كتاب الرأي :حكاية وضع فقد توازنه

المغربية المستقلة :
أكادير :
حكاية وضع فقد توازنه
بقلم سدي علي ماءالعينين

مدخل :
لا أريد أن أكون فيلسوفاً , لكي أفسر أو ابرر مواقف البشر, واعتقد ان لاضرورة لذلك أبداً . كل ماكنتُ أبحثُ عنه نقطة إرتكاز, ولقد وجدتها . يمكن ان أسميها العناد ويمكن أن يسميها غيري القناعة , أو التحدي . المهم إنني وجدتُ تلك النقطة, وهي التي حمتني , جعلتني عصياً على كل قِوى الارض.. وأقسى من الصوّان. – عبد الرحمن منيف
عبر مسار طويل من العمل و الممارسة السياسية في إطار حزب وطني كان صيته يملء الأفق و فاعلا في الحياة اليومية و في الفعل السياسي ولو من موقع المعارضة .
جيل من المناضلين علمونا أبجديات النضال و غرسوا فينا بالقناعة و الإقتناع حب الوطن و فهم سياقاته و تحدياته ؛
خضنا معارك في الواجهات و إنخرطنا بحماس في شتى الإستحقاقات و كانت وصية القائد المرحوم عبد الرحيم بوعبيد نبراسا لنضالنا : كونوا وطنيين قبل أن تكونوا ديموقراطيين ؛
كبرنا و كبر معنا الحلم بمجيئ حكومة التناوب ؛و بقدرما أحسسنا بالغبن بمجيئ جطو ضد المنهجية الديموقراطية ؛حصل عندنا إطمئنان إتجاه المستقبل و نحن نتابع مبادرات العهد الجديد بكل مفاهيمه الجديدة وكان أبرزها المفهوم الجديد للسلطة ؛
جاء الربيع الديموقراطي وسقطت انظمة وإختلت موازين القوى ؛و رغم أن المغرب أفضى الى تراجع مهول للأحزاب الوطنية وبروز تيار إسلامي إتماما لمشهد مصر و تونس و ليبيا ؛
فقد حملتنا الحماسة الوطنية الى إعتبار الأمر تناوبا ثانيا من أجل مغرب مشرق يقودنا الى رسم خصوصية مغربية تتكامل فيها المراحل من الإشتراكيين الى الإسلاميين في خدمة المشروع المجتمعي المغربي
فجاءت التجربة الحكومية بقرارات لا شعبية تم تمريرها تحت مبرر الإستقرار الوطني وضبط التوازنات الماكرو إقتصادية ؛ وإشتد الخلاف حول تقييم عمل الحكومة فجاءت صناديق الإقتراع لتزكي الحزب الحاكم و تمنحه ولاية جديدة ؛.وقع الذي وقع من البلوكاج و تأخر تشكيل الحكومة و تنحية بنكيران على مرحلتين من الحكومة و من قيادة حزبه ؛ تغيرت بدائل الأحزاب الموالية للحاكمين فتقلص دور حزب صديق الملك ليفسح المجال لحزب كان مكملا للإشتراكيين كما كان مكملا للإسلاميين ؛لكنه جاء واضعا صديقا قديما/جديدا للملك على رأس هذا الحزب و في مؤتمر نظم على المقاس ؛ و اليوم الكل عيونه على 2021 و المتتبع يعتبر أن كل مايحدث و سيحدث هو إحتكاك و تسخينات لموعد 2021؛ و لأجل ترسيم هذا المشهد تفككت منظومات ؛و ساءت صورة هيئات في عيون المواطنين ؛و أصبح الزعماء شخصيات منبوذة من المجتمع بتهمة مجاراتها ل(التحكم) و ( المخزن) و…..ففقدت العملية الديموقراطية بريقها في عيون المواطنين ؛ فاصبحت الأحزاب مجرد دكاكين ؛ و السياسيون مجرد كومبارس في مسرحية كتب نصها في دهاليز الحكام الفعليين ؛ و أصبح مفهوم الحزبية مجرد وسيلة للترقية الإجتماعية و الهرولة نحو الكراسي ؛؛؛ ففسح المجال إجتماعيا لإقتصاد غير مهيكل المواطنون يصنعون فيه فرصهم للعيش عبر نظام إقتصادي بالشوارع و السمسرة و الوساطة و التلاعب في الأسعار بين العرض والطلب ؛
فيما توجه الكبار الى صنع خريطة إقتصاد متوحش و بآليات جديدة منفتحة على التطورات العالمية مع الحرص على ضبط ايقاع الإقتصاد الوطني على الموازنة بين الداخل بتمويل الإقتصاد الغير مهيكل كسوق مربحة و في الوقت نفسه ضمان إستقرار مكرو إقتصادي لإقتصاد البلاد دوليا …
و لأن الهرولة وراء الربح يولد قيما نفعية بلا أسس وطنية مواطنة فإن الجشع أصبح لغة الإقتصادين الصغار والكبار على حد سواء ؛ و الجشع هو العملة الرائجة على حساب جيوب المواطنين …
اليوم يبدو المغرب أمام وضع إنتقالي محرج عنوانه : تحرير الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطن ؛ وتفكك منظومة القيم الجمعية المواطنة لفائدة سلوك فرداني غارق في النرجسية مسكون بأنانية مفرطة لا تعير إهتماما للغد الجماعي بقدرما تنغمس في اليومي/ الفردي….
و كأننا نعود الى نقطة الصفر و تصبح مطالبنا هي الديموقراطية و العدالة الإجتماعية و تكافؤ الفرص و العدالة الأجرية و محاربة الفساد و….
ما يحدث اليوم هو أن مؤسسات وطنية مدنية تراجعت و حصرت ادوارها في إنتظار (التعليمات) فيما المواطنون عرضة لسلوكات إنفعالية و تتجه نحو أخد المبادرة في إتجاهات مختلفة ….
نحتاج اليوم لصحوة مؤسساتية ترتكز على قاعدة أن المغرب يجب أن يسير بسرعة واحدة موحدة لا مجال فيها لهيمنة فئة على أخرى و لا لإستغلال النفوذ لتقوية مصالح فئة على حساب أخرى ؛ مغرب الكرامة و العيش الكريم ؛ و لتحقيق ذلك على كل واحد أن يتحمل مسؤوليته و ينخرط في إصلاح شامل للمؤسسات و السلوك وأفق العمل و إستحضار قيم الوطنية و المواطنة كموجه للفاعلين في الوطن في إتجاه المستقبل.
لازالت لدينا فرصة لإرجاع الأمور الى توازنها قبل أن نسقط في الفوضى الخلاقة .

Loading...