أحزابنا السياسية اليوم نحو بديل سياسي جديد

المغربية المستقلة  : بقلم الدكتورة راضية الدباغ محللة سياسية وعدلة موثقة باستئنافية طنجة

يستحضرني في هذا الموضوع الكلمات البسيطة لمحمود درويش عندما قال في يوميات جرح فلسطيني: وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر، إنني العاشق والأرض حبيبة، لمالها من كثير من القناعة في تحريك قلمي اليوم حول الصورة الباهتة التي ظهرت بها المنظومة السياسية الحزبية في السنوات الأخيرة، في تجاهل تام لما يطمح إليه مواطن مغرب الغد، الذي ذاق من مرارة الأمس وباث أكثر حضورا في تتبع تفاصيل الحياة السياسية للمملكة، لارتباطها الوثيق بحالته الاجتماعية والإقتصادية.
على اعتبار أكيد بأن الديمقراطية المزيفة، تزعزع أساس وجود الحزب ومصداقيته وعلى بنيته التحتية التي يجب أن تستند إلى عضوية ونشاط في الحزب. فكما تحتاج الديمقراطية نفسها إلى كوابح وتوازنات، أيضا المنظومة الداخلية الحزبية بحاجة إليها.
قد تبدو هذه المسألة إجرائية، لكنها شديدة الأهمية لمغرب الغد، في خضم حراكه التنموي الشامل، حيث هو بحاجة إلى أحزاب على مستوى الرهانات، أحزاب جادة وذات برامج متطلعة. فالشعب المغربي بكل مكوناته يستحق أفضل مما هو موجود.
وفي هذا الإطار يبدو المأمول فيما سيأتي به الغد القريب من أحزاب سياسية جديدة في الساحة السياسية – بما فيها حزب التجديد والتقدم المبني على قناعات راسخة وعلى حب الوطن اللامشروط – وما تحمله من رهانات ووعي بجسامة المسؤوليات التي سوف تتقلدها جميعا والتي يجب أن تتماشى والمرحلة الجديدة التي تعيشها المملكة والتطورات العميقة والمتسارعة في جميع المجالات في ظل مناخ وطني وجهوي ودولي متغير.
على اعتبار بأن العمل السياسي في المرحلة القادمة والحزبي على وجه الخصوص يجب الإعتماد فيه على نهج سياسة القرب من قضايا الناس، وهو نفس الشعار الذي تسير فيه السياسة العامة للبلاد وتجسده السياسة الملكية الرشيدة في هذا الباب من الشفافية والقرب من نبض الشارع المغربي.

فالأحزاب اليوم هي مطالبة للخروج من عبتها وتجاهل ناخبيها، فالمواطن المغربي يتميز بذكاء وفطنة لا تفصله على واقع الفوضى العارمة والتصلب المتخلف لرؤساء الأحزاب المسألة التي ساهمت في إشعال الغضب الشعبي الواسع، وهي نفس المسألة أيضا التي أثارت جدلا واسعا بين خبراء العلوم السياسية. في مدى وجود مؤشرات ملموسة في تجديد وتغيير قواعد اللعبة السياسية، وفي إنجاز مشهد ديمقراطي حقيقي يعتمد على فصائل سياسية جديدة قوية ومنظمة وجديرة بالثقة.

وبالتالي أيكون الوقت قد حان لإعطاء فرصة لنخبة سياسية جديدة تبرز مع أحزاب سياسية وليدة ؟ يتجدد معها الأمل وتتنفس معها الأجيال القادمة، الفاقدة للثقة وللمسار؟.

على اعتبار أكيد أن الإصلاحات الكبرى والاستراتيجية التي يعمل المغرب من خلالها اليوم، تحتاج لمواقف ومبادرات حزبية جديدة حيوية وجريئة تؤهلها للعب الأدوار الدستورية المنوطة بها وإبراز قدرتها على تعديل موازين القوى، تتويجا لاستكمال مسيرة العملية الديمقراطية، إضافة إلى أهميتها في إثبات وجودها كفاعل ذو تأثير يضمن، ربط القرار بصناديق الاقتراع، إذ لا ديمقراطية ولا إصلاح بدون أحزاب سياسية قوية ومسؤولة ومواطنة.

سؤال يبصم عمق الأزمات الحقيقية التي تعيشها أحزابنا اليوم – أزمة تنظيم وأزمة برامج وأيضا أزمة في طرح البدائل، لكن الأكيد أن المرحلة القادمة لن تكون سهلة ولا في متناول اليد، بسبب تدني الأداء السياسي لأغلب الأحزاب، وهذا ما دفع الملك محمد السادس نصره الله إلى رفع سقف العمل، ومطالبته غير مرة الأحزاب السياسية بالنزول إلى الشارع، وعدم الاكتفاء بالخطابات الجاهزة والمكاتب المكيفة، بغية إرجاع المصداقية إلى العمل السياسي والحزبي في البلاد.

والأمر أن العديد من القيادات الحزبية هرمت وآن الآوان لتفسح الطريق أمام قيادات شابة وجديدة وعلى إصلاح وتجديد لبنياتها وتصوراتها، والخروج من منطق اللامشروعية التي تتخبط فيه، فعزوف المواطن من الخوض في الشأن السياسي والمشاركة الانتخابية ليس من قليل، لأن ما حدث ويحدث يكشف على أن الأمر يتعلق بحالة من الإحباط العام واللامبالاة وسط الغالبية العظمى من الناخبين ومغاربة العالم والناتجة عن انسداد الأفق أمام أحزاب همها الوحيد حصد الكراسي والمقاعد، ولا تكرس أي جهد في إخفاء شغفها بالحكم والسلطة.
فإذا كانت الحكومات مكتب والأحزاب شعب متحرك، فعلى الأحزاب أن تكون قوة اقتراحية قوية وذات مصداقية واقعية، في القول والفعل في أعمالها.

وبالتالي هنا، أقول فالأزمة التي تمر بها الأحزاب السياسية المغربية مزدوجة وتهدد الديمقراطية أكثر من أي وقت مضى، ولتعزيز الديمقراطية والتخلص من الدوامة الحالية، يجب على الدولة الإنفتاح على أحزاب سياسية جديدة مبادرة وذات مصداقية تتماشى وروح الديمقراطية التي تتطلبها المرحلة.

حفظ الله شعبنا الكريم وقيادته السياسية الرشيدة والمخلصين من أبنائه الأكارم.

 

Loading...