( ما لا يدرك كلُّه لا يُترك جلُّه ). ليكسب قبائل إلى صفه..
وكانت مدّة مكوث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة خمسة عشر يوما.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وواحد وثلاثون
*السرايا والغزوات*
كانت السّنة الثّانية حافلةً بالسّرايا والغزوات.
والسريّة من حيث اللّغة هي الجيش الصّغير، والغزوة اسم يطلق على كلّ قتال، إلاّ أنّ علماء السّيرة اصطلحوا على تسمية الغزوة بالقتال الّذي خرج فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والسريّة بالجيش الّذي لم يخرج فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
*أمّا الغزوات فقد اختلف العلماء في عددها على أقوال:*
1- فمنهم من قال: هي تسع عشرة، استدلالا بما رواه البخاري ومسلم عن أبي إسحاقَ السّبيعيّ قال: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه فقيل لهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ غَزْوَةٍ ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ.
كذا قال، ومراده: الغزوات الّتي خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل.
2- ومنهم من قال: هي إحدى وعشرون غزوةً، استدلالا بما رواه أبو يعلى من طريق أبي الزّبير عن جابر رضي الله عنه أنّعدد الغزوات إحدى وعشرون، قال الحافظ: ” وإسناده صحيح، وأصله في مسلم “.
فعلى هذا فقد فات زيدَ بن أرقم ذكرُ ثنتين منها، ولعلّهما “الأبواء” و”بُواط”، وكأنّ ذلك خفي عنه لصغره، ويؤيّد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ:” قلت: أوّل غزوة غزاها ؟ قال: ذات العُشير أو العُشيْرَة “. والأبواء وبواط قبلها.
3- وقيل: أربعة وعشرون غزوة، فقد أخرج عبد الرزّاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيّب قال: ” غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعا وعشرين “.
4- وقد توسّع ابن سعد فبلّغ عدّة المغازي الّتي خرج فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بنفسه سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو مطابق لما عدّه ابن إسحاق.
توضيح سبب الخلاف:
يرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب:
*الأوّل: أنّ من توسّع يكون قد فصل بين غزوتين، ومن نَقص جعلهما واحدة.*
فإنّ كثيرا من أهل العلم يجعل غزوة الأحزاب (الخندق) وغزوة بني قريظة غزوتين منفصلتين، ويجعل غزوة الطّائف وحُنين منفصلتين كذلك.
في حين أنّ فريقا منهم يجعل الغزوتين واحدةً لقرب بعضهما من بعض، أو لكون الأولى سببا للثّانية.
*الثّاني: اختلافهم في مفهوم الغزوة،* فربّما كان منهم من يعدّ الغزوة هي الّتي حدث فيها قتال دون الّتي لم يحدث فيها قتال، والفريق الآخر يعدّ الّتي لم يحدث فيها قتال غزوةً أيضا.
وعليه، فمنهم من لم يعدّ الحديبيّة ولا عمرة القضاء ولاالفتح غزوات..
*الثّالث: توسّع بعضهم أحيانا، فقد يطلِقون على السريّة أحيانا غزوة لعظمتها ومنزلتها، كسريّة مؤتة مثلا.*
*وأما البعوث والسّرايا:*
فلا يمكن ضبط ذلك؛ لذا اختلف العلماء في عددها على أقوال:
1- فعدّ ابن إسحاق ستّا وثلاثين.
2- وعدّ الواقدي ثمانيا وأربعين.
3- وحكى ابن الجوزي ستّا وخمسين.
4- وعدّ المسعودي ستّين.
5- وأوصلها العراقيّ في ” نظم السّيرة ” إلى ما يزيد على السّبعين.
6- ووقع عند الحاكم في ” الإكليل ” أنّها تزيد على مائة، فلعلّه أراد ضمّ المغازي إليها..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸