المغربية المستقلة: بقلم ذ/حسن المولوع
أطل علينا من جديد رئيس المجلس الوطني للصحافة يونس امجاهد عبر نافدته المسماة جريدة هسبريس ، حيث أجرى من خلالها دردشة تمحورت حول قطاع الصحافة والنشر وما يعيشه في ظل تداعيات أزمة كورونا .
ولأن يونس امجاهد دائما ما تكون خرجاته بدون فرامل سواء عندما يصدر بلاغات أو يجري حوارات بحكم أنه ربما ليس لديه مستشار بهذا الخصوص، فإن من واجبي المهني واهتمامي بالمجال أن أرد عليه ، ليس تقليلا من شأنه ولكن من أجل التوضيح والبيان لإرجاع طائشات الأفكار إلى معاقلها وعقلها من جديد بما يجب، ولو أنه يكره من ينتقده ويوجهه ، ومازال لم يتخلص من العقلية النقابية والحزبية التي أفسدت التصور النبيل الذي من أحل تم إحداث المجلس الوطني للصحافة .
لقد تحدث يونس امجاهد عبر موقع هسبريس الذي أصبح بوقا له، ما يجعلنا نشك في الأمر ونستغرب ، الشيء الذي يتطلب منا قبل الحديث عن الحوار أن نتحدث عن الدعامة التي أجري فيها الحوار وعلاقتها به .
لم يعد خافيا على أحد من المتتبعين أن موقع هسبريس ما هو إلا فرع للذباب الإلكتروني بالمغرب يغازل الرئيس الذي تم فرضه على المجلس ضد إرادة كل الصحافيين الذين لم يصوتوا عليه ، فهسبريس وكما هو معلوم هي عنوان لمنصة همها تلميع صورة سياسية لبعض دول الخليج وخدمة أجندات خاصة ، ومن علاماتها طحن القضية الفلسطينية وضرب أي جهة مغربية لها وزن وصوت للدفاع عن القضية ، وكذا تبخيس ما يسمى بمنجزات الربيع العربي على مستوى الحقوق والحريات ، زيادة على ذلك فإنها تخدم أجندات بعض لوبيات الاقتصاد الريعي قصد كسب المزيد من المال ، وهاته الأشياء التي ذكرناها الآن ليست غامضة ولا هي بالجديدة ولا سرا من أسرار الدولة فيكفي البحث فقط لتكتشفوا ما هو أكثر ، ولا أعتقد أنني سأقول أكثر مما قيل ومما كشفه أهل الدار في العديد من المقالات الموجودة على محرك غوغل .
إن موقع هسبريس يراهن على امجاهد لحمايته من المساءلات التي سوف تطالها مستقبلا كمنبر إعلامي ساهم في هدم الكثير من الأشياء التي ناضل من أجلها الشعب المغربي ولو بطريقة غير مباشرة ،ويكفي الاطلاع على التغطيات الإعلامية لكثير من الأحداث المرتبطة بالدين أو بمشاكل الشرق الأوسط أو الاستثمارات الخليجية بالمغرب ،و تغطية مشكل لا سامير مثلا او أزمة غلاء فاتورة البنزين بالمغرب نموذج من بين النماذج لذلك…
السؤال المشروع الذي سيطرحه القارئ الآن هو كيف سيحمي يونس امجاهد هسبريس ؟ الجواب عن هذا السؤال هو أنه على اعتبار أن يونس يدعي انه أصبح ذو حظوة عند اصحاب القرار بالمغرب وأنه هو المرجع في ما يخص الإعلام والصحافة وبما أن له تجربة دولية أصبح بها رئيس المجلس والهيئة الدولية للصحافيين فإنه سيحميها من أي مساءلة كرد للجميل ، لأنه لن ينسى مساندة الدولة الخليجية له في انتخابات تلك الهيئة الدولية بشراء الكثير من أصوات العديد من رؤساء بعض الهيئات الصحفية في دول لا تتوفر لا على صحافة ولا حرية التعبير ، ولهذا حسب ادعاءاته فهو الورقة الرابحة مستقبلا في الصحافة بالمغرب ، وما مساندة هسبريس له إلا ترجمة على أن هناك تعليمات صدرت من مكتبها بدبي بمكاتبها بالرباط للوقوف إلى جانبه ضد كل من ينتقده سواء كان من الإعلاميين أو كان مؤسسة وطنية، والنموذج هو مقالة هسبريس ضد مدير وكالة المغرب العربي للأنباء وتوريط رئيس الحكومة في قضيته ، يعني وكأنهم يقولون يا رئيس الحكومة يجب أن تتخلص من مدير الوكالة، وبقاؤه يعني أنك تسانده ، وهذه الطريقة هي نفسها التي يشتغل بها نموذج هسبريس بالبلد الخليجي المدعو ضاحي خلفان …
فهل سيسكت الجسم الإعلامي على هذا الاختراق الذي سيمس باستقلالية الصحافة بالمغرب باعتبار تاريخها ورموزها ودورها الكبير في الدفاع عن استقلال الوطن واستعادة أراضيه والرقي بشعبه؟ هل سنفتح الباب للذباب الإلكتروني الخليجي للتدخل في مناقشة قضايانا الوطنية ومشاكلنا الداخلية ؟ هل وصل الحد بمجاهد وزمرته الاستنجاد بمثل هذه الاصناف لضمان سيطرته على المجلس..؟ كل هاته الأسئلة أطرحها والخشية تتملكني على وطني لأن لي غيرة عليه وأخشى عليه من الاختراق..
وفي سياق آخر ، ومن باب التذكير حتى لا ننسى، مساندة امجاهد لنظام المخلوع بنعلي ، عندما وقف مع الشلة المرتبطة بجهاز بنعلي ضد الصحافيين الذين كانوا يريدون مكتبا نقابيا حرا غير مخترق من طرف زبانية النظام ، ذهب امجاهد لينقل لهم خبرة النقابة المغربية في صنع مكتب نقابي على المقاس وطرد كل من يدعي الاستقلالية والمهنية ، والهدف هو خلق الاتباع وليس نقابة مهنية تدافع عن مصالح الصحافيين …
وبالرجوع للتغطيات الصحفية لمؤتمر نقابة الصحفيين التونسيين خلال فترة ما قبل ثورة الربيع العربي ،ستظهر لكم من خلال النقاشات والمشاكل التي طرحت وحضرها الزعيم مجاهد ، لا يمكن لنا أن ننسى كل ذلك، وإن كانت هناك محاولات للنسيان فإن التاريخ لا ينسى والذي له الكلمة الفصل …
أما فيما يخص الدردشة التي أجراها مع هسبريس فلقد تحدثنا في مقالات عديدة أن الهدف من وراء ذلك هو المال العام ، والغريب أن تثار نقاشات من هذا النوع والظروف التي تعيشها البلاد في غنى عنها بسبب الوضعية الاقتصادية المقلقة ، فالمال العام لا يمكنه أن يصرف في مسائل غير منتجة ولا فائدة للمجتمع منها ، لأن الصحافة الورقية ماتت ، والرقمية لا تحتاج لكثير من المال ، ونحمد الله على التكنلوجيا التي أنتجت لنا جيلا جديدا قضى على الصحافة الباحثة عن الريع فقط ، فبهاتف خلوي متطور يمكنك أن تصنع محتوى من النوع الممتاز وجريدة الكترونية ، وأن تكون مؤثرا ، وتخدم البلاد والعباد دون أن تأخذ أموالهم ..
لا يعلم يونس امجاهد وأمثاله أن زمن ” اعطيني ونسكت ” قد ولى ، أو زمن “اعطيني أو سأفضح “، لأن البلاد أصبحت تسير وفق نظام يتطور يوما عن يوم ، فهناك حرية التعبير المكفولة بالقانون ، وهناك اجتهاد للابتعاد عن الريع ، وهناك شباب يشقون طريقهم رغم الصعوبات ، ويرفض الوصاية عليه أو من يلقنه المهنة ، لأنه درسها في المعاهد والجامعات ولم ينهلها من كولسات الاجتماعات الحزبية وسحق المناضلين والتآمر عليهم وصنع الأتباع والمريدين …
إن تباكي يونس امجاهد بواسطة البوق هسبريس من خلاله، ما هو إلا دليل على أن الرجل يشتغل بعقلية نقابية دون الحديث عن الخلفية سياسية ، فجملة واحدة مما قاله في دردشته تجعلنا ننسف كلامه بالحجة والدليل وأن الهدف ما هو إلا الحصول على المال العام بأي وسيلة ، فمن خلال أقواله اسأله ، متى كانت الصحافة الورقية الحزبية لديها إشهارات حتى تقول لنا اليوم أن العقود الإشهارية توقفت لديها ؟ كم تبيع الصحف جميعها يوميا حتى تتحدث لنا اليوم عن مبيعاتها ؟ فمثلا كم تبيع جريدة العلم وجريدة البيان وجريدة الاتحاد الاشتراكي وباقي الجرائد الحزبية ؟ كم تبيع الجرائد المستقلة في اليوم حتى تتحدثون لنا اليوم عن المبيعات ؟ ألم يشتك الجميع من ضعف القراءة منذ زمن بعيد وعدم الإقبال على شراء الصحف ؟ ما هو المستجد اليوم حتى يتم إثارة هذا النقاش ونحن في أزمة ؟ فلو كانت صحافتنا تبيع يوميا أعدادا كبيرة كنا سنثق بهذا النقاش وهاته التبريرات لكن والحال أن الصحافة الورقية اليوم أصبح وجودها كعدمه ، ولا أحد يقرؤها ولو بالمجان حتى تقنية البي دي إف التي هي اليوم بالمجان لا أحد يبالي بها ، بل الأكثر من ذلك حتى الصحافة الإلكترونية لم تعد بذلك الإقبال ، هناك إقبال واحد وهو السمعي البصري ، لم أسمع يونس امجاهد يتحدث عن دعم الإعلام العمومي الذي أدى دورا مهما في هذه الفترة من زمن الكورونا لأن الصحافة المهنية وجدت في وكالة المغرب العربي للأنباء والإذاعة والتلفزة وفي مؤسسات أخرى وليس كما نراه اليوم في بعض الصحف التي تخدم أجندات خارجية خليجية ، وهناك من انتفخ رصيده من سوق النعاج ، ولا أريد أن أسهب في هذا الموضوع لأن هناك من تحدث فيه قبلي ولم يعد هذا الموضوع خافيا على أحد ..
إنني وأنا أبحث في هذا الموضوع ظلت هناك أسئلة تشغل بالي، وهي : لماذا يشتغل موقع هسبريس بالذات مع يونس امجاهد ؟ وهل الناطق الرسمي والقيادي في الاتحاد الاشتراكي أصبح على قلب واحد مع اتجاه معين و مع اعلام الخليج وبالتالي فالمجلس الوطني للصحافة أصبح مخترقا من طرف هذا النوع من الإعلام الذي يخدم أجندات تمس بالتوجه العام للبلاد؟ هل ستصبح الصحافة المغربية رهينة هذا التوجه ؟ وهل يقبل الصحافيون المغاربة الأحرار على قلتهم أن يرأس مجلس الصحافة ويسمى يا حسرة وطنيا شخصا له طموحات تجعله يرهن المهنة بمصالح خارجية؟.
أسئلة تطرح فقط من باب الغيرة على الصحافة المغربية باعتبارها جزءا من مقومات هذا الوطن الذي حافظ على تاريخه وتوافق كل مكوناته في وجه العديد من التحديات ومكائد الجيران والاستعمار.
وأتمنى أن يقرأ امجاهد مقالي هذا بصدر رحب دون تشنج وأدعوه لإجراء حوار مصور معي وبالمباشر يشاهده عموم المغاربة ليجيبني عن أسئلتي الكثيرة و بوضوح تام ، ولا أريد أن أقول إنني أتحداه أن يقبل، لأنني لا أتحدى أحدا ولست عدوا لأحد ، فمصلحة القطاع أهم من الأشخاص والمصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار ، أنتظر من يونس امجاهد أن يتشجع ويقبل إجراء هذا الحوار ، وإن لم يقبل سنتأكد مما أشرنا إليه سلفا ، سأنتظر وإني من المنتظرين .