مراكش: “الصحراء المغربية بين الواقع و تحديات المستقبل”

●مراسلة من مراكش :
المغربية المستقلة : الحسين اولودي
في إطار الأنشطة التي دأبت الهيئة المغربية للوحدة الترابية تنظيمها على الصعيد الوطني وتعزيزا منها لمفهوم المواطنة والانتماء وتحت شعار : و” المغرب في صحراءه والصحراء في مغربها ” نظمت الهيئة المغربية للوحدة الوطنية ندوة فكرية بعنوان ” “الصحراء المغربية بين الواقع وتحديات المستقبل ” بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين من بينهم الأستاذ الباحث الحسن لحويدك: رئيس جمعية الوحدة الترابية ومندوب الهيئة المغربية للوحدة الوطنية بجهة الداخلة وادي، وذلك يومه الأحد 04من فبراير الجاري بقاعة المؤتمرات التابعة لمجلس جماعة مراكش وهذا نص المداخلة التي ألقاها:

“الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
السيدات والسادة الحضور الكريم
يشكل موضوع “الصحراء المغربية بين الواقع وتحديات المستقبل” محور هذه الندوة الوطنية الفكرية التي تنظمها الهيئة المغربية للوحدة الوطنية، المنعقدة بقاعة المجلس الجماعي للمنارة بمدينة مراكش الحمراء المجاهدة، أهمية بالغة في هذه المرحلة الدقيقة التي تتطلب حشد المزيد من التعبئة الشاملة، لصيانة الوحدة الترابية، على ضوء تحديات السياقات الآنية المطروحة على المستويين الداخلي والخارجي.
وعلى هذا الأساس، واعتبارا لامتدادي إلى الجذور الصحراوية، واهتمامي وطنيا ودوليا بالبحث بشؤون قضايا الملف المفتعل لنزاع الصحراء المغربية، علاوة على كوني أيضا اشتغل كفاعل مدني بجهة الداخلة وادي الذهب، سأركز في مداخلتي هاته على الدور الأساسي الذي يمكن أن يقوم به المجتمع المدني، في مسألة تدبير ومعالجة هذه القضية المصيرية، في ظل المعطيات والمستجدات الراهنة، والتي تتزامن عادة مع تقديم الأمين للأمم المتحده تقريره لمجلس الأمن شهر أبريل من كل سنة، كما دأب على ذلك منذ وقف إطلاق النار سنة 1991،نعم في كل عام تلجأ البوليساريو بتحريض من صنيعتها الجزائر، إلى خلق ادعاءات والقيام باستفزازات، وهو السياق الآني الذي يتضح في منطقة الكركرات، من أجل الضغط بهدف التأثير على التقرير، وكذا بسبب فقدان الانفصاليين ومعهم حكام الجزائر اعصابهم، نتيجه الإنجاز التاريخي الذي حققه المغرب بعودته إلى منظمته بالاتحاد الأفريقي، وإبرامه مجموعة من الاتفاقيات الاستثمارية مع العديد من الدول الأفريقية في إطار معاملة رابح-رابح.
وكتذكير مقتضب” لكرونولوجيا” مسار ملف القضية الوطنية المفتعلة، مرورا بكل التطورات والمجريات، يتبين جليا انه بالرغم أن الجزائر ليست طرفا قانونيا في نزاع الصحراء المغربية، فهي تتموقع كطرف سياسي، سهرت على صنع جبهة البوليساريو الانفصالية، بغية خلق عدو خارجي لتكميم الأفواه المعارضة الجزائرية، وذلك بإيعاز من المؤسسة العسكرية، ودعمتها سياسيا وماديا، ومولتها بالعتاد والسلاح، مسخرة بذلك عائدات النفط والغاز الطبيعي للشعب الجزائري، لمعاكسة المغرب في وحدته الترابية، وهو الأمر الذي نهجهته حتى مع شعب الجزائر في نسف العملية الانتخابية في بداية التسعينات، مما أدى إلى نشوب الحرب الأهلية.
وعلى المستوى الإقليمي، فقد عطلت بناء الاتحاد المغاربي، بل جعلته بؤرة للتوتر وللأطماع الخارجية. ومن هذا المنطلق، يمضي حكام الجزائر في المساندة المطلقة للبوليساريو بهدف تكريس نظامي التجزئة والتقسيم،وجعل الفضاء المغاربي يعيش على إيقاع التمزق والتشرذم ،و كذا من أجل شل الحركة التنموية المميزة للمغرب كرائد على المستوى القاري، حتى يتسنى لها استقلال الصحراء عن المغرب،ولو كان ضدا على إرادة سكانها، لتتحكم من بعد في تحقيق هدفها الإستراتيجي بالانفتاح على المحيط الأطلسي.
والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه بالرغم من كل هذه العراقيل، فقد واصل المغرب صد كل هذه المناورات سواء على الصعيدين الميداني أو الأممي، من خلال الحسم في تشييد الجدار الأمني، وهو الدافع الذي أدى إلى رضوخ الجزائر و البوليساريو على قبول مخطط السلام الأممي في سنة 1991 بإجراء الاستفتاء ،إلا أن هذه العملية تم نسفها مما جعل الأمم المتحدة سنة 2002 تقر باستحالة إجراء الاستفتاء، نظرا للخطط المبيتة التى مارسها الانفصاليون بدافع من الجزائر في عملية تحديد الهوية. بعد ذلك تقترح الأمم الأمم المتحدة على الأطراف التفاوض، بشأن حل سياسي مقبول ومتوافق عليه.
وفي هذا الإطار، تقدم المغرب بمقترح مشروع الحكم الذاتى، تحت سيادة المملكة المغربية، طرح لقي استحسانا وتجاوبا من طرف المنتظم الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن نفسه، ولازال المغرب متشبتا به، لأنه يشكل الحل الأنسب لهذا المشكل الذي عمر طوبلا، رغم مواصلة الخصوم على تهريب النقاش حول هذه المبادرة الجادة والمقدامة لطي النزاع المفتعل، إلى مواضيع جانبية كالثروات الطبيعية وملف حقوق الإنسان.
وبعد هذا السرد الموجز لمسار ملف الصحراء المغربية وتطوراته، واصل المغرب تمسكه بالحكمة والتبصر، في انتظار أن يعطي النقاش الدائر حول الحكم الذاتي أكله، حيث تمت المصادقة على دستور 2011 كمرحلة جديدة من البناء الديمقراطي ، كرست للجهوية المتقدمة في جهات الصحراء، بهدف إعطاء دينامية جديدة للتنمية الجهوية، وترسيخ الديمقراطية المحلية، وإرساء سياسة القرب، وهو ما تم في الانتخابات الجماعية والجهوية في سنة 2015، وما تجسد أيضا من خلال إعطاء الانطلاقة الفعلية للنموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية.
ورجوعا إلى وموضوع الندوة الذي يتمحور حول واقع وتحديات ملف الصحراء، والدور الذي بإمكان المجتمع المدني ان يقوم به صيانة وخدمة للقضية الوطنية، اعتبارا للمكانة التي أضحى يحظى بها دستوريا، والتي جعلت منه قوة اقتراحية في ممارسة دوره في مواكبة السياسيات العمومية رسميا ومؤسساتيا على جميع المستويات والمجالات، تكمن مسؤولية المجتمع المدني الجسيمة، في ضرورة المشاركة وواجب المساندة في تدبير ملف الصحراء المغرببة في إطار الدبلوماسية الموازنة، لما تشكله من تأثير فعال على صناع القرار، على المستويين السياسي والاقتصادي، بالنسبة للقوى العالمية والمنتظم الدولي بصفة عامة .
وفي هذا السياق، لا بد من تعزيز الجبهة الداخلية عبر كل الآليات المتاحة من أجل تحقيق السبل، لتوسيع وإشراك وحشد المساندين على المستوى الدولي لقضية وحدتنا الترابية .
السيدات والسادة الحضور الكريم.
تفعيل دور المجتمع المدني في الدفاع والتعريف بعدالة قضيتنا الوطنية الأولى، يتطلب دراية بخلفيات وحقائق هذا الخلاف الإقليمي المصطنع، وذلك من أجل إفشال مناورات ومواجهة الادعاءات المغرضة لأعداء وحدتنا الترابية، وفي مقدمتهم حكام الجزائر الذين يتحملون المسؤولية السياسية المباشرة في افتعال هذا النزاع، كما تطرقت لذلك آنفا، وعلى هذا الأساس، فالدعوة ملحة إلى تطوير آليات الاشتعال، بدءا بضرورة الإلمام بمعطيات الملف من كل جوانبه، للتمكن من الترافع والدفاع عن القضية في الملتقيات والمحافل الدولية، استنادا على معلومات دقيقة.

معشر الحضور الكريم.
بفضل الدبلوماسية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، شكلت عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي بالاتحاد الأفريقي حدثا تاريخيا متميزا، الرهان الذي يتطلب منا كمجتمع مدني، مواكبة هذا الإنجاز الملكي الكبير، عبر ربط الجسور وتوطيد آواصر عمق العلاقات المغربية الأفريقية، من أجل تكريس أهمية التعاون جنوب_جنوب، في كل المجالات في إطار معادلة رابح_رابح، ولن يتأتى ذلك إلا بمبادرات نوعية قصد الارتقاء بالعلاقات البينية بين الفاعلين المدنيين المغاربة، ونظرائهم في القارة الأفريقية، وهو ما من شأنه خدمة المصالح المشتركة في إطار المصير المشترك، الذي يعزز النهضة الشاملة، وتحقيق التنمية المستديمة لكل أقطار أفريقيا.
وفي هذا الصدد، لابد من التأكيد على الدور المركزي لعملية تكوين الفاعلين، في شتى المجالات وعلى مختلف جميع الاصعدة، بهدف إنجاز خطة عمل تنبني على دراسات وأبحاث تخص مبادئ التعاون جنوب_جنوب، وهو الأمر الذي سيساهم بصفة فعلية في تسهيل التواصل مع الشعوب الأفريقية، ويبوأ بلادنا إشعاعا ومكانة متميزة في الأوساط الشعبية بالقارة، مع مختلف اطياف الفعاليات والهيآت السياسية والمدنية والحقوقية والنقابية والثقافية والإعلامية، وهذه مداخل أساسية لخدمة والتعريف بعدالة قضيتنا.
أيها الحضور الكربم.
ننتهز مناسبة انعقاد هذه الندوة الوطنية الفكرية لتسليط الضوء، على معاناة إخوتنا بمخيمات تندوف، من أجل رفع الحصار عنهم، وفتح الحدود أمامهم بالعودة إلى وطنهم الأم.
وعبر هذا المنبر، ندعو الأمم المتحدة إلى التسريع بإحصائهم، وتمتيعهم بحقوقهم المشروعة، وفق المعايير الدولية في هذا الشأن. كما نندد بكل أشكال انتهاكات الكرامة، وحقوق الإنسان التي يعانيها المحتجزون، آملين على الحل النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل الذي طال امده، لنعمل سويا من أجل بناء المغرب الواحد الموحد، واتحاد مغاربي مندمج، وأفريقيا متماسكة ومتضامنة وقوية… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Loading...