استحضار ذكرى 11 يناير لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

المغربية المستقلة :
كتاب رأي : بقلم الحسن لحويدك رئيس جمعية الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب

يخلد الشعب المغربي في 11 يناير من كل سنة ذكرى تقديم وثيقة المطالة بالاستقلالة، وهي حدث عظيم ومحطة كبرى في مسار الكفاح الوطني اعتبارا لرمزيتها ودلالاتها في قلوب المغاربة لما شكلته من تحول حاسم في سجل الحركة الوطنية ورموزها، صيانة للوحدة الترابية والسيادة الوطنية من أجل تحقيق الحرية والاستقلال من قبضة القوات الاستعمارية٠
ومن هذا المنطلق يتضح جليا في أسباب ودوافع تقديم أقطاب الحركة الوطنية الباسلة لوثيقة المطالبة بالاستقلال، لتواكب بذلك المقاومة المسلحة التي كانت تعم كل أرجاء المغرب، بل سيتجسد من خلال هذه الوثيقة المقدامة بأن هناك نخبة سياسية ووطنية نضجت ووعت في إطار من الالتحام بين العرش والشعب دفاعا عن الثوابت والمكتسبات المتمثلة في المقدسات الدينية والتاريخية والحضارية للأمة المغربية٠وفي هذا السياق وبتوجيه وتخطيط وتنسيق مع جلالة الملك المغفور له محمد الخامس طيب الله تراه وثلة من نساء ورجال الحركة الوطنية، تم في 11 يناير 1944 تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال الى المقيم العام ممثل الإدارة الاستعمارية في المملكة، كما قدمت نظائر منها الى الممثلين الدبلوماسيين لكل من المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الامريكية، وإرسال نظيرا منها الى الاتحاد السوفياتي أنداك٠
والجدير بالذكر في هذا الصدد، أنه بمجرد تسلم ومباركة جلالة الملك المغفور له محمد الخامس للوثيقة بصفته رمزا لسيادة الامة المغربية، واستنادا على روابط البيعة والتعلق بأهداب العرش العلوي المجيد، بادر رحمه الله على وجه السرعة الى تفعيل أهدافها ومضامينها الوطنية العميقة، عبر عقد العديد من التنسيقات والمشاورات مع كل الفعاليات الوطنية. فأخدت ترد على القصر الملكي رسائل التأييد والمساندة من كل فئات ومكونات الشعب من كل أنحاء المغرب، الأمـر الذي أكسب لهذه الوثيقة ثورة مجتمعية وطنية عارمة بكل الدلالات والمقاييس بين العرش والشعب، وجعلها تحظى بالانبهار، عكست الوحدة الوطنية المغربية الواثقة بعدالة قضيتهم في تحرير الوطن، والإقدام المتين على جعل هذه الوثيقة وثيقة الإجماع الوطني للأمة المغربية، فاندلعت الانتفاضة وأصبح الكل يردد بعفوية “الاستقلال، الاستقلال” مما دفع بالقوات الاستعمارية الى تصفية واعتقالات بعض أقطاب الحركة الوطنية وممارسة كل أعمال القمع والتنكيل ضدهم٠
وكان من النتائج والمكاسب التي حققتها الوثيقة هي الرحلة التاريخية الخالدة لجلالة المغفور له محمد الخامس لمدينة طنجة عام 1947وإعلان جلالته عن حق الشعب المغربي في الحرية والاستقلال، لتليها في غشت 1953 اندلاع الثورة الوطنية، وهو ما بوأ لهذه الوثيقة إشعاعا دوليا ومرجعية أساسية للشعوب المستعمرة في كل بقاع العالم٠
ويحق لنا كمغاربة أن نعتز بدروس وعبر هذه الذكرى المجيدة لأنها مفخرة للأجيال الصاعدة واللاحقة، مستحضرين معانيها التاريخية العميقة، معترفين لمن صنعوا المجد في سبيل صون هذا الوطن، الذين ضحوا بأرواحهم وقدموا الغالي والنفيس نصرة وعزة للأمة المغربية، مشيدين ببطولاتهم وبالقيم النبيلة التي دافعوا من أجلها، ومن تم التزود واستلهام مبادئ الوثيقة لتكون مرجعا يقتضى به في مسيرات المغرب الحاضرة والمستقبلية، وذلك لصد مناورات واستفزازات كل من سولت له نفسه التربص والتآمر على الوحدة الترابية والوطنية للأمة المغربية الضاربة جدورها في أعماق التاريخ، وبأن المغاربة معروفون ومشهود لهم بتضامنهم المستميت وصمودهم الدائم وتعبئتهم الشاملة في كل وقت وحين دفاعا عن المكتسبات والثوابت، وتكريسهم للتوجه الديمقراطي من أجل البناء المؤسساتي الفعلي في إطار دولة الحق والقانون، وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة كما هي متواصلة اليوم في العهد الجديد لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي ما فتئ مند توليه العرش، يسخر كل طاقاته وطنيا ودوليا من أجل تقدم وازدهار وإشعاع المغرب ليواكب تحديات ورهانات العصر٠
إذن فذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يصح القول فيها كما قال فيها المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني “سيبقى يوم 11 يناير 1944 من الأيام الغر البارزة في تاريخنا المجيد الذي يحق لكل مغربي في الحاضر والمستقبل أن يفتخر بها عن جدارة” وقال فيها أيضا رحمه الله “ذكرى ستبقى من أجل معالم تاريخنا التي تنير الطريق وتربي الأجيال والتي يجب أن يسير على سننها كل مواطن مخلص لبلده ولمقدساتة”٠
وارتباطا بسياق هذا الحدث الوطني الهام، فإذا كان المغرب قد حقق العديد من المكتسبات والإنجازات، منذ استقلاله الى اليوم، فإن انتظاراته كبيرة وتحدياته الآنية والمستقبلية كثيرة، تقتضي تقييم ما أبرزته تراكمات التجربة، لتحصينها عبر ترسيخ قيم الإحساس بالمصلحة العليا للوطن، في إطار من التعبئة الشاملة للدفاع عن المكتسبات والثوابت بروح وطنية عالية، من أجل صيانة الوحدة الترابية والوطنية قصد مواصلة الإصلاح الشمولي في ظل هذا الاستقرار المميز الذي تنعم به بلادنا٠

Loading...