وادي زم: مقر الاتحاد المغربي للشغل خيمة المناضلين
المغربية المستقلة : محمد صمري، صحفي وفاعل سياسي ومدني وحقوقي، مسير سابق لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بوادي زم

(مهداة الى رفاق الأمس في ج.م.ح.إ…AMDH )
هو مقر ومأوى ومحراب المناضلين، ممر ومعبر نحو ضفاف أنهار فضيلة النضال، هو عش قشه رماح للحدآت الجارحة التي لا تتلافى الوهاد.
هو الترعة الخضراء والقلعة العالية الأبراج التي لا يعلوها ليلك ولا فطر، لا يصدأ ولا يفل حديدها تنام على زناد بنادقها ومدافعها المصوبة دوما نحو نحور صدور مصاصي الدماء مناضلوها مستعدون للنداء والفداء في أي وقت وفي أي مكان، عيونهم مسكونة بشمس من نضال تشع من نسغ النبض، قلوبهم عابقة بالأوجاع والذكريات. خصيهم من نحاس …..
هنا ينتهي طواف المقهورين بأصوات راجفة طافحة بالاستعطاف يتأبطون ملفاتهم الباهتة الذابلة بحثا عن فوانيس تضيئ عتمة وقتامة دروبهم وتعيد اليهم أمل استنشاق هواء الوطن المسروق…
هنا الملاذ والملجأ لكل المحكورين ضحايا التلاعبات والأكاذيب الفاضحة بكل أصباغها الملونة، والانتهاكات في مدينة ضاقت بأهلها من زمان عمها طيش القبيلة وخبث الانتخابات وسماسرة الوقت والمنامات …
من هنا تجفل الوطاويط من كهوفها، وترجم أبالسة وشياطين بيادق المعابد بصيحات وطلقات حبر رحيم قد يرد ما تبقى الى أهله بعد أن سوغوا للظلم و زاغوا عن المحجة وغمطوا حقوق العمال….
هو مقر و ممر و معبر وخيمة المناضلين الضاربة أوتادها في عمق الذاكرة والإرث النضالي المشترك، الخيمة المضيافة التي آوتنا في الحر والصر وعلى موائدها الباردة والعريضة انبجس فجر المبادرات لتعبر ربوع الوطن من هامش المغرب المنكوب، وعنت في حضنها أقمار تجوس عثمات ليالي المدينة رغم قساوة الأسلاك وبرودة الحال والأحوال ….
هنا تقاسمنا رغيف النضال…. على موائدها تخاصمنا واختلفت المواقف وتباينت التقديرات، تشاجرنا ولم نحكم أحدا بيننا سوى صوت الضمير والمبدأ، مزقنا الورق، وكسرنا الأقلام، وقلبنا المرمدات وفناجين القهوة، هنا تحلينا بالجرأة والشجاعة واعترفنا بأخطائنا وتحملنا وزرها، وما فسدت قط رفاقيتنا….
كم هم كبار ورائعون بعض المناضلين الذين نأوا بأنفسهم طواعية وتواروا عنا في أنفة وشموخ مكرهين بعد أن تمدد ظل الأقزام في كل الواجهات والمناحي، وشرعت أشداق الثرثارين ودلقت ما في جوفها لتصادر وتزيف حقيقة المرئيات، وغطى العفن الساحات، لكنهم لبوا النداء وما تقاعسوا أو تخاذلوا أو تناسوا ملح النضال فحجوا يوم عيدهم الى ساحة الشهداء وفاء وعلامات الاستغراب والاستفهام تمتزج في وجوههم من هول المآل ….
هنا سال المداد طلقات رصاص حارقة ليدبج في كبرياء النداء والبلاغ والبيان والتبيين بأصابع متعبة وعيون لا يطويها النوم عن العامل والمعتقل والمختفي والمظلوم تحت ضوء مصباح باهت غطه بزاق الهوام يتدلدل كرقاص الساعة، هنا كان الرحم المشتل، الرحم الولود…
هنا كان أنين المخاض والوجع وصيحة الولادات المتعددة…..
هنا احتفلنا بانتصاراتنا الصغيرة ورددنا شعارات حالمة بمغرب جديد كنا نحفظها عن ظهر قلب….
هنا صدحت عبر الأبواق أغاني مرسيل وماجدة الرومي وأميمة وعاصم الدين وفرقته وأشعار درويش …. من هنا مر الحقوقي بن عمر والهايج وبنيوب …
من هنا شيعت جنازة الفقيد (الفكاك ) ذات يوم محمولة على أكتاف الرفاق….
بالله عليكم قولوا لي: متى كانت تشيع جنائز الأموات من باحات المقاهي ودهاليز الكبريات ومصطبات المراقص ؟؟!!
من هنا ستنفجر ينابيع الغضب سيولا جارفة تلوي أعناق كل المتخاذلين المتسللين الشاردين، المتواطئين التبع الركع المهرولون..
وستكشف أسرار محاولة تهريب الكأس المقدسة التي سولت لهم أنفسهم بيع دم المناضلين بهذا الشكل الرخيص….. متناسين أو ناسين أن للمقر بابين باب للشرفاء المرابطين وباب للعابرين المقنعين في نزوة نضال عابر…..
إنه سر العبور الملولب الذي ينوء بحمل الخديعة.
في هذه المدينة نشم دوما رائحة تعكر صفوة احتفالات المناضلين.
من أين تأتي هذه الرائحة…. من أين تأتي…. من أين…. من أي…. من …الشمس دوما هي الأب الروحي للظل، هي التي تخلقه.
وعندما يختفي عن الأنظار يختفي هو الآخر، فكيف يتخلص الأصل من الظل”……