المغربية المستقلة :
عذاب النملة
المقال التاسع ضمن مقالات رمضانية
بقلم : سدي علي ماءالعينين – أكادير
يحدث أن تدخل في نقاش مع إنسان ويصرخ في وجهك:
سادوس عليك كنملة !
قليلون من كلفوا انفسهم وبحثوا في عالم النمل ذلك الكائن الصغير الذي يعتبر من اكثر المجموعات الحيوانية نظاما و إجتهادا.
فالنمل يتعامل مع الفصول بعقلية جد متقدمة فيعرف متى يعمل و متى يستريح ؛متى يسكن تحت الارض ومتى يظهر الى السطح.
فماذا لو إعتبرنا المغربي كالنمل في عمله و تركيبته وحتى في حجمه؟
فملكة النمل لها مكانة كبيرة في مجتمع النمل بل يمكن القول ان المجتمع كله يرتكز على الملكة وادوارها ؛ونفس الشيئ في المجتمع المغربي فالذي يحافظ له على خصوصيته هو تشبته بالملكية و بمكانة الملك في المجتمع كحكم في كل ما يمس تماسك المجتمع.
في مجتمع النمل المكانة الكبرى تحتلها النملة التي يقع على عاتقها حمل المجتمع و مسؤولياته الكبرى ونفس الحال تعرفه المرأة المغربية التي يدور حولها كل ما يتحرك في المجتمع ؛فمهما حولت جهات إلصاقها عالميا بالسحر و شبكات الدعارة فإن كثيرا من زعماء العالم من مختلف الواجهات إختاروا الزواج بمغربية لما تعرف به المغربيات من شخصية قوية وامومة طافحة و تفنن في الطبخ وجمال وثقافة .
لكن يبقى أكبر ما يعاني منه مجتمع النمل أنه في عز جده و إجتهاده وتفانيه في عمله و إحترام قوانين مجتمعه فإنه رغم عزيمته القوية و قوة شخصيته فإن بنيته الهزيلة تعرضه لأقدام تدوسه بلا رحمة …
وتلك خاصية يشترك فيها المغربي مع النمل ؛ فالمغربي تداس كرامته و يمارس في حقه الحيف في شتى واجهات الحياة اليومية ؛ فتجده مهضوم الحقوق في العمل بالقطاع الخاص ومعرض للإبتزاز و التحرش و الطرد ؛وفي القطاع العمومي معرض للبيروقراطية و الرشاوي و الفساد ؛و في الإقتصاد معرض للزبونية وغياب المنافسة الشريفة ؛ و كلها وغيرها كثير من مظاهر الدوس على كرامة المواطن مستلهمة من مقولة : طحن مو !!
هذا القول ليس فيه تعميم و لكنه تشخيص لوضع سائد لسنوات طوال منذ الفترة الإستعمارية و سنوات ما بعد الإستقلال ؛
وبمجيئ محمد السادس و إطلاق المفهوم الجديد للسلطة تغيرت معايير التعامل مع المواطن بمنحه كثيرا من هامش الحرية في التعبير و الممارسة و الإحتجاج …
لكن يجب أن نقر ان كثيرا من سلوكات المواطن عبرت عن فهم مغلوط للحقوق التي لا ترتبط بالواجبات و فهمت الحرية على انها تسيب و تطاول على المؤسسات و إباحة لكل اشكال خرق القانون بحجة ممارسة الحرية .
هنا وجب الإقرار أن المغرب يحتاج لورش كبير لشرح وتبسيط العلاقة الواجبة بين الحقوق و الواجبات و ضرورة الحرص على توازنهما .
أما ما اصطلحنا عليه بعذاب النملة فمرده الى معاناة مجتمع النمل من عملية الدوس التي تمارس عليه من طرف بني البشر ؛ فيمكن للنملة في عالمها الخاص ان تقطع المسافات محملة بقوت شهور وقبل ان تصل الى حفرتها للتخزين تحل قدم بشرية فتنسف كل ذلك المجهود وهي تدوس على النمل و قوته و مسكنه/حفرته !!!
في المغرب من الصعب ان تفرح بعمل تحصل عليه لانك في غياب الحقوق مهدد في اي لحظة بالمغادرة والطرد التعسفي ؛
و من الصعب ان تضع ميزانية لتدبير الأسرة و انت غير عارف بتقلبات الأسعار و ميزاجية السوق …
في المغرب يصعب ان تمشي في الطرق بين المدن والقرى دون ان تكون صيدا ثمينا لرجال الدرك و الأمن بدون وجه حق ؛
كما اصبح قطاع الطرق من حملة السلاح الأبيض في الازقة والحارات من المشردين و السكارى و المقرقبين ظاهرة يومية تهدد سلامة المواطن …
لذلك فرحلة المغربي عذاب في عذاب كالنملة ؛فبقدرما يحرص على الجد والعمل من اجل العيش فلازالت بلادنا مليئة بما ينغص على المواطن عيشه ؛
نحلم بمجتمع تعطى فيه الاولوية للأمن الفردي كما تعطى للأمن القومي النموذجي ؛
نحلم بمجتمع تعمم فيه التغطية الصحية و يكون فيه المرض حدثا طبيعيا في حياة الفرد بدل ان يتحول المرض الى كابوس يستنزف الصحة و المال و الكرامة الإنسانية ؛
نحلم بمجتمع تكون فيه فرصة الوظيفة غاية قارة تسمح ببداية حياة الإستقرار بدل ان تبقى مرهونة بميزاجية رب العمل و نزاهة مفتش الشغل او فساده او بحوادث العمل و تعويضاتها بعيدا عن تلاعبات شركات التأمين ؛
نحلم بمغرب يمكن فيه لشاب ان يحدث شركة ويضمن حرية المنافسة و لا تتحول غالبية ارباحه المتوقعة الى ضرائب و إتاوات للمسؤولين لتسهيل الوصول الى الصفقات و وصولات الإداء ؛
نحلم بمغرب حداثي كما هو دستوره وليس كمغرب متخلف في اعرافه التي تدوس على القانون؛
مغربنا لا يحتاج الى مؤسسات ولكن الى تفعيل المؤسسات و ادوارها ؛
مغربنا لا يحتاج الى إعتماد ميزانيات بل الى ضبط مجال صرفها و نجاعة تدبيرها؛
مغربنا لا يحتاج الى قروض خارجية بل الى تكافل إجتماعي و حسن توزيع للثروات؛
مغربنا لا يحتاج الى كثير جهد ليوضع قطاره في سكته الصحيحة ؛يحتاج فقط ان يكون من حق الجميع ركوب قطار التنمية بقدر كبير من المساواة و الإنصاف والحق و القانون ؛
مغربنا يحتاج الى الحسم في قطع تلك الاقدام التي تدوس على النمل إحتقارا و تطاولا و إستغلالا للنفوذ و المركز
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: 18].
و المغاربة كالنمل (كولها داخل سوق راسو ) ولسان حالهم يقول أن سليمان وجنوده هو رب المعمل وحاشيته ؛ والباشا وقياده وشيوخه ؛ و هو رئيس الجماعة ومستشاروه ؛وهو غول الإقتصاديين وزبانيتهم؛ و هو كل مستبد بمركز او نفود او مال او جاه …
ولأن المغاربة مسالمون فهم يوكلون أمرهم الى الله والى ولي أمرهم و يتعايشون مع الوضع كأنه من طبائع الامور ويجدون مبررا على مضض لكل من يدوسون عليهم وعلى كرامتهم انهم لا يشعرون ولا يقدرون و لا يحسون بمعاناة الشعب و الضعيف و المحتاج….
فيا (سليمانات المغرب) لاتدوسوا على النمل و انتم لا تشعرون فمهما طال الزمن سيكون للصبر حدود و تكسر القيود …
فهل تعتبرون ؟
- تعليقات فيسبوك
- تعليقات