رأي للكاتبة : بشرى الماروتي
قبل ظهور شبكة الإنترنيت كان التواصل و المراسلات بجميع أشكالها و أصنافها عن طريق البريد و وسائل الاتصال القديمة البطيئة و كلما تطور العقل البشري تطورت الوسائل مع ظهور التكنلوجيا الرقمية الجديدة و السريعة لتواكب العصر الذي ولدت فيه إلى أن ظهر الكمبيوتر مع شبكة الانترنيت و الهاتف النقال و أصبحوا أهم من اي اختراعات سابقة،و رغم ذلك،استمر التواصل التقليدي المتفق عليه سابقا عبر البريد العادي.
و ككل اختراع أو جهاز له سلبياته و ايجابياته لأن الإنسان يظل هو المبتكر والمستغل المتحكم بالآلة و الملم بأجزائها و تفاصيلها الصغيرة و الكبيرة و رغم تعدد استعمالاتها و سرعتها تظل أجهزة غبية و غبية جدا و عاجزة لا يمكنها أن تقوم بجميع المهامات الضرورية و لا يمكن الاعتماد عليها كليا و لن تعوض ذكاءً مخترعيها.
اتخذ الإنسان الانترنيت كفضاء واسع يجمع الجاهل بالعالم و الموهوب بالمحترف و الغبي بالذكي و عالم يجمع جميع شرائح المجتمع من مختلف الأعمار عبر بقاع العالم بكل اختلافاته ،الكل يلتقي عبر الشاشة الزرقاء اقتداءا بلون البحر تعبيرا عن شساعته اللامحدودة التي تسمح لك بالإبحار فيه و الغوص في أعماق المجهول هذه الشاشة التي من خلالها تطل على عوالم اخرى بعيدة جدا عنك سالكا طريق المواقع الإليكترونية دون عناء يكفي أن تملأ استمارتك الشخصية و قد تضع معلومات خاطئة و تضع صورة شخص آخر و تخفي هويتك و جنسك الحقيقي و تجعل منك شخصا لتفتح حسابا اليكترونيا لك دون أن يكتشف الجهاز كذبك و تمتلك عنوانا إلكترونيا شخصيا لتتواصل به مع باقي الأجهزة الأخرى وانت في مكانك تتواصل بالصوت و الصورة في العمل، البيت،الشارع ،في الجو و البر و في البحر أينما كنت تتواصل بفضل هذه الشبكة العنكبوتية الإليكترونية.
إن أغلب إن لم أقل كل الذين يجلسون و يقضون ساعات طويلة امام هذا الفضاء الأزرق و لأنهم يصدقونه، يتحدثون يبحثون يطالعون يتعارفون ينشرون إبداعاتهم يتفاعلون و يتجاوبون بالنسبة لهم فرصة للتعلم و تبادل المعارف و التعارف و نشر أفكارهم و مشاركتها مع الآخرين، إنها الوسيلة الأسهل و الأسرع و الغير المكلفة ماديا لكنهم في نفس الوقت يكذبونه لأن الواقع مليء بالاشرار الذين نقابلهم أو نشاهدهم عن قرب أو عبر وسائل التواصل الأخرى .كيف لك ان تصدق هذه الآلة الغريبة التي تتواصل بها مع أناس غرباء عنك ثقافيا و دينيا؟ انه فضاء يسمح بلعب جميع الأدوار في شخصية واحدة دون رقيب أو محاسب، يمكنك أن تكون امرأة و رجلا و مراهقا و شيخا في أقل من دقيقة و أن تكون جاهلا و متعلما، محترفا و هاويا يمكنك أن تكون شخصا آخر غير أنت، أنت الكل في الكل كما يمكنك أن تخفي هويتك الحقيقية و أن تصنع منك بطلا شجاعا لا يقهر و لانك انت من ينقر و يكتب و يتحكم عن بعد لا تصدق لأنك جعلت من عالمك الأزرق عالما افتراضيا غير موجود وأنه لا أحد سيصدقك أيضا لأنه في اعتقادك هو شخص مثلك يتقمص جميع الأدوار كما تقمصت بكل حرية و إتقان
اذن متى نصدق؟ و متى نكذب؟ و لماذا هذا التناقض؟
لا نصدق إلا عندما نكون صادقين مع أنفسنا و مع غيرنا و لا نكذب إلا عندما نكون كاذبين على أنفسنا و على غيرنا فإذن العيب فينا و في طريقة تعاملنا مع هذا الجهاز الذي فضح واقع الإنسانية المرير انه مجرد نسخة طبق الأصل منه بالصوت والصورة إنها الحقيقة الغير المزورة أو المفترضة، إنهم نفسهم الأشخاص الذين نلتقيهم بالموعد أو صدفة. إن من يكذب هذا العالم إنما يكذب على نفسه و سيظل يستخدمه أسوأ استخدام مهما أعتقد أنه يستفيد منه لان واقعه كذلك، و من يصدقه فهو المستفيد حقا لأنه آمن أنه نفس الواقع فتعامل معه بحيطة و حذر.
هذا العالم الأزرق ليس افتراضيا و إلا لما تفاعل معه العالم بأسره سنة تلو السنة ،إنه سيف ذو حدين مثل باقي الوسائل الأخرى بايجابياته و سلبياته مثل الواقع فالناس الذين يبحرون فيه ليسوا أشباحا و لا اشخاصا وهميين و الدليل أنهم يؤثرون فيك و يغيرون برسائلهم و تتأثر عندما تقرأ لهم و تتجاوب و تتفاعل معهم بسطورك و تنتظر أن يتواصلوا معك و تستيقظ كل صباح لترد على أسئلتهم و هم لا يعرفونك، تنفعل لتعليقاتهم و تحرجك ردودهم وتستفزك طريقة معالجتهم لأي موضوع انت طرحته رغم أنك لا تعرفهم و لا يعرفونك ،المهم، بشكل أو بآخر تتفاعل و تتجاوب لأنه في قرارة نفسك هم أناس مثلك حقيقيون وليس افتراضيون ،و قد لا ترغب برؤيتهم لانه ليس ضروريا ما دمت تشبع رغبتك من وراء الجهاز و هي رغبة الوجود و تحقيق الذات ولو عن بعد، إنه عالمك انت و فرصتك انت لإبراز مواهبك الحقيقية حتى وإن تقمصت شخصا غيرك فستبقى انت المتحدث الرسمي باسمك بوعي أو بغير وعي،فرصة لا يمكنك أن تضيعها لمجرد أنك ما زلت لا تصدق أنه عالما حقيقيا و ليس افتراضيا كما ادعيت و تدعي..
السابق بوست
- تعليقات فيسبوك
- تعليقات