سلسلة جلسات دينية يومية:  سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم: (جلسات: 161-162-163-164)

المغربية المستقلة:

 سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة: مائة وواحد وستون

من أحداث السنة الثانية

*من مشاهد بدر*
*شهداء بدر من المسلمين*

بعد أن أُسدل السّتار على أحداث المعركة الكبرى، توجّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى شهداء بدر، وكان عددهم ثمانية عشر شهيدا.

دفنهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بثيابهم ودمائهم، وبشّرهم وبشّر أمثالهم:

فقد روى البيهقي في السّنن الكبرى عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيهم:
(( أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ، لُفُّوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ جَرِيحٌ يُجْرَحُ فِي اللهِ إِلاَّ جَاءَ وَجُرْحُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ المِسْكِ ))..

*📍لو سُئلنا: ما سبب تسمية الشهيد شهيداً:*

للعلماء في ذلك أقوال شتى منها:

1. لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة.

2. لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.

3. لأنه يشْهَد (يرى) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.

4. لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.

5. لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته.وتشهد له بحسن الخاتمة.

6. لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.

7. لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.

8. لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل.

( انظر ابن عابدين / الدر المختار (1/848)، الخطيب الشربيني / مغني المحتاج (1/350).

والنووي / شرحه على صحيح مسلم (2/136) )
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

___________________________________________________

 سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة: مائة و اثنان ستون

من أحداث السنة الثانية

*من مشاهد بدر*
*توزيع الغنائم*

في قضية الغنائم كاد الاحتدام أن يعمل عمله في قلوب الصحابة لولا أن تداركهم وحي السماء..

روى أبو داود عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَوْمَ بَدْرٍ: (( مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ مِنْ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا )).
فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ، وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ:
كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ ! لَوْ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى.
فَأَبَى الْفِتْيَانُ، وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَنَا..

فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلى قولِهِ:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}

أي: كما أنّ خروجكم من بيوتكم وأنتم كارهون كان خيرا لكم ” فَكَذَلِكَ [أمرُ الأنفال] أَيْضًا، فَأَطِيعُونِي؛ فَإِنّي أَعْلَمُ بِعَاقِبَةِ هَذَا مِنْكُمْ ..

وكانت هذه الآيات بردا وسلاما على قلوبهم، فهدأت نفوسهم، وسكنت صدورهم..

وترك المجاهدون اجتهاداتهم لوحي السّماء، فليس مع النصّ اجتهاد، وسلّموا الأمر لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

ـ وأمر الله تعالى بالقسمة فقال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال:41].

*فقسّمها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خمسة أجزاء:*

– جزء لله وللرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا ملك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعل به ما يشاء.

– جزء لقرابة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فهم من حرّمت عليهم الصّدقة.

– جزء ليتامى المسلمين.

– جزء للمساكين والمُعوزين.

– جزء للمسافرين الّذين فقدوا أموالهم أو نفدت أموالهم وليس لديهم ما يسدّ حاجتهم أو ليرجعوا إلى ديارهم.

فسعد أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما آتاهم الله ورسوله
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

_________________________________________________

 سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة: مائة وثلاثة وستون

من أحداث السنة الثانية

*من مشاهد بدر*
*قضية الأسرى*

روى مسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال:

حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال:

“… لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ:
(( مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ؟))

ـ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه:
يَا نَبِيَّ اللهِ ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ.

فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ ))

ـ قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ..
فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ..
وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ..
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا.

👈🏼 فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ.

… فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ..

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ؟
فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا!؟

فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ – شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم -))

وَأَنْزَلَ اللهُ عزّ وجلّ:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}” [الأنفال].

بكى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبكى صاحبه من خشية الله تعالى، وتلا على أصحابه هذا العتاب ولم يُخفِه عليهم لأنّه وحي.

وحمل هذا العتاب معه كرامةً لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقد ضُمَّ هذا الموقف إلى جملة موافقاته.

*📍السؤال الهام: وهل أخطأ الحبيب في أمر الأسري؟*
الجواب: لا .. لأسباب:
ـ أنه لا يوجد نص صريح قبل الحادثة يحتكم فيه، بل في قضايا سابقة حكم بالعفو.
ـ أنه قام بما أمره الله تعالى، فعمل على الشورى.
ـ أنه حكم بحكم صفته الرحمة للعالمين، وأنه رسول الهدى.
ـ أنه عمل على المصلحة العامة للمسلمين ..فالفداء بالمال يرجع بالخير على أصحابه بخلاف القتل.
ـ وأيضًا: أن الله في نهاية القضية أبقاه على حكمه.. فبقي الفداء وأجاز له أخذه. ومن المحال أن يقرر الله لنبيه حكمًا خاطئا.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

__________________________________________________

سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم

الجلسة: مائة وأربعة وستون

من أحداث السنة الثانية

*من مشاهد بدر*
*فداء الأسرى*

سارعت قريش لفداء أسراها..

ـ فهذا جبير بن مطعم ـ أحد وجهاء قريش ـ جاء رسولا لفداء الأسرى من قريش، فرجع مأسورا بكلام الله لما سمعه ليلا من المسجد النبوي..

ـ وهذا أبو وداعة بن صبرة السّهمي، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

(( إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْناً تَاجِرًا كيِّسًا ذَا مَالٍ، كَأَنَّكُمْ قَدْ جَاءَكُمْ فِي فِدَاءِ أَبِيهِ )) [رواه الطّبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن الزّبير].

ـ وبعدها تتابع المشركون يَفدون أسراهم بأموالهم: أربعة آلاف درهم عن كلّ أسير.

ـ وكان من بين الأسرى أبو العاص بن وائل زوج السيدة زينب وقد فرّق الإسلام بينهما.. فأرسلت زينب قلادتها ـ وهي من أمها خديجة ـ فحن لها النبي وذرفت عيناه..

في حديث أبي داود عن عائشة رضي الله عنها:
لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ..
قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: (( إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا )) فَقَالُوا: نَعَمْ !..

فأطلقوا سراح أبي العاص..

❍ وأما من لا مال له.. ولا عشيرة ولا نصرة فقد أنزل الله بهم قرآنًا، رحمة بهم ..
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

روى أحمد والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:
كَانَ نَاسٌ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ.

فكان في المدينة نهضة علمية خرجت من أزمة حرب..

وانتهت المعركة بازدهار اقتصادي وسياسي وعسكري واستراتيجي وعلمي هام للمسلمين..

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸

Loading...