المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائتين وثلاثة
من أحداث السنة الثالثة
*غزوة حمراء الأسد2*
سار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، ـ على بعد ثمانية أميال من المدينة ـ ، فعسكروا هناك..
وأقام فيها ثلاثة أيام..
فلم يتشجع المشركون على لقائه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بإشعال النيران، فكانوا يشعلون في وقت واحد خمسمائة نار، ـ وذلك من قبيل الحرب النفسية على العدو ـ ..
وهناك أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه ـ ولم يكن أبو سفيان يعلم بإسلامه ـ،
فأدركه بالروحاء ـ على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة ـ فخذله، ونصحه بالعودة إلى مكة على عجل، فثنى ذلك أبو سفيان ومن معه ..
غير أن أبا سفيان حاول أن يغطي انسحابه هذا بشن حرب نفسية دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة..
فقد مر به رَكْب من عبد القيس يريد المدينة، فقال: هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟
قالوا: نعم .
قال: فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكَرَّة(الرجعة)، لنستأصله ونستأصل أصحابه .
فمر هذا الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان ..
فقال صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون:
*حسبنا الله ونعم الوكيل ..*
واستمر المسلمون في معسكرهم. وآثرت قريش السلامة فرجعوا إلى مكة ..
عاد المسلمون بعد ذلك إلى المدينة بروح قوية متوثبة، مسحت ما حدث في أحد..
فدخلوا المدينة أعزة رفيعي الجانب، قد أفسدوا انتصار المشركين، وأحبطوا شماتة المنافقين واليهود ..
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قول الله تعالى:
{ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائتين وأربعة
من أحداث السنة الثالثة
*زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضى الله عنها – بأمر الله تبارك وتعالى1*.
مع استمرار حركة السرايا والغزوات، وبناء الدولة، وبسط هيبتها في الجزيرة العربية، كانت حركة البناء التشريعي والاجتماعي للأمة الإسلامية تتكامل..
فنظام التبني يهدم..
والحجاب يفرض..
وأدب الولائم يقرر..
وضرورة الالتزام بطاعة الله ورسوله يؤكد على وجوبها..
وتحارب الأعراف التي تعارض شرع الله تعالى .
ومن هذه الأحكام زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها..
*فمن هي زينب؟*
هي بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الأسدية، أخت عبد الله بن جحش..
وكانت عند زيد بن حارثة رضي الله عنه قبل أن يتزوجها رسول الله..
وزيد كان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم أهدته إليه السيدة خديجة رضي الله عنها..
وكان يدعى زَيْدَ بن مُحَمَّدٍ، حيث كان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينسب إليه..
*وأراد رسول الله أن يحطم الفوارق الطبقية في الأمة ..*
فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج زيدًا من شريفة بني أسد، وهي ابنة عمته زينب بنت جحش – رضي الله عنها -، ليبطل تلك الفوارق الطبقية بنفسه في أسرته..
وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل واقعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتتخذ منه الأمة المسلمة أسوة وقدوة، وتسير البشرية على هداه في هذا الطريق.
*وأيضا لعلَّ من الحكمة في هذا الزواج أنه كان مقدمة لتشريع آخر لا يقل أهمية في حفظ توازن المجتمع وحماية الأسرة.. ـ وهو تحريم التبني ـ*
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطب لفتاه زيد بن حارثة رضي الله عنه فدخل على زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها فخطبها..
فقالت: لست بناكحته
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بلى فانكحيه».
قالت: يا رسول الله أؤامر في نفسي؟
فبينما هما يتحادثان أنزل الله – تعالى -هذه الآية:
(وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلاَ مُؤمِنَةٍ, إذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم) .
فقالت: يا رسول الله قد رضيتَه لي زوجًا؟
قال: «نعم».
قالت: لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد زوجته نفسي ـ وكانت من القوامات بأمر الله ورسوله..يتبع
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
__________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائتين وخمسة
من أحداث السنة الثالثة
*زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضى الله عنها – بأمر الله تبارك وتعالى2*
شاءت حكمة الله تعالى أن لا يتوافق زيدٌ وزينبُ في زواجهما..
وأصبحت حياة الزوجين لا تطاق..
وصمم زيد على فراق زوجه زينب..
وكان قبل ذلك يشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم استطاعته البقاء مع زينب، ورسول الله يأمره بإمساك زوجه مع تقوى الله في شأنها..
حتى أذن الله بالطلاق فطلقها زيد..
وانفصمت العلاقة بينهما بعد أن قضى زيد وطره، وبعد أن مكث معها ما يقرب من سنة.
قال ابن كثير: فمكثت عنده قريبًا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما (يعني الخلاف) فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «أمسك عليك زوجك واتقِ الله»
ولم يبقَ لزيد رغبة في إبقاء العلاقة الزوجية معها..
*لأنه كان كريم النفس لا يريد أن يبني سعادته وراحته على شقاء الآخرين وتعاستهم والإضرار بهم*
ولأنها كانت تعيش في قلق واضطراب..
وانتهى زواج زيد بن حارثة – رضي الله عنه – بزينب بنت جحش على هذا الوضع دون أي تدخل خارجي بينهما..
ووقع ذلك الطلاق بمحض اختياره وإرادته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهاه عن ذلك، ويأمره بتقوى الله وإمساك زوجته..
وكانت قاعدة التبني متأصلة في نفوس العرب، وليس من السهل محوها..
فكأن الله – عز وجل – أراد حدوث شيء عملي يمحو هذا تمامًا من نفوسهم..
فكان زواج رسول الله من زينب
( لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى المُؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزوَاجِ أَدعِيَائِهِم إذا قَضَوا مِنهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمرُ اللهِ مَفعُولاً) .
*وقصة الزواج:*
أنه لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد:
اذهب فاذكرها عليَّ.
فانطلق قال: فلما رأيتها عظمت في صدري
فقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك.
قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي.
فقامت إلى مسجدها..
ونزل القرآن.. ( فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ) رواه مسلم.
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها بغير إذن.. لتزويج الله إياها له..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸__________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائتين وستة
من أحداث السنة الثالثة
*وليمة عُرس زينب رضى الله عنها:*
ـ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عَلَى امرأة – أو على شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ – مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ فإنه ذبح شَاةً.
متفق عليه
ـ وفي لفظ لمسلم: مَا أَوْلَمَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أكثر أو أفضل ممَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.
ـ وعَنْ أَنَسِ أيضًا قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ – زينب – رضى الله عنها –
قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا[هو التمر والسمن والأقط يخلط ويُعجن، والأقط الجبن الجاف ].
فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ[إناء من نحاس].
فَقَالَتْ: يَاأَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ: “ضَعْهُ”.
ثُمَّ قَالَ: “اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ”.
وَسَمَّى رِجَالًا.
قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ.
وقيل لِأَنَسٍ: عَدَدَكَمْ كَانُوا؟
قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ.
وَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : “يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ”.
قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ”.
قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا.
قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ.
فَقَالَ لِي: “يَا أَنَسُ ارْفَعْ”.
قَالَ: فَرَفَعْتُ فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ.
متفق عليه
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸