المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وواحد وتسعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*2ـ مخالفة بعض الرماة أوامر قائدهم*
بعد أن فر المشركون من ضربات المسلمين.. ظن المسلمون أن المعركة قد انتهت.. وأسبل الستار على مسرحها..
فقاموا يجمعون الغنائم.. ويلملمون الأسلحة.. ويغادرون الأماكن.. وكان على رأسهم بعض الرماة من على جبل (عينين)
قال أصحاب عبد الله بن جبير وهم الرماة الذين أمرهم النبي ﷺ بالبقاء بمكانهم:
«الغنيمة» أي قوم قد غَلب أصحابكم، فما تنتظرون؟
ومعنى ذلك: أن الرماة طمعوا في الغنيمة ناسين أمر القائد العام وهو رسول الله فإنه أمرهم بالثبات في مراكزهم إذ قال لهم:
*إنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم،*
*(إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا)* رواه البخاري (4043).
وفي رواية:
*(إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)*. سنن أبي داود.
فقال لهم قائدهم عبد الله بن جبير:
أنسيتم ما قال لكم رسول الله ﷺ. رواه البخاري ..
يعني قوله: لا تبرحوا، فأبوا أن يطيعوه.
وقالوا: والله لنأتين الناس ولنصيبن من الغنيمة فإن المشركين قد انهزموا فما مقامنا ها هنا؟
وقد ظن هؤلاء أن الحرب قد انتهت وأن قريشا قد هُزمت وقد ثبت عبد الله بن جبير في مكانه وثبت معه دون العشرة.
.. فلما توجه الرماة إلى محل الغنيمة، كرّ المشركون راجعين، ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل الذي كان فيه الرماة وقلة أهله التف بالخيل من وراء الجبل وتبعه عكرمة بن أبي جهل..
فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم
وقتلوا أميرهم عبد الله بن جبير ومثلوا به..
وبدأ الخلل .. واستشرى القتل في المسلمين، وعمت الفوضى.. ووقع الاختلاط في جيش المسلمين وارتبكوا، وصار يضرب بعضهم بعضا.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
___________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة واثنان وتسعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*3ـ جراحات الحبيب المصطفى*
ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، ولم يفارق مكانه الذي وصل إليه وقت انهزام المشركين، ولم تزلَّ قدمه شبرا واحدا عن موقفه، مع أن الاختلاط كان شديدا حتى فقد المسلمون التمييز بينهم وبين أعدائهم..
ومما زاد في ارتباك المسلمين أن رجلا اسمه ابنُ قمئة الليثي قتل مصعب بن عمير وكان يشبه النبي ﷺ إذا لبس لَأمَته..
فظن أنه قَتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذاع ذلك..ـ وكان مصعب يدافع عن رسول الله ـ
يذكر الزبير بن العوام خبر الفاجعة كما رواه ابن اسحاق فيقول:
لما خالفت الرماة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون الأمتعة، أتتنا الخيلُ فحطمتنا، وكرَّ الناس منهزمين..
فصرخ صارخ يَرَوْنَ أنّه الشيطان:
ألا إنَّ محمَّدًا قد قُتل..
♢ ومما أثبت للناس خبر مقتله عليه الصلاة والسلام:
ـ تعثر الدابة به ووقوعه .
ـ إغماؤه عليه الصلاة والسلام.
ـ كثرة الجراحات التي نزلت به..
ـ سيلان الدم من جسده الشريف..
فقد وصل العدو إلى رسول الله وأصابته حجارتهم حتى وقع وأُغمي عليه وخدشت ركبتاه..
فأخذ عليّ بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما..
وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وشُج في وجهه، وكلمت شفته السفلى، وكُسرت الخوذة على رأسه..
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصوات المسلمين الخائفة وتخبطهم أراد أن يطمئنهم ويعيدهم للأمل..
فقام ليعلو الصخرة التي في الشعب، فلما ذهب لينهض لم يستطع لأنه ضَعُف لكثرة ما خرج من دم رأسه الشريف، ووجهه مع كونه عليه درعان،
فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها..
فرآه الناس بجراحاته حيا .. فطابت حياتهم
ثم إنه عطش ﷺ عطشا شديدا..
فخرج محمد بن مسلمة رضي الله عنه يطلب له ماء فلم يجد، فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب، فشرب رسول الله ﷺ ودعا له بخير.
وفي بعض الروايات: أن نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت رسول الله..
فلما لقيت رسول الله اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعليّ رضي الله عنه يسكب الماء فتزايد الدم …
فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير مصنوع من البردى فأحرقته بالنار حتى صار رمادا، فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم..
فتعمقت جراحات المسلمين في هذه المعركة…
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
__________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وثلاثة وتسعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*4ـ انهزامات في المعركة*
لما انكشف أمر المعركة في أحد واختلط الأمر على الناس ، انقسموا لفئات:
أما المنافقون:
فقال أحدهم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا.
وقال بعض منهم: لو كان نبيا ما قُتل فارجعوا إلى دينكم الأول، وفي ذلك أنزل الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ}.
وقال رجل منهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أُبي ليستأمن لنا من أبي سفيان..
يا قوم إن محمدا قد قُتل فارجعوا إلى قومكم ليؤمنوكم قبل أن يأتيكم الكفار فيقتلوكم فإنهم يدخلون البيوت.
*وأما المسلمون: فانقسموا إلى ثلاث فئات:*
1ـ فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فما رجعوا حتى انفض القتال، وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}.
2ـ وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن النبي ﷺ قد قُتل، فصارت غاية الواحد منهم أن يدافع عن نفسه أو يواصل القتال إلى أن يُقتل وهم أكثر الصحابة.
3ـ وفرقة ثبتت مع النبي ﷺ.
وعنها سيكون لقاء الفداء القادم…👈🏼
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
___________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وأربعة وتسعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*5ـ الثابتون في القتال:*
*أشجع العالمين صلى الله عليه وسلم:*
❍ قال ابن سعد رحمه الله: ما زال رسول الله ﷺ يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر،
وكان أقرب الناس إلى القوم، وهذا ما يؤيد أنه ﷺ كان أشجعهم وأثبتهم..
وما زال النبي ﷺ يرمي عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها – والسية ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر -، وفي رواية: حتى تقطع الوتر وبقي في يده قطعة قدر شبر.
*وممن ثبت أنس بن النضر:*
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ .
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنْ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ…
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ ـ يَعْنِي أَصْحَابَهُ ـ
وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ ـ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ ـ
ثُمَّ تَقَدَّمَ..
فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ..
فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ: الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ ..
قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ..
قَالَ أَنَسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ..
وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ.
قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ { مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } .
*ـ ومنهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:*
❍ وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
“لَمَّا جال الناسُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الجولة يوم أحد، تنحيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمَّا أن أستشهد، وإما أن أنجوَ حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبينا أنا كذلك إذا برجل مُخَمِّرٍ وجهَه ما أدري مَن هو، فأقبل المشركون حتى قلت: قد ركبوه، ملأ يده من الحصى، ثم رمى به في وجوههم، فنكبوا على أعقابهم القهقرى، حتى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارًا..
ولا أدري مَن هو..
وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه، إذ قال المقداد: يا سعد، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فقلت: وأين هو؟
فأشار لي المقداد إليه..
فقمت ولكأنه لم يصبني شيء منَ الأذى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أين كنتَ اليوم يا سعد؟))،
فقلتُ: حيث رأيت رسول الله، فأجلسني أمامه، فجعلت أرمي، وأقول:
اللهم سهمك فارمِ به عدوك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم استجبْ لسعد، اللهم سدد لسعد رميته، إيه سعد، فداك أبي وأمي)).
فما من سهم أرمي به إلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم سدد رميته، وأجب دعوته).
قال الزُّهْري رحمه الله تعالى: “إنَّ السِّهام التي رمى بها سعد يومئذٍ، كانت ألف سهم”
رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
❍ ومنهم: أبو بكر الصديق. وعمر بن الخطاب. وعبد الرحمن بن عوف. وطلحة بن عبيد الله. والزبير بن العوام. وأبو عبيدة بن الجراح. وغيرهم..وكلهم سطروا له أعظم آيات الفداء…
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸