الداخلة وادي الدهب :
المغربية المستقلة :متابعة الحسين اولودي
استجابة لدعوة كريمة من جمعية فرع الفتح الغفار بجهة الداخلة وادي الذهب، تشرف الحسن لحويدك بصفته رئيسا لجمعية” الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب” بتقديم مداخلة في موضوع: “المهاجرون الأفارقة، من محطة العبور… إلى الاستقرار والإقامة بالمغرب” والتي احتضنها المركب الاجتماعي أم التونسي بالداخلة، مساء يومه الأحد 28 أكتوبر 2018، وتندرج هذه المداخلة في إطار المشاركة في تنمية التعاون جنوب ـ جنوب، حيث تم تنظيم ندوة فكرية حول سبل ترسيخ قيم التعاون بين دول إفريقيا جنوب الصحراء، تفعيلا لمبادئ التعاون الإفريقية، في إطار ما يعرف بالتلاقح الفكري والديني بين الزوايا الدينية والمريدين، في مختلف دول إفريقيا المسلمة .
وقد اهتم موضوع المداخلة بإبراز جوانب الإدماج والتكامل لصالح المهاجرين الأفارقة وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز العلاقات المغربية الإفريقية .
وفيما يلي نص المداخلة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيدات والسادة الحضور الكريم.
يشرفني بداية، أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لمكتب ” جمعية فتح الغفار ” وأعضائها، بجهة الداخلة وادي الذهب، المقيمين بالداخلة، وأخص بالذكر السيد الرئيس الأخ يوسف أنجاي من جالية الجمهورية السنغالية الشقيقة، على دعوتهم بالمشاركة وإلقاء هذه المداخلة في هذه الندوة الهامة، تحت عنوان: “المريدية الحقيقية وآفاق المستقبل”، المنظمة بالمركب الاجتماعي أم التونسي بالداخلة،.
وقد اخترت أن تتمحور مداخلتي في فعاليات هذه الندوة حول موضوع : ” المهاجرون الأفارقة، من محطة العبور… إلى الاستقرار والإقامة بالمغرب ”
أكيد، أن هذه الندوة لها أهمية قصوى، اعتبارا أن منظميها فعاليات جمعوية، تجمع بين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، ونظرائهم المغاربة الذين يشتغلون على نفس هذه المقاربة الجمعوية الإنسانية التضامنية، بهدف السهر على عمليتي الإدماج والتكامل للمهاجرين الأفارقة .
أيها الحضور الكريم، لا يخفى عليكم استراتيجية المملكة المغربية في خدمة القارة الإفريقية ومصالح شعوبها التي أضحت تعتبر من الأولويات، في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، وهو الأمر الذي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس، يوليه اهتمامه المتواصل، من أجل توطيد العلاقات الثنائية البينية بين الأقطار الإفريقية، في شتى المجالات، بغية النهوض بالتنمية البشرية المستدامة لشعوبها، وهو وما يكرس تعاون جنوب- جنوب، المرتكز على ثقافة التقاسم والتضامن بين الدول الإفريقية، المبني على مبدأ رابح-رابح.
وفي هذا الصدد، قام المغرب بتطوير نموذجه المتعدد الأبعاد، في كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية، ومجالات متنوعة في أبعادها الثقافية والأمنية والدينية.
وفي هذا السياق، حرص المغرب على إعطاء الاهتمام للعنصر البشري الإفريقي، لتكوينه وتأهيله، عن طريق إنجاز برامج للتنمية المستدامة، التي لها وقع مباشر على معيش المواطن الإفريقي، وهو ما تجسد من خلال الزيارات الملكية المتتالية لمختلف ربوع إفريقيا.
وعموما، فالمغرب يتوفر على استراتيجية تخدم مصالح شعوب إفريقيا، بناء على حمولة غنية ومؤهلات متنوعة، من شأنها ان تعزز الاستقرار وتحقق التنمية المنشودة.
وعلى هذا الأساس، يعتبر المغرب أن الهجرة فرصة للاستثمار وليست تهديدا، فهي تتطلب العمل على تعزيز سبل التعاون والاندماج بين البلدان الإفريقية ودول الشمال، مقترحا في ذلك إحداث مرصد إفريقي للهجرة، وذلك من أجل الإلمام الصحيح بهذه الظاهرة، في كل أبعادها التي تتطلب تكريس مقاربة تشاركية لتوسيع مجال التعاون جنوب – جنوب، في إطار سياسات مبنية على الاستجابة للانتظارات، وتعزز آفاق الاستثمار في القارة الإفريقية، وتخلق فضاءات للتكامل، والاندماج، والاستقرار، والانفتاح.
ويذكر في هذا السياق، أن المملكة المغربية، منذ عدة سنوات، تحولت من بلد للعبور إلى الاستقرار والإقامة، وهو ما أفرز تجمع العديد من المهاجرين الأفارقة، الأمر الذي تطلب احتضانهم وإدماجهم بمعية أسرهم في المجتمع المغربي، وهنا ينبغي التنويه بالمجهودات التي تقوم بها الدولة المغربية في هذا الإطار، بالرغم من كثرة المطالب، وما تفرض عملية الإدماج من إمكانيات مادية هائلة لتوفير مستلزماتها، علاوة على الدور الفعال الذي تقوم بها مجموعة من جمعيات المجتمع المدني المغربي، من اجل مواكبة عملية الإدماج في المجالات والأنشطة المختلفة.
وعموما، فانفتاح المجتمع المغربي على هجرة الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، هو في طور التشكل، ويلقى تعاطفا في العديد من مدن ومناطق المغرب، حتى في جانب التشغيل، حيث أضحى العديد من الفاعلين الخواص وقطاع الخدمات، يشغلون شباب أفارقة من جنوب الصحراء، وهو ما يبرز أن الانفتاح المغربي على الثقافات الإفريقية هو حاضر في مكونات البعد التاريخي المغربي، الذي يجسد هذا التلاحق المنسجم والإيجابي، بغض النظر على التذبذبات والصراعات المعزولة، التي تحدث من حين لآخر في بعض المدن.
وعلى هذا الأساس، لابد من تفعيل دور الجمعيات لتواكب عمليات التأطير والتحسيس والمواكبة، وهو العمل الذي تقوم بها العديد من الهيئات المدنية المغربية في هذا الشأن، التي تحتضن مجموعة من أطفال المهاجرين الأفارقة، وتسهر على تتبع دراستهم، وانخراطهم في مجالات العمل وأنشطة متنوعة كالثقافة والفن والرياضة .
وفي هذا المضمار، فالمغرب ما فتئ، يتضامن مع هؤلاء المهاجرين من منطلق إنساني تضامني، وهو ما يتجسد من خلال عمليات التسوية الإدارية لأوضاعهم قصد الحصول على بطاقة الإقامة، التي تساعدهم على تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وذلك انسجاما مع مواقفه الاستراتيجية في سياسته، خدمة للقضايا التي تشغل عامة القارة الإفريقية، وأيضا من خلال التزامه وتوقيعه على مجموعة من المواثيق والاتفاقيات الدولية، وكذا انسجاما مع مبادئ الدستور المغربي.
وتجد الإشارة في هذا الإطار، أن المهاجرين يكونون في وضعية صعبة بسبب اختلاف دواعي مغادرتهم بلدانهم الأصلية، مما يستلزم المواكبة الاجتماعية والنفسية لإدماجهم في المجتمع المغربي، حتى يتخلصوا من مركبات النقص أو النظرة الدونية، التي يحسون بها جراء هذه المعاناة.
ومن هذا المنظور، تتولى العديد من الجمعيات المغربية ادوارا مهمة، مثل الاستماع والمرافقة، وتقديم المساعدات والعون في ميادين متنوعة، كالتعليم والصحة والتكوين، من أجل الولوج الى الشغل والاندماج الاجتماعي. كما أن هناك جمعيات تشتغل على كيفية التواصل من خلال تعليمهم اللغة العربية، والدارجة المغربية، بهدف تسهيل عملية الاندماج في التكوين المهني، قصد تعلم مجموعة من الحرف، للولوج إلى مجال الخدمات.
وفي هذا الإطار، تقدم الحكومة المغربية دعما ماليا للجمعيات التي تشتغل مع المهاجرين في هذا الصدد؛
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه بفعل السياسة السديدة التي ينهجها المغرب في مجال الهجرة عموما، خاصة في ما يتعلق بالنسبة للمهاجرين الأفارقة، أو الأشقاء السوريين، جعلته يحظى بالتميز والسبق على الصعيدين الإفريقي والعربي، بتركيزه على البعد الإنساني في التعامل مع هذه الظاهرة.
وفي الختام، ونظرا لتفاقم الهجرة السرية في العديد من بقاع العالم، سواء على مستوى البلدان التي يستقر بها المهاجرون السريون العابرون، أو على صعيد البلدان المستقبلة للهجرة، فإنه ينبغي توفير استراتيجية دولية، تنكب على تسطير رؤية شاملة لمقاربة تشاركية، خاصة في ظل الحروب والنزاعات التي تعرفها العديد من البلدان، علاوة على آفة الفقر التي تعانيها كثير من الدول، بالخصوص المتواجدة جنوب إفريقيا، تحديات يجب تضافر الجهود العالمية للتغلب عليها، عبر مشاريع تنموية في بلدانهم الأصلية، قصد الحد من النزوح الجماعي للمهاجرين.
شكرا على حسن الإصغاء والتتبع. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
القادم بوست
- تعليقات فيسبوك
- تعليقات