كتاب الرأي : مقالات رمضانية للكاتب سيدي علي ماء العينين ” الإختلال و الإنحلال الأسري بين سؤال الفرد و المجتمع”

أكادير :
المغربية المستقلة :
الإختلال و الإنحلال الأسري بين سؤال الفرد و المجتمع
بقلم سدي علي ماءالعينين

ملحوظة : معذرة عن الإطالة و عن قساوة المشاهد المصورة فهي ليست للتعميم فبيننا لازالت اسر حصنت نفسها من كل ما سنذكر .
في المغرب تطغى نزعة العائلة و الإنتساب إليها بما قد تعنيه من تشبت بإنتساب تاريخي لأمجاد الأجداد سواء كان إنتسابا شريفيا او ماليا او مخزنيا من خدام الدولة ؛ نزعة تجد تمظهراتها في الألقاب و الأسماء و الوسط ؛وفي الأملاك والعقارات و الميراث ؛
كل هذا فيه نوع من ربط الماضي بالحاضر لكنه ربط ميكانيكي يستهلك فيه أبناء اليوم رصيد العائلة من آباء و أجداد دونما ترجمة و إتباع لمساراتهم الناجحة او امجادهم الخالدة .
وفي المقابل هناك إنتساب للأسرة حيث يكون الفرد فيها الى جانب الإخوة والآباء و الأعمام والعمات و الأخوال و الخالات ؛ إنتساب أصبحت تشوبه العديد من المطبطات بسبب ما يمكن ان نسميه بالتفكك الأسري و إنحلال العلاقات التي يكون من نتائجها الهجران و قطع الأرحام و تباين المصالح و التوجهات و تعقد الروابط و إنحلالها ؛لتفسح المجال لنرجسية و فردانية يغيب فيها مفهوم الإنتماء الى عرق و منظومة قيم لتتحول بأشكال متفاوتة الى إنتماء سطحي مناسباتي حيث تصبح روابط الدم هي المشترك الوحيد أمام سقوط باقي المكونات؛
إننا أمام تباعد ملموس بين أفراد الأسرة الواحدة وهو تباعد نفسي و فكري و عاطفي ناتج عن طغيان المادة و تباين الإهتمامات و تعدد مشارب المعرفة المكونة للشخصية كفرد على حساب الشخصية المعنوية المتمثلة في الأسرة .
آباء غلبتهم شروط الحياة القاسية فيقضون نهارهم في العمل و ليلهم في النوم او مساءهم في المقاهي والحانات ومقابلات البارصا و الريال او في المساجد والولائم وجلسات الذكر وقنوات ناسيونال جييوغرافي و إقرأ والجزيرة ؛
وكلا النموذجين يبحث لنفسه عن متنفس من قساوة العيش بالهروب الى ما يمكنه ان يخفف ولما لا ينسي (عيشة القهرة ؛)
غياب يقابله غياب الأم العاملة التائهة بين حافلات النقل الى العمل و مشاكل الترقية و المسؤوليات المهنية
فيما فئة ثانية غارقة بين صالونات التجميل و الرياضة و العلاقات المجتمعية الغارقة في معايير الموضة و التسابق نحو الكماليات ؛
أما الفئة القابعة بالمنازل فتجد ضالتها في الإداعات الخاصةبالمدياع التي تغرق هذه الفئة في عالم الطهي و الوصفات وفي عالم الطب البديل و أخرى في البرامج الدينية الغارقة في فتاوي العصر وبعدخروج الاطفال الى المدارس تبدأ سلسلات الافلام التركية وسامحيني فيما الأبناء غارقون في مؤسسات تعليمية خاصة او عمومية تعلمهم تربية متباينة بين الإنحلال او التطرف فيما بدأ الإعتدال يشكل الإستثناء ؛فتتفشى ظواهر الأزمات النفسية التي تجعل من الإبنة وجبة شهية لحب وعلاقات تنتهي الى الفراش فيما تجعل الإبن فريسة لكل أشكال المخدرات؛
وفي غياب الام بسبب العمل يصبح الاطفال تحت رحمة ربات البيوت من الخادمات والمربيات او ضحية شارع يفترس طفولة حرمت من الرعاية و التتبع والمواكبة ؛
لم يعد الآباء يؤدون ادوارهم في الرعاية و التربية والحضن الحنون و المصاحبة والمصادقة و الإستماع و المؤانسة ؛فكل غارق في مادياته بإسم توفير إمكانيات العيش و تحقيق مطالب الدراسة و الملبس و شراء الآلات الإلكترونية من لوحات و هواتف و سماعات ….
لقد تحولت ادوار الاب و الأم من المصاحبة و المراقبة و التربية و القرب الى سياسة التمويل و الثقة الزائدة التي تخفي العجز عن مسايرة تطور العصر خاصة في التكنولوجيا.
معظم الآباء لم يعدوا يملكون علاجا لهذا الوضع سوى الدعوة بالهداية لأبناءهم و ينطلقون من مسلمة إستسلامية :
إلا هداهم الله سعداتك وخير من الله
اما لي مهداه الله واخا تعيا مادير ليه غير كاتعذب راسك
وهكذا بدأ التعايش مع ظواهر إجتماعية تسمح للفتيات للمبيت خارج بيت الأسرة ؛و للذكور من دخول المنزل متأخرا بعد نوم الجميع .
تصبح ضعف النتائج الدراسية بسبب المدرسة و المدرس و عبارة (مابقات قراية )
وعندما يكون الإبن مدمنا يصبح الأمر عاديا لأن إبن الجيران و إبن فلانة وفلان أكثر منه إدمانا و تلك ظاهرة عامة (الله يهدي و صافي)
و تستمر مظاهر التفكك بحيث تصبح العلاقات قبل الزواج و حتى الممارسات تدخل في صلب هاجس الأسرة و هو زواج البنت : ( خاليها تخرج و تعرف الناس حتى ايجيب ليها الله رزقها ؛الجلوس في الدار ماكايجيب الراجل؛و الرجال مابقاو بغاو بنات الناس؛ و بنات الزنقة مابقاو خلاو لي يتزوج و حتى لي تزوج المحاكم عامرة بالطلاق حيث مابقى صبر )
و تزداد الأمور تعقيدا حين يتحول الزواج الى صفقة تجارية او مختبر ولادة ينجب الابناء و كل الى حال سبيله …
الزواج ينهار بسبب تباين ذهنية الرجل و المرأة وتراجع معيار الحب و الإختيار بالنسب و التربية و الدين ليصبح معيار الإختيار هو الوظيفة و المنزل و الرصيد البنكي وميراث الأهل ….
فماهو الحل ؟
هنا تدخل السياسة على الخط فيصبح مطلب العلمانية و التحرر جواب فئة ترى ان الغرب تطور لأنه كسر طابوهات و حرر الحريات الفردية و بذلك قطع مع النفاق الإجتماعي و الممارسات السرية المناقضة للمعلن في الشريعة و المجتمع حيث الجميع ضد الفساد والغالبية العضمى تفسد و الجميع يقلد مظاهر التدين في الملبس و واللحية و ملازمة المساجد لكن بلا عمق في السلوك و المعاملات إلا القلة القليلة ؛لذلك يجب تحرير كل شيئ لقتل مقولة : كل ممنوع مرغوب .
فئة أخرى ترى أن الإبتعاد عن الدين و ترك ما جاء في الشريعة من قيم سامية ؛و الإحتكام الى القوانين الوضعية وهجر احكام الكتاب و السنة كلها من عوامل هذا الوضع .
فلا صلاح في مجتمع فيه التبرج و الإختلاط و تتزوج فيه البنت لغير دينها و اصلها ؛ولا خير في عمل غير التجارة و لا فلاح مع الابناك الربوية .
فلن تصلح الأمة فيما تعانيه سوى بالعودة الى شريعة الله.
هنا ينقسم المجتمع ولو وسط أسرة واحدة بين متطرفين لكلا الرأيين و التوجهين ؛ مع نفاق إجتماعي صارخ :
فالمتدين في ملبسه و معجم لسانه يعطيك صورة الورع التقي فتجده من تحت جلبابه( الرجل) و عبايتها ( المرأة) يمارسون كل أشكال التحرر بل و يجدون لها مخرجات دينية فيما بينهم!!!
والعلماني حفاظا على مكانته المجتمعية فهو يمارس العلمانية لكنه لا يجهر بها حفاظا على مكانته في المجتمع المحافظ فينافق بالصلاة في الأعياد و الجمعة و يمارس كثيرا من قناعاته في سرية .
اما الابناء فيمارسون هذا الإختلاف بعنف فتجد الفتاة بين تبرج (بالمفهوم الديني) طافح و بين تزمت بإسم الحفاظ على الطهرانية .
و يصبح اللباس هو حلبة الصراع بين الابناء و الآباء فتضطر البنت للبس الحجاب كي يحترمها ابناء الجيران و تحصل على تذكرة الدخول و الخروج من المنزل بلا حسيب و لا رقيب فيما غير المتحجبة تصبح عرضة لتعاليق ابناء الجيران على لباسها الملتسق بها و مصدر شك من اسرتها بسبب زينتها التي توحي بموعد مفترض ….
والإبن ينتقم من الاب و يخرج من سلطته فإما يكون الأب متحررا فيتزمت الإبن بحجة ان أباه في ضلالة و هو في طريق الصواب او يقلد اباه في تحرره و لسن حاله : ( علاش انت إييه انا لا !!)
و بذلك تصبح محصلة التفكك الأسري و العلائقي بين أفراد المجتمع هي الطاغية و المهيمنة .
ونعود ونقول ماهو الحل ؟
في تقديري الشخصي أن الحياة عند الفرد لا تنطلق من ضوابط و قواعد جاهزة يتم إسقاطها على الأفراد ؛
فمن حقك ان تتجاوب مع رغباتك النفسية التي تريحك لكن ليس من حقك ان تمارسها على حساب راحة الآخرين ؛
الإعتداء على الآخرين هو الخط الأحمر فلا تغصب أحدا على فعل مالايريد و لا تعمل على إستغلال دوي الحاجة لقضاء حاجتك فكن إنسانا مع باقي الكائنات بكل معاني الإنسانية .
ولا تسعى لإرضاء الجميع فإرضاء الناس غاية لا تدرك بل حاول ان تشبع ذاتك مما هي محرومة منه و علمها ان تميز بين الحاجيات و الضروريات وبين الطيش و التسيب و الإنحلال.
إجعل عبادتك لربك بينك وبينه و لا تحولها الى معركة استعراض العضلات في الشوارع و المؤسسات بإسم حماية الدين او لعب دور الناصح الأمين او في اشد الحالات تعتبر ان طريقة تدينك هي الدين وما دون ذلك بدع.
إذا ابتليتم فاستتروا فالجهر بالتدين و المعصية سيان و في كفة واحدة فالمعصية هي معصية الله و المجتمع فالى ان يعفو الله عنك منها فمارسها في سترة بينك و بينه هو من يراك . إذا كنت تمارس عبادة لوجه الله فلا تجعلها تباهيا بين خلقه.
إن الإسلام و العلمانية في فهمي لهما انهما يلتقيان في امور كثيرة ؛يلتقيان مادام الهدف هو إسعاد البشرية و عبادة الخالق مع التمتع بالحياة بلا غلو ولا تشدد وبلا إنحلال ولا تهور.
بإختصار : الحل هو …كن انت ؛كن انت و ضع إعتبارا لمن حوله فأنت تكمله وهو يكملك
وفي الأسرة انت الفرد مهما كانت عضويتك( أبا او اما او ابنا) فمهمتك ان تخلق اللحمة بين الافراد وتقرب بينهم دون ان ترمي المسؤولية عل غيرك .
لا تبدل مجهودا ان تقول لي بلباسك و علامة السجود على جبينك و كلمات الله والرسول في خطابك انك مواطن صالح و انك خير ما ولدت ولادة ؛
ولا تبدل مجهودا ان تقول لي بلباسك و علامته التجارية و تسريحة شعرك و لغتك الخليطة بين الفرنسية و العربية في خطابك أنك مواطن متحرر و ليسقط الدين و المجتمع؛
كن انت
كن انت
مااصعب ان تربح العالم كله و تخسر نفسك
ما اصعب ان تخسر نفسك و تربح العالم كله
و بينهما منزلة هي انت
عش حياتك فإن اذنبت فبينك وبين خالقك ؛فقط إجعل ذنوبك مخالفات ولا تجعلها إعتداء على الغير ؛
فما تراضيت فيه مع الغير بلا غصب او إكراه او مس بالمجتمع و الدين فمارسه و إن كانت به مخالفة دينية فبينك و بين خالقك.
عش حياتك فإن عبدت و صليت و حجيت و صدقت و أحسنت فبينك و بين خالقك فإجعل عبادتك تقربا من الله و ليس من الغير
وهكذا عندما يصلح الفرد و يكون في صلح مع ذاته و مع مجتمعه تعود الأسرة الى توازنها لأن صلبها وهو الفرد هو من يبنيها عكس ما نراه اليوم في انه هو من يهدمها.
فمعذرة عن الإطالة و اتمنى ان تعم الإفادة .

Loading...