رحيل السياسي البارز عبد الرحمن اليوسفي خسارة للشعب المغربي …الوطنية الصادقة ، والاخلاق المثلى “التواضع والاستقامة وعفة اليد والترفع عن المشاحنات السياسية الفارغة”
المغربية المستقلة: جمال اكاديري كاتب وباحث
في بداية التسعينات و في السنة التي توفي فيها الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد سيعرف تاريخ الحزب الاشتراكي منعطفا آخرا . حينها كان على عبد الرحمن اليوسفي أن يقوم بمهمة صعبة :
– الإدارة اللبقة لتركة الزعيم وتنفيذ الوصايا التي تركها امانة في عنق المناضلين والتي تتضمن أساسا جميع الإصلاحات الدستورية والسياسية اللازمة لإخراج البلاد من الاحتقان و فتح أبواب الحوار التوافقي التي كان من الضروري العمل فيها.
لم يكن هناك احد غيره قادر على تولي زمام امور حزب بذاك الحجم وصاحب قاعدة شعبية كبيرة أي شخص يتحلى نسبيا بمواصفات سابقيه من الزعماء الذين اختفوا بفعل تعقيدات تاريخية و مصادمات سياسية دفعوا ثمنها اما بالنفي القسري أو بسنوات في السجون أو بالاغتيال فتم الإجماع عليه لتولي منصب الكاتب العام للحزب . الانتخابات المتوالية ستخرج صفة العناد التي كانت تلازمه سرا وسيغادر البلد فجأة بدون سابق إنذار احتجاجا على نتائج صناديق الاقتراع المزيفة ثم بضغط من حكماء الحزب القدامى سيضطر للعودة و المطالبة بمزيد من الإصلاحات الديموقراطية أعلى رأسها إصلاح ومراجعة بنود الدستور في الاتجاه الذي يضمن توازن السلط ثم المطالبة وكذلك بإعلان انتخابات مبكرة تعيد عقارب ساعة المنافسة إلى حلبة الاستحقاق .
– في سنة 1996 ستتحقق آمانيه ، ويأمر الملك الحسن الثاني بوضع نصً دستوري جديد يمنح صلاحيات أكبر للمؤسسة البرلمانية و لمنصب رئيس الوزراء
هذا القرار سيدفع الاحزاب الوطنية الكبرى المشاركة بشكل جماعي في الانتخابات التشريعية اواخر سنة 1997 د والتي سيحصد نتائجها الاتحاديون والفوز بأكثر المقاعد البرلمانية .
– صفحة في التاريخ السياسي المغربي ستطوى ، وسيدعو الملك ، زعيم المعارضة الاشتراكية آنذاك ، لتشكيل حكومة التناوب .
الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي ، الذي كافح دوما من أجل ارساء دعائم الديمقراطية ، سيحاول ان يحقق حلمه و يطعمه في قراراته بشكل أفضل ، وكل هذا في قلب مؤسسات دولة فتية لم تعتد ان يسيرها اشتراكي ذو تكوين قانوني
– إذن، بهذه الطريقة ، بعد مفاوضات مضنية ، عاد فكرة التناوب السياسي إلى المسار الصحيح والمطلوب . و نجحت فكرة تشكيل حكومة يتكون نصفها من وزراء الكتلة الوطنية ، تجمع أحزاب المعارضة وبعض الأطياف الأخرى .
– وتعهد بتقديم الحلول اللازمة لتنمية البلاد على الرغم من العقبات التي كانت تترصده ، على رأسها تنوع مكونات الخريطة السياسية و الخلافات الأيديولوجية التي تسكنها ، حاول أن يجلب نفسا جديدا من الانفتاح على كل المبادرات والأمل في مغرب سياسي سيكتشف وجوها جديدة سيغريها لتتصالح تدريجيا مع السياسة التي كانت تخيف أذهان شباب كانوا يتمثلونها في معاني سلبية متعلقة بالصراعات والقمع والاعتقالات .
سيعالج ملفات المغرب الكبرى ويقوده إلى خطوة شجاعة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان على الرغم من العلاقة المتوترة للغاية مع وزير الداخلية آنذاك إدريس البصري الذي كان حضوره مازال يثير الشكوك قبل أن يتم اعفاؤه نهائيا من طرف أعلى سلطة في البلاد.
الصحافة الدولية اطلقت عليه لقب السياسي الاشتراكي المحنك الذي ساعد في ضمان انتقال الملكية لعهد جديد .
– خصومه يشهدون له بانه كان رجلا ذو مبادئ لا تتزعزع وتواضع لا مثيل له ، لم يكن لديه حب شره للسلطة ، وكان معروفا عنه انه يتخلى عنها بسرعة بمجرد مايشم مكيدة ما من خلفها
قيل وكتب الكثير عن الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي لكن هناك شبه إجماع على أن الهاجس الرئيسي الذي حركه في تلك الفترة ( التي كان فيها اقتصاد المغرب مهددا بالسكتة القلبية ) هو استقرار نظام الدولة وإصلاح مؤسساتها و التحام المؤسسة الملكية بطموحات القوى الشعبية في بناء البلد وتنميته و ضمان السيادة و الوحدة الترابية للأراضي المغربية.