المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وتسعة وسبعون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*استعداد المسلمين لملاقاة المشركين2*
قرّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الخروج إلى أحد، وأخذ برأي أصحابه رضي الله عنهم.
وأخذ صلّى الله عليه وسلّم يقسّم جيشَه إلى ثلاث كتائب:
كتيبة المهاجرين، وأعطى لواءَها مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه ..
وكتيبة الأوس من الأنصار، وأعطى لواءَها أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ رضي الله عنه..
وكتيبة الخزرج، وأعطى لواءَها الحُبابَ بنَ المنذر رضي الله عنه ..
وتألّف الجيش من ألف مقاتل.. كان من أولهم :
❍ *حنظلة بن أبي عامر* رضي الله عنه. ذاك الذي كان حديث عهد بعرسه..
فقد روى مسلم عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عنْ رسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: ( مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ: رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ، يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ …)).
انصرف عن زوجه.. وتركها منكسرةَ الخاطر.. لا تدري أتلقاه بعد هذا اليوم أم لا ؟!
❍ *عمرو بن الجموح* رضي الله عنه: شيخٌ يحاصره أبناؤه الأربعة من جهة، والإعاقة من جهة أخرى.
فقد كان أعرجَ شديدَ العرج، وكان له أربعة من البنين مثل الأُسْدِ يشهدون المشاهد كلّها.
فسمع بخروج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أُحُدٍ، فأراد الخروج، ولكنّ أبناءه الأربعة قالوا له:
قد جعل الله لك رخصة، فلو قعدت فنحن نكفيك، فقد وضع الله عنك الجهاد.
فأتى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وقال له:
يا رسول الله، إنّ بَنِيَّ هؤلاء يريدون أن يحبِسُوني ! ووالله إنّي لأرجو أن أستشهد معك، فأطأ بعرجتي هذه في الجنّة. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ عَنْكَ الجِهَادَ )).
وقال لبنيه: (( وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ ؟ لَعَلَّ اللهَ عزّ وجلّ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ )).
فهو يحلم أن يسير في الجنّة بتلكم الرِّجل العرجاء، فتلامسُ تربتَها الطيّبة، وتخوض في مياهها العذبة.
ولكنّه سأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سؤالا كان جوابه برداً وسلاماً على قلبه ..
ففي مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ، أَمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ ؟
وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( نَعَمْ ))..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*استعداد صغار الصّحابة لملاقاة المشركين3*
في مكان يقال له “الشِّيخَانِ ” استعرض النبي صلّى الله عليه وسلّم جيشَه .
فإذا ببعض الصّحابة يُخفي نفسه لئلاّ يراه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيردّه ! إنهم صغار الصحابة..
♢ فردّ صلّى الله عليه وسلّم من استصغره..
وكان منهم أسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وسعد بن حبّة ..
أمّا عبد الله بن عمر رضي الله عنه والبراء بن عازب فما كان يطنّان أنّهما سيُردّان، فقد رُدّا في بدر لصغرهما .. فقد مرّ معنا حديث البخاري عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: “اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ “.
واليوم لا شكّ أنّه لن يردّهما ..
♢ أمّا البراء بن عازب رضي الله عنه فأجازه.. وأمّا ابن عمر رضي الله عنه فلم يُجِزه.
روى البخاري ومسلم – واللّفظ لمسلم – عن نافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ:
عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّه صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي “..
فرجع مكسور الخاطر حزينا ..وتلاشى مرّة أخرى حلم ابن عمر رضي الله عنه بأن يخطُوَ خطوات في درب البطولة والشّهادة.
ً♢ وبقي رافع بن خديج وسمرة بن جندب رضي الله عنهما:
فتأمّلهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فردّهما..
ولكنّ الصّحابة رضي الله عنهم أخبروا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رافعا ماهر بالرّماية، فأجازه.
♢وهنا قام سمرة بن جندب رضي الله عنه، وقال: أَنَا أَقْوَى مِنْ رَافِعٍ ! فأمرهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتصارعا، فصرع سمرة رافعا، فأجازه معه.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
__________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وواحد وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*انسحاب المنافقين من جيش المسلمين*
سار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلاً بأصحابه رضي الله عنهم، حتّى بلغ مكاناً يقال له ” الشَّوط “..
حيث أدركهم الفجر، فصلّى بهم.
ومع بزوغ الفجر بزغ صفّ العدوّ، فصار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يراهم من بعيد، ويرونَه هم كذلك .. وكانت المفاجئة الأولى :
وهي أن طائفة خرجت من صفوف المسلمين تريد الرجوع إلى المدينة، ولا تريد قتالًا.. إنها فئة عبد الله بن أبيّ بن سلول، رأس النّفاق والمنافقين ..
فقد انسحب بثلث الجيش – ثلاثمائة مقاتل -، غشي قلوبهم الرّعب حين رأوا عدد وعُدّة المشركين !
لقد قال لمن معه من المنافقين:
” ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟!”.
وحين سأله المؤمنون عن ذلك أظهر لهم خلاف ما في قلبه، واحتجّ بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ترك رأيَه وأطاع رأيَ غيره !
👈🏼إنّه أراد في مثل ذلك الموقف العصيب أن يُحدِثَ البلبلة والاضطراب في صفوف المؤمنين، وعلى مرأى ومسمع من المشركين، وبذلك يكون قد ضرب عصافير عدّة بحجر واحد كما يقال:
1ـ – فيصاب المؤمنون بالفشل، وكاد الخبيث ينجح في ذلك؛
فقد كادت طائفتان أن تفشلا، طائفة من الأوس وهم بنو حارثة، وطائفة من الخزرج وهم بنو سلمة، ولكنّ الله تعالى تولاّهما بعنايته، فثّبت قلوبهم، وردّ عنهم كيد عدوّهم، وفي ذلك يقول تعالى:
{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
2- أن يشجّع الكافرين والمشركين على المسلمين؛ فإنّ المشركين حين رأوا ذلك، ازدادت حميّتهم، وتضاعف حماسهم، وأيقنوا أنّ المسلمين منهزمون لا محالة، فقد تقلّص عددهم من ألف إلى ما دون سبعمائة فقط ..
3- أن يبرهن ولاءه للمشركين، وأنّه معهم.
وهذا في الحقيقة ما أراد الله أن يفضحهم به، لذلك قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ★ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا }
4- أن يضمن حياته، فهم يعشقون الحياة كما يعشق المؤمنون الشّهادة.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
___________________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة واثنان وثمانون
من أحداث السنة الثالثة
غزوة أُحُدٍ..
*وضع الخطط واختيار المكان*
سار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ببقيّة الجيش إلى جبلِ أُحُدٍ ..
وبدأ يُعِدّ خطّة القتال دفاعا وهجوما، وفي ذلك يقول الله عزّ وجلّ:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
فاختار موقع المسلمين في المعركة : إذ صار ظهره صلّى الله عليه وسلّم حينَها إلى جبل أُحُد مستقبِلَ المدينة النّبويّة ..
وصار جيش العدوّ فاصلا بين المدينة والمسلمين ..
ثم قسم الجيش أربعة أقسام:
1ـ قلب الجيش، وعليه حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، ليقابل الْمُشاة من المشركين، الّذين كان عليهم صفوانُ بنُ أميّة وعمرو بن العاص.
2ـ الميمنة: وعليهم الْمنذِر بن عمرو رضي الله عنه، يسانده عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ليتصدَّوْا إلى فرسان المشركين الّذين كان يقودهم عكرمة بن أبي جهل.
3ـ الميسرة: وعليهم الزّبير بن العوّام رضي الله عنه، يسانده المقداد بن الأسود، ليتصدّوا إلى فرسان المشركين الآخرين الّذين كانوا تحت قيادة خالد بن الوليد.
4ـ لاحظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ ظهورَهم إلى جبل ( عينين )، فيمكن للمشركين لو التفّوا حول الجبل أن يصلوا إلى مؤخّرة الجيش، وبذلك يكونون فريسة سهلة للمشركين !
فانتدب فصيلةً من الرّمـاة المهـرة، قِوامُهم خمسون رجلا، وجعل عليهم عبد الله بنَ جبير بن النّعمان الأوسيّ الأنصاريّ، وأمرهم أن يصعدوا على جبل ( عينين ) فسُمِّي منذ ذلك اليوم ببجبل ( الرّمـاة )..
وكان مقرّهم يبعد عن مقرّ جيش المسلمين بخمسين ومائة متر.
وكان الهدف هو سدّ هذه الثّغرة الّتي يسهل للفرسان اختراقها.
روى البخاري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ:
جَعَلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ جُبَيْرٍ رضي الله عنه، فَقَالَ:
(( إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ! وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ))..
👈🏼ولقد كانت خطّة محكمة من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا يتوصّل إليها أحد إلاّ بتوفيق من الله عزّ وجلّ:
ـ فقد احتلّ أحسنَ المواقع، فجبلُ أحد خلف ظهره يحمي بارتفاعه.
ـ يمينه وما خلفه فلا يأتيه العدوّ إلاّ من أمامه أو يساره ..
ـ فحمى يساره بالرّمـاة، حتّى لا يتقدّم فرسان خالد ..
ـ حتّى لو قُدّرت عليهم الهزيمة، فإنّه سيلجأ إلى الجبل، ولا يُضطرّ إلى الفرار، ولن يقع أحدٌ في الأسر ..
ـ ولو قُدّر له النّصر، فإنّه سيكون قد منع المشركين من الفرار إلى الجبل..
وهكذا تم تعبئة الجيش..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸