المغربية المستقلة:
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم*
الجلسة: مائة وتسعة وأربعون
من أحداث السنة الثانية
*غزوة بدر الكبرى*
*بناء العريش*
بعد أن استقر الحال بالمسلمين في بدر، واستعدوا لقتال عدوهم،
اقترح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقراً لقيادته، استعداداً للطوارئ، وتقديراً للهزيمة قبل النصر..
قال ابن إسحاق:
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال: يا نبي الله، ألا نبني لك عريشاً[العريش شبه الخيمة، يُستظل به] تكون فيه، ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا..
فإن أعزنا الله، وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا
وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا..
فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم..
يناصحونك، ويجاهدون معك..
*فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير..*
ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فكان فيه.
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر، وذكر دعاءه..
👈🏼 نعم.. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد الرجال، وينظم الصفوف، ويذكر بالله، واليوم الآخر..
ثم يعود إلى العريش الذي هيئ له، فيستغرق في الدعاء الخاشع، ويستغيث بإمداد الرحمن
روى مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال:
لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:
“اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض” .
فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه..
فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.
❍ وكان من حراس النبي في العريش أبو بكر وسعد بن معاذ ورجال من الأنصار..
روى البزار في مسنده من حديث علي رضي الله عنه أنه خطبهم فقال:
يا أيها الناس، من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين.
فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر!
إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟
فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.
وقال ابن إسحاق وغيره:
“وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه واقفاً على باب العريش، متقلداً بالسيف، ومعه رجال من الأنصار، يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً عليه من أن يدهمه العدو من المشركين..
والجنائب النجائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن احتاج إليها ركبها، ورجع إلى المدينة، كما أشار به سعد بن معاذ..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
_______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وخمسون
من أحداث السنة الثانية
*غزوة بدر الكبرى*
*الدعاء والالتجاء وبث الأمل*
لقد كان بناء عَرِيش للنبي صلى الله عليه وسلم، ـ وهي قبّة بأعمدة أشبه بالخيمة ـ الّتي تعدّ في الحروب والمسمّاة بـ”غرفة العمليّات”..
ولكنّه صلّى الله عليه وسلّم ليس كغيره من قادة الحروب .. إنّه يلتجئ فيها إلى ربّه عزّ وجلّ، ويخطّط للحرب بما يفتح الله له.
جاء في صحيح مسلم عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال
– وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ -:
(( اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ ! اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا !))
فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ.
وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ ! فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ !..
فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.
خرج من القبّة، وخرج وراءه أبو بكر، وخرجت معهما البُشرى العظيمة:
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.
❍ ورآه الصّحابة يشير إلى شيء، ويقول شيئا .. ولكنّه كان يشير إلى شيء لا يرونه ! ويتكلّم بأشياء لم تقع !
إنّه يتحدّث بوحي من الله له.
روى مسلم عنْ أَنَس رضي الله عنه قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقُولُ:
(( هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا ))، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ
(( وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا ))، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ
(( وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا ))، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ..
قَالَ:” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا جَاوَزَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم..”.
❍ هنالك امتلأت قلوب المؤمنين حماسا ونشاطا.. وأيقنوا أنّ صباح الغد سيُشرق عليهم بأنوار من النّصر المبين..
فقضَوا يومهم ذلك همّة وحركة.. يدعون ربّهم نصرا طال انتظاره.. فكان يوما مليئا بالعمل والدّعاء والأحلام..
وما إن خيّم عليهم اللّيل حتّى آووا إلى نوم يستعدّون به للقاء الغد، إلاّ رجلا واحدا.
يقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه – كما في مسند الإمام أحمد -:
” لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ ”
ثمّ استيقظ آخر، وثالث، ورابع، تراهم يهبّون من نومهم العميق.. فما الّذي أيقظهم.. أهو عدوّ مباغت ؟! أم هو ضوء القمر الّذي يحلو معه الحديث والسّمر ؟! ولكنّ القمر قد اختفى منذ قليل.
لا هذا ولا ذاك، إنّه: المـطـر.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
______________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة وواحد وخمسون
من أحداث السنة الثانية
*غزوة بدر الكبرى*
*نزول الغيث من السماء*
في ليلة المعركة وبينما الصحابة نائمون نزل مالم يكن متوقعا ..
ذاك غيث السماء..
فتنبّه الصّحابة من نومهم، فإذا المطر يغسلهم ويطهّرهم، وينزل عليهم القرآن كالمطر:
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} [الأنفال: من الآية11]..
فشربوا، وتطهّروا، وسقوا الظّهر، وتلبّدت السّبخة الّتي كانت بينهم وبين المشركين حتّى ثتبت فيها أقدام المسلمين وقت القتال..
تحرّك الصّحابة ليحتمُوا من المطر…
أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما برح مكانه .. بل ظلّ يدعو ربّه طوال اللّيل.
روى الإمام أحمد عن عليّ رضي الله عنه قال:
ثُمَّ إِنَّهُ أَصَابَنَا مِنْ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ – أي: ماء – فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِوَالْحَجَفِ – نوع من التّروس – نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنْ الْمَطَرِ..
وَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَدْعُو رَبَّهُ عزّ وجلّ، وَيَقُولُ:
((اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْفِئَةَ لَا تُعْبَدْ )).
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى: (( الصَّلَاةَ عِبَادَ اللهِ )).
فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَحَرَّضَ على القتال
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸
____________________________________________
سيرة المحبوب صلى الله عليه وسلم
الجلسة: مائة واثنان وخمسون
من أحداث السنة الثانية
*غزوة بدر الكبرى*
*تحريض المؤمنين على القتال*
بعد ليلة الغيث السماوي أغفى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إغفاءة قصيرة رأى فيها بشرى من الله..
وقد حدّثنا ربّنا جلّ جلاله عن تلكم الرّؤيا:
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[الأنفال:43].
فقام على إثرها يحرض المؤمنين على القتال:
فقال -كما في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه:
(( قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ )) !
فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه:
” يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟!”
قَالَ: (( نَعَمْ ))
قَالَ: ” بَخٍ بَخٍ !”
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟!))..
قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا..
قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ))..
فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ،
ثُمَّ قَالَ: ” لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ !”
قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ..”. وانطلق للقتال..
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}🌸