الرباط :
المغربية المستقلة :

كان الأمير ‘ أوسمان ‘ وليُّ عهد مملكة ‘ توسمان ‘ مولوعاً بالسفرِ ، و كُلِّ ثلاثة أشهر كان يزورُ مملكة من الممالكِ المجاورةِ لمملكةِ ‘ توسمان ‘ الواقعةِ على حدودها ، و كانت رحلة الأمير ‘ أوسمان ‘ تستغرقُ أشهر حيثُ يكتشفُ جميع الأماكن الأثرية و السياحية و أراضي المعادن و الأراضي الزراعية و الأسواق في المملكةِ التي يزورها ، و كان الأمير ‘ أوسمان ‘ أثناء زيارته لمملكةٍ ما يقوم بالتجسُّسِ على هذهِ المملكةِ و جمعِ المعلوماتِ المهمَّةِ حولها التي تُمَكِّنُ أبيه الملك ‘ سيداموس ‘ من غزوها و احتلالِ أرضها ك ‘ عدد الجيوش – الأسلحة التي يستخدمونها – أماكن الضعف في السورِ الذي يحيطُ بالمملكةِ و التي يسهلُ اختراق السور من خلالها أو الإطاحة بهِ – الأماكن المزروعة بالألغام و التي لا تستطيع الجيوش أن تدوسُ عليها. . .’ ، فيقوم الملك ‘ سيداموس ‘ بمساعدةِ ثلاثةٍ من مستشاريهِ بإعدادِ الخططِ و الاستراتيجياتِ اللازمةِ لغزوِ الممالكِ القابلةِ للغزو مستعيناً بالمعلوماتِ الحاصلِ عليها من ابنهِ الأمير ‘ أوسمان ‘ ، فيرسلُ جيشاً قوامه مئة ألف من الجنودِ المدرَّبين على القتالِ و فنِّ السيوفِ ينقسم إلى فريقينِ. .أما الفريق الأول فيخصَّصُ للهجومِ. .و أما الآخر فيخصَّصُ لرمي النيبالِ من خلفِ الأسوارِ و المرتفاعاتِ العاليةِ ، حيثُ يعيقُ هذا الفريق حركة وصول الدَّعم من الممالكِ الأخرى و يُؤَمِّنُ احتلال المملكة المستهدفة مع استراتيجية عسكرية لمحاصرةِ هذه المملكة و القضاء عليها و بعد ذلك الاستيلاء على الأراضي الزراعيةِ فيها و أراضي المعادنِ ، حيثُ يقومون الجنود بقتلِ من قاومَ الاحتلال من ساكنيها و يتولون حراستها إلى أن تأتي عائلات من مملكةِ ‘ توسمان ‘ لإعمارها ، و حينئذٍ يعودون السكِّان الأصليين عبيداً عند السكَّان الاستعماريين حيثُ يستغلُّونهم في استخراجِ المعادنِ من الأرضِ و الزراعةِ و الرعي. . .و لقد توسَّعتْ حدود مملكة ‘ توسمان ‘ إلى مملكةِ ‘ تيللي ‘ شمالاً ، و إلى مملكةِ ‘ ماسيليا ‘ جنوباً ، و من الغرب قارة ‘ أريناس ‘. .أما حدودها الشرقية فكانت قارة ‘ تالا ‘. .ضَمَّتْ إلى أراضيها عشرات الممالك الصغيرة التي هُزِمَتْ جيوشها أمام جيشٍ جبَّارٍ قوامهُ مئة ألف عسكري مدرَّبين تدريباً عسكرياً مُحكماً بينهم ألف قائد كُلَّ قائد منهم باستطاعتهِ أن يقاتلُ لوحدهِ خمسةَ عشرةَ فارساً فيهزمهم هزيمةً نكراءَ ، و كان اسم الجيش ‘ جيش الملك سيداموس ‘ ، و كان إذا دخلَ أرضاً لم يتركُ فيها كائنٌ فيه الحياة ، فَيُنْصَبُ فيها أعلام مملكة ‘ توسمان ‘ و تصبحُ رسمياً جزءاً من أراضها ، و لقد بُنِيَتْ أرجاءَ مملكة ‘ توسمان ‘ معاهد الزراعة و المعاهد العلمية و المسارح و مراكز الثقافة و الفنون و المعابد الدينية التي تقدِّسُ عبادة الإله ‘ أنطلاس ‘ حيثُ كان أهل ‘ توسمان ‘ يعبدونه. .كما خُصِّصَتْ أجزاء كبيرة من أراضي ‘ توسمان ‘ لزراعةِ أشجارِ الزيتونِ حيثُ زيت الزيتون يُسْتَخْدَمُ بشكلٍ كبيرٍ في أمورِ التجميلِ عند نساء الأمراء من أهلِ ‘ توسمان ‘ ، ذلك لأنَّ زيت الزيتون يحافظُ على مرونةِ بشرةِ الوجهِ و يمنع التجاعيد المبكرة ، و لقد كان أطباء القصر يستعملونه في صناعةِ الأدويةِ ، و كان وجبةً أساسيةً في إفطارِ الجنودِ حيثُ يزيد من قواهم البدنية و صلابة أجسادهم مما يجعلهم يقاتلون بلا تعب. . أما العمَّال اللذين يقومون بزراعةِ أشجارِ الزيتونِ و يشرفون على الاهتمامِ بها من ري و تسميد حتى بلوغها مرحلة عصر الحبوب فقد كان يُأتى بهم من ‘ الهند ‘ ، و كان أغلبهم من الزنوجِ اللذين يتمُّ شراءهم بدراهمٍ معدودةٍ ، و لقد كان العمل في مزارعِ الزيتون يبدأ قُبَيْلَ صياحُ الفجر و ينتهي في ساعةٍ متأخِّرةٍ من الليلِ. .أما أجرة العمَّال فكانت دينارٌ واحدٌ في اليومِ لكُلِّ عاملٍ و كسرةٍ من الخبزِ لهُ الحقُّ أن يتناولها في الليلِ بعد انتهاء العمل ، فقد كان تناولَ الطعام ممنوع على العمالِ في ساعاتِ النهارِ حتى لقد وظَّفَ الملك ‘ سيداموس ‘ حرسٌ مهمَّتهم مراقبة العمَّال في مزارعِ الزيتون ، فإذا لاحظ الحرس أنَّ أحدَ العمَّال قد وضع الفأس من يدهِ و جلسَ ليأكلُ طعامه قبل حلول الغروب يقومون فوراً بقطعِ يديهِ و أرجلهِ و يقدِّمونهُ طعاماً للسباعِ الجائعةِ ، حيثُ كان الملكَ ‘ سيداموس ‘ يملكُ حديقة للسباعِ تضمُّ ثلاثة مئة سبع يغذيها على لحمِ الرهائنِ اللذين يقعون في أسرهِ و المساجينِ و العبيدِ. . .فكان يشعرُ بلذَّةٍ عظيمةٍ تصلُ حدَّ الفرح و هو يشاهدُ السباع الجائعة تلتهمُ لحم البشر في نهمٍ و هم أحياء ، و جاءَ ‘ جيش الملك سيداموس ‘ في عشيةِ أحدِ الأيامِ الشتويةِ بعددٍ من الأسرى بينهم الملك ‘ سيف ‘ ملك مملكة ‘ شيفا ‘ المسلمة الواقعة شرق قارة ‘ أريناس ‘ ، حيثُ أطاحَ الجيش الجبَّار بمملكتهِ و استولى على أراضيها ، فأقام فيها محرقةٌ عظيمةٌ شملت عشرات الأطفال و النساء و العجزة. . .فما أكثرُ سعادة الملك ‘ سيداموس ‘ و هو يشاهدُ السباع تلتهم أسرى مملكة ‘ شيفا ‘. . .! أما الملك ‘ سيف ‘ فلقد أقام على شرفهِ مأدبةٍ فاخرةٍ أمام قفص سبع عجوز يطلقُ عليه الملك ‘ سيداموس ‘ اسم ‘ كابوان ‘ و جعل الحرس يلقون بالملكِ ‘ سيف ‘ في قفصِ السبعِ ‘ كابوان ‘ تحت تصفيقات جمهور من العساكرِ و المستشارين و الراقصات. . .و الغريب أنَّ السبعَ ‘ كابوان ‘ لم يأكل الملك ‘ سيف ‘ و لم يقترب ناحيته ، و لقد ظلَّ الملك ‘ سيف ‘ في قفصِ السبعِ ‘ كابوان ‘ أسبوع كامل دون أن يلمسه ، و في اليومِ السابعِ آمر الملك ‘ سيداموس ‘ بإعدامِ السبعِ ‘ كابوان ‘ و الملك ‘ سيف ‘ ، و قد اكتشف الحرس بعد تنفيذ حكم الإعدام أنَّ الملك ‘ سيف ‘ كان يحملُ في جيبهِ كتابِ ‘ القرآن ‘ ، فلما شاهدوا هذه المعجزة وقف الحرس مذهولين و لقد صاحَ نفرٌ من العساكرِ اللذين شهدوا عملية الإعدام : « ما أعظم الإله الذي تعبدهُ. . .! ما أعظم الإله الذي تعبدهُ. . .! » مما أثارَ غضب الملك ‘ سيداموس ‘ الذي كان يؤمن بالإلهِ ‘ أنطلاس ‘ و آمر بإعدامِ الحرس و العساكر اللذين أذهلتهم هذه المعجزة ، لكن إثنين من الحرسِ اللذين نفَّذوا حكم الإعدام استطاعا الفرار ، و أخذا يجولان في مملكةِ ‘ توسمان ‘ و يشرحانِ للناسِ المعجزةِ التي شاهداها ، فأسلموا الكثير من الناسِ و تركوا عبادة الإله أنطلاس ‘ ، و أسلمت جماعة الشبابِ المتنورين التي كانت تنشط في مدينةِ ‘ ماتيا ‘ عاصمة مملكة ‘ توسمان ‘ تحت اسم ‘ جماعة مارين ‘ حيثُ قامت ‘ جماعة مارين ‘ بدراسةٍ حول دينِ الإلهِ ‘ أنطلاس ‘ فاكتشفت أنَّ الإلهَ ‘ أنطلاس ‘ ما هو إلا أسطورة عابرة عبر الأزمن ، و لقد ساهمت ديكتاتورية ملوك ‘ توسمان ‘ منذُ نشأتها في ابقاءِ أسطورةِ الإلهِ ‘ أنطلاس ‘ حيِّةٌ ، حيثُ كانت تخدمُ الملوك وحدهم و تجعلُ شعب ‘ توسمان ‘ عبيداً عندهم يخدمون مصالحهم معتبرين أنفسهم خدَّام رسل الإله ‘ أنطلاس ‘ اللذين هم ملوك ‘ توسمان ‘ كما يقولُ الكتاب المقدَّس ، و سرعان ما تمَّ القبضُ على الحارسينِ الهاربينِ ، و أقيمت مراسيم إعدامهما أمام معبد الإله ‘ أنطلاس في مدينةِ ‘ ماتيا ‘ لكي يكونانِ عبرة لكُلِّ من أنكرَ الإله ‘ أنطلاس ‘ و تركَ عبادته ، و لكي يشعرُ الناس بالخوفِ و يستمرون في عبادةِ ‘ أنطلاس ‘ الذي يعرضهم للاستغلالِ من طرفِ الملوك في ‘ توسمان ‘ رغم أنهم أدركوا منذٌ زمن بعيد أنِّ الإلهَ ‘ أنطلاس ‘ ما هو إلا أسطورة ، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحدُّ و إنَّ عددٌ كبيرٌ من المؤمنين بالإلهِ ‘ أنطلاس ‘ قد شككوا في ألوهيتهِ عندما سمعوا بقصةِ الملك ‘ سيف ‘ الذي لم يأكلهُ السبع ، في هذهِ الأثناءِ كانت ‘ جماعة مارين ‘ تقومُ بحملاتٍ في مدينةِ ‘ ماتيا ‘ و المدن الكبرى في مملكة ‘ توسمان ‘ تقومُ من خلالها بتوعيةِ الناسِ أنَّ الإلهَ ‘ أنطلاس ‘ مجردُ أسطورة تتناقضُ مع مبادئ العلم و تعيقُ التقدُّم فتجعلُ شعب ‘ توسمان ‘ عرضةً للاستغلالِ من طرفِ النظامِ الملكي بكاملِ إرادتهِ ، و نظير ‘ جماعة مارين ‘ الإسلامية أُسِّسَتْ ‘ جماعة امكنس ‘ التي تدافعُ على دينِ الإلهِ ‘ أنطلاس ‘ و تحثُّ الناس على عبادتهِ دفع لها الملك ‘ سيداموس ‘ مبالغ من المالِ مقابل ذلك ، و وقعت ثورة دينية كبيرة في مملكةِ ‘ توسمان ‘ فصارَ البعضُ فيها ملحدين و البعض مسلمين و آخرين لا يزالون على عبادةِ الإلهِ ‘ أنطلاس ‘ ، و بدأت الطوائف الدينية في ‘ توسمان ‘ تذبحُ بعضعها البعض و كُلَّ مؤمنٌ يعتبرُ الآخر الذي ليس على دينهِ عَدُوٍ فيذبحهُ دون أن تتدخَّلُ السلطات في ذلك ، و استمرت المذابح لمدَّةِ عشرون عاماً كاملةً ذُبِحَ خلالها ثلاثة ملايين إنسان. .و لم يفلحُ الملك ‘ سيداموس ‘ أن ينهي هذه الثورة الدينية الدامية إلا أن أُثْبِتَ بطريقةٍ ما أنَّ الملكَ ‘ سيف ‘ كان ساحراً و قد سحر السبع ‘ كابوان ‘ كي لا يأكلهُ. .أما كتاب ‘ القرآن ‘ الذي وجدهُ الحرس في جيبهِ فلم يكن له أيِ تأثيرٍ في هذهِ المعجزةِ ، و كان بإمكانِ الملك ‘ سيف ‘ أن يكون وجبةً شهيةً للسبعِ إذ لم يكن قد تلى عليه بعض آيات السحر التي يعرفها ، و استطاع الملك ‘ سيداموس ‘ أن يثبتُ لشعبهِ أنَّ الملك ‘ سيف ‘ كان على معرفةٍ حقيقيةٍ بأعظمِ سحرةِ مملكةِ ‘ تاسافوت ‘ الواقعة شرق قارة ‘ أريناس ‘ و أشدُّهم مكراً و قد تعلَّمَ منهم الكثير من أساليبِ السحرِ ، حيثُ كان أهل ‘ تاسافوت ‘ يتقنون السحر الأسود و كُلَّ أنواع السحر ، حتى لقد استعانت الملكة ‘ سيلينا ‘ ملكة مملكة ‘ تاسافوت ‘ بمجموعةٍ من السحرةِ العمالقةِ في ترحيلِ أهلِ ‘ تانس ‘ من أرضهم و هي المملكةُ الثالثةُ التي تُشَكّلُ ِ شرق قارة ‘ أريناس ‘ ، فاستولت مملكة ‘ تاسافوت ‘ على مملكةِ ‘ تانس ‘ و احتلت أراضيها ، و لقد هربَ الملك ‘ أودجاك ‘ ملك مملكة ‘ تانس ‘ إلى ‘ بلادِ الرافدين ‘ ، فصارَ يتعلَّمُ السحر على يدِ أحفادِ سحرةِ ‘ بابل ‘ ، و لقد تَوَطَّدَتْ علاقته بساحرةٍ شريرةٍ اسمها ‘ إنانا ‘ فصار يتردَّدُ على بيتها كُلَّ ليلة ، و قد صعقتهُ ذات ليلة إذ قالت له : « بإمكاني أن أجعلُ جميع السحرة الموجودين في مملكةِ ‘ تاسافوت ‘ تماثيل حجرية و حينئذٍ يمكنك أن تسترجعُ مملكتك ، لكن مقابل ذلك عليك أن تتزوجني. . .» الأمر الذي وافق عليه الملك ‘ أودجاك ‘ ، و ركبت ‘ إنانا ‘ حصانها الذهبي الخفي الذي يملكُ القدرة على الطيرانِ ، و طارت فوق بيوت سحرة ‘ تاسافوت ‘ فأخذت ترشُّ الماء المجمَّد عليهم مع تلاوة بعض آيات السحر و كُلُّ بيت تسقطُ عليهِ قطرة واحدة من الماءِ المجمَّدِ يتحولون أهله في الحالِ إلى تماثيلٍ حجريةٍ ، فأصبحَ ذات صباح جميع سحرة مملكة ‘ تاسافوت ‘ الأقوياء تماثيل حجرية لا روح فيها ، و لقد ذعرت الملكة ‘ سيلينا ‘ أشدُّ الذعر من ذلك ، و استدعت إلى قصرها جميع السحرة و المعبرين الموجودين في مملكتانِ ‘ تافوكت ‘ و ‘ تازيري ‘ الواقعتانِ وسط قارة ‘ أريناس ‘ حيثُ أنَّ هاتينِ المملكتانِ لهما علاقات تاريخية مع مملكة ‘ تاسافوت ‘ و كان أهل هاتينِ المملكتانِ أيضاً يتقنون السحر الأسود ، لكن سحرة ‘ تافوكت ‘ و ‘ تازيري ‘ جميعهم لم يفلحون في فكِّ طلاسمِ السحرِ الذي أنجزتهُ الساحرة ‘ إنانا ‘ ، و بينما كانت الملكة ‘ سيلينا ‘ تدورُ بين الممالك باحثةً عن ساحرٍ ناجمٍ يستطيع أن يفكَّ طلاسم السحر الذي أنجزته ‘ إنانا ‘ و يبطل مفعوله بحيثُ يعيد الحياة إلى سحرةِ ‘ تاسافوت ‘ ، و لقد أهملت تماماً شؤون المملكة و الإشرافُ على تجهيزِ الجيشِ ، و لم يكن الجنود الموجودين في مملكةِ ‘ تاسافوت ‘ مدرَّبين على القتالِ بشكلٍ كافٍ يؤهلهم لمواجهة عسكرية مع جنود مدرَّبين تدريباً عسكرياً قوياً ، دخل الملك ‘ أودجاك ‘ مملكة ‘ تاسافوت ‘ بجيشٍ قوامه عشرة آلاف جندي ، و ما هي إلا ساعات حتى سقطت مملكة ‘ تاسافوت ‘ ، و اقتحم الملك ‘ أودجاك ‘ و جنوده قصر الملكة ‘ سيلينا ‘ فأُعْدِمَ بنفسهِ الأميرة ‘ ليديا ‘ ابنة الملكة ‘ سيلينا ‘ و الأمير ‘ فان ‘ ابنها شنقاً ، و غادرَ الملك ‘ أودجاك ‘ و جنوده مملكة ‘ تاسافوت ‘ مزهواً بنفسهِ بعد أن قضى على كُلَّ موجودٌ فيها و استرجع أملاكه من أهلها و نصب أعلام مملكته في أرضها ، و لقد توسَّعتْ أرض مملكة ‘ تانس ‘ بعد هذه الحرب لتشملُ أرض مملكة ‘ تاسافوت ‘ أيضاً ، فصارت مملكة ‘ تانس ‘ من أكبرِ ممالكِ شرقِ قارةِ ‘ أريناس ‘ ، و زادَ الصراعُ بين المملكتينِ : مملكة ‘ توسمان ‘ و مملكة ‘ تانس ‘ على أراضي مملكة ‘ تاسافوت ‘ انتهت بمعركةٍ حاميةِ الوطيسِ سنتحدث عنها لاحقاً ، لقد كانت أراضي مملكة ‘ تاسافوت ‘ قديماً جزء من أراضي مملكةِ ‘ توسمان ‘ ، و كان أهلها من ‘ الرومِ الكاثوليك ‘ و لقد نالت ‘ تاسافوت ‘ استقالها و انشقَّت عن مملكة ‘ توسمان ‘ بعد الحرب الأخيرة التي انتصر فيها ‘ الكاثوليك ‘ ، و بني ‘ الكاثوليك ‘ مملكة صغيرة فوق الأراضي العائدة لهم تحكمها ملكة تدعى ‘ سيلينا الأولى ‘ حكمت المملكة ما يربو عن عشرين عاماً ، لتحكم المملكة بعد ذلك ابنتها ‘ سيلينا ‘ التي رفضت أن يكون لقبها ‘ سيلينا الثانية ‘ ، و كانت تفضِّلُ أن يُنْطَقُ اسمها ‘ سيلينا ‘ حرفياً ، و ‘ سيلينا ‘ هي كلمة مشتقَّة من ‘ اللُّغةِ اليونانيةِ ‘ تعني ‘ القمر ‘ ، حيثُ كانت ‘ اللُّغة اليونانية ‘ لغة رسمية في مملكةِ ‘ تاسافوت ‘ ، و من الجديرِ بالذكرِ أنَّ الملكة ‘ سيلينا الأولى ‘ كانت امرأة حكيمة متدينة ، تطبِّقُ تعاليم الكنيسة الكاثوليكية بحذافيرها ، و إضافة إلى رهبانيتها تمتازُ بحنكةٍ شديدةٍ في الحياةِ و أدابها العامة ، يلجأ إليها في المحافلِ الكبيرةِ إذا عصفت بالقومِ و انحنى دونها من هو في مكانِ التصدِّي لها ، و لدرايتها العتيدة بمؤلفِ الفيلسوفِ الصيني ‘ سن تزو ‘ مؤلف كتاب ‘ فن الحرب ‘ ، كذا على غرارِ مهارتها الذهنية الواسعة في تأسيسِ الخططِ و رسمِ الاستراتيجياتِ ، كذا قدرتها القوية على كبحِ غمارِ مشاعرها و انفعالاتها من التوتُّرِ و الخوفِ . كُلَّ ذلك كان يشكِّلُ عنصراً متحداً يصعبُ التعامل معه ، فكم هزيمتها صعبة أرهقت عقولٌ فذة من بقيةِ الممالكِ. .و خلال فترة حكمها عملت الملكة ‘ سيلينا الأولى ‘ على الإصلاحِ الديني و العقائدي في مملكةِ ‘ تاسافوت ‘ ، فقضت على جميعِ الطوائفِ الموجودة في مملكتها التي تكونت من الحروبِ على مرِّ الأزمانِ و جعلت ‘ الكاثوليكية ‘ الديانة الوحيدة التي يدين بها شعب ‘ تاسافوت ‘ ، لقد كانت الملكة ‘ سيلينا الأولى ‘ أشدُّ تعصباً للكاثوليكية و لها توجُّها مسيحياً محافظاً قريب من اليمينِ المتطرِّفِ ، و لقد أنفقت ثروة ضخمة من خزائنِ المملكةِ على بناءِ سورٍ عظيمٍ يحيطُ بالمملكةِ يمنعُ الأجانبَ من الدخولِ إليها ، و منعت على شعبها أيضاً الذهاب إلى الممالكِ الأخرى إلا لغاياتٍ ضروريةٍ كالتجارة و العلم. . .الخ ، لكن كُلَّ ذلك تغيَّرَ تغيُّراً جذرياً في عهدِ الملكة ‘ سيلينا ‘ ، حيثُ أصبحت مملكة ‘ تاسافوت ‘ أكثر انفتاحاً على الممالكِ الأخرى ، و صارت الحرية الدينية حقٌّ تتمتَّعُ بهِ ‘ تاسافوت ‘ ، و كُلَّ فرد في المملكةِ لهُ الحقُّ في اختيارِ الدينِ الذي يناسبهُ .
الفصل الثاني : ‘ معركة إيرنا ‘
وقعت معركة عظيمة بين مملكة ‘ تانس ‘ و مملكة ‘ توسمان ‘ في نهرِ ‘ دانا ‘ الواقع بين المملكتينِ سُمِيَّتْ بـ ‘ معركة إيرنا ‘ تزعَّمها الأمير ‘ أوسمان ‘ شخصياً الذي قاد جيشٌ قوامه عشرين ألف جندي إلى نهرٍ ‘ دنا ‘ ، بينما قادت الأميرة ‘ افرين ‘ ابنة الملك ‘ أودجاك ‘ جيشٌ قوامه إحدىَ عشرةَ ألفَ جندي ، و التقى الجيشينِ على أرضِ النهرِ في معركةٍ استمرت أربعة أيام كاملة هُزِمَ فيها جيش ‘ تانس ‘ هزيمة نكراء ، و أُلْقِيَ القبضُ على الأميرةِ ‘ افرين ‘ عندما حاولت الهرب قدَّمها الأمير ‘ أوسمان ‘ هدية لأبيه ، غيرَ أنَّ الملك ‘ سيداموس ‘ لم يطعم الأميرة ‘ افرين ‘ وجبة للسباعِ كما يفعلُ مع الغنائم الأخرى ، و لقد استخدامها كورقة رابحة لاسترجاعِ أراضي ‘ تاسافوت ‘ من الملكِ ‘ أودجاك ‘ حيثُ كان الملك ‘ أودجاك ‘ يحب ابنته الأميرة ‘ افرين ‘ حباً جماً إلى درجة أنهُ كان ينوي أن يتنازلُ لها على عرشِ المملكةِ لتصبحُ هي ملكة ‘ تانس ‘ عندما تبلغ الثلاثين من عمرها ، فأرسلها إلى مدرسةٍ خاصَّةٍ في ‘ الصين ‘ لتتعلَّمُ فنون الحرب و القتال و تتقن الحساب و الجبر و الفلسفة و العلم و الطب و تتقن اللغات : ‘ العربية و الفارسية و الروسية و الصينية ‘ على يدٍ معلمٍ اسمه ‘ ساو ‘ ، و هو رجل صيني قد زارَ أرض ‘ تانس ‘ قديماً و اكتسب صداقة الملك ‘ أودجاك ‘ ، و عندما علم الملك ‘ أودجاك ‘ هذه المرة بأنَّ ابنته العزيزة وقعت أسيرة لدى الملك ‘ سيداموس ‘ كتب له رسالة يعرض عليه فيها مبادلة الأميرة ‘ افرين ‘ بأربعةٍ من جنودِ الملك ‘ سيداموس ‘ الأسرى لدى مملكة ‘ تانس ‘ ، لكن الملك ‘ سيداموس ‘ لم يقبل هذا العرض ، و لقد كان ردَّهُ على الرسالةِ التي كتبها الملك ‘ أودجاك ‘ « إذا كنت تعتقد أنني سأقبل بعرضك هذا فأنت مخطئ أيها الملك أودجاك المحترم ، و إذا كان يهمُّك شأن ابنتك و تخاف على حياتها عليك أن تتنازل على أراضي مملكة تاسافوت ، و حينئذٍ سوف أسلمك ابنتك بصحةٍ جيدةٍ ، لكن إذا رفضت هذا الأمر ، يجب عليك أولاً أن تودّع ابنتك العزيزة لإنها ستكون وجبة للسباع في الليلةِ المقبلةِ ، و سوف أبعث لك رأسها حتى لا تشعر بالأسى » ، و جاء ردُّ الملك ‘ أودجاك ‘ « لم أتنازلُ لك على حبةٍ من ترابِ بلادي ، حتى و إن كان الأمر ابنتي العزيزة افرين ، بإمكانك أن تفعل بها ما شئت ، و لكن اعلم أيها الملك سيداموس العظيم أنَّ انتقام افرين سوف يكون باهظ الثمن ، و عليك أن تستعدُّ أنت و شعبك لذلك » ، و في عشيةِ اليومِ التالي اجتمع الوزراء و مستشارو الملك ‘ سيداموس ‘ و بعض العساكر الموهوبين في ساحةِ القصرِ أمام حديقة السباع يحملون في أيديهم أقداح الشراب ينتظرون قدوم الملك ‘ سيداموس ‘ لتُقَدَّمُ الأميرة ‘ افرين ‘ طعاماً للسباع. .و ها هو الملك ‘ سيداموس ‘ قد ترجَّل من عربتهِ الذهبيةِ و أشار بيدهِ للحرس بأن يحضروا الأميرة ‘ افرين ‘ ، لكن الأميرة ‘ افرين ‘ لم تكن موجودة في الكوخِ الذي كانت تُحْتَجَزُ فيه ، و الغريب أنَّ الأمير ‘ أوسمان ‘ الذي لم يكن يترك فرصة تمرُّ دون أن يتفرَّج على السباع و هي تمزٍّقُ لحم الأسرى و الرهائن في لهفةٍ لم يكن حاضراً في تلك الأمسية ، و لقد استمرَّ البحث عنهما أربعة أشهر كاملة في مملكةِ ‘ توسمان ‘ فتش خلالها الحرس بيوت المملكة بيتاً بيتاً و غاباتها و أنهارها. . .و في فجرِ أحدِ الأيام وصلَ مرسول أرض العميان إلى مملكةِ ‘ توسمان ‘ يحملُ رسالة من الأميرِ ‘ أوسمان ‘ ، و قد جاء في الرسالةِ : « أبي العزيز أعرف كم أنت حزين و قلق اتجاهي ، و لذلك قرَّرتُ أن أكتب لك هذه الرسالة لأخبرك أنني بخيرٍ و بصحةٍ جيدةٍ ، ربما يبدو لك الأمر سخيفاً يا أبي ، و لكنني أحببتُ الأميرة ‘ افرين ‘. .أحببتها حباً حقيقياً خلال الليالي التي كنتُ أترددُّ فيها على كوخها ، و لقد خشيتُ أن أجرحُ شعورك إذا أنا أخبرتك بهذا الأمر ، و لذلك قرَّرتُ أن أهرب مع افرين إلى بلدٍ بعيدٍ رغم أنني أعلمُ أنَّ هذا الأمر سوف يحطمك ، أعلم أنك غاضب يا أبي العزيز و ربما تكرهني بسببِ هذا الفعل ، و لكنني آمل أن يتبدَّدُ هذا الكره مع الأيام و يزولُ غضبك أخيراً ، وداعاً يا صديقي العزيز » .
لقد وقع الأمير ‘ أوسمان ‘ في حبِ الأميرةِ ‘ افرين ‘ خلال تلك المدَّة التي قضتها في الكوخِ رهينةٍ عند أبيه الملك ‘ سيداموس ‘ أثناء مفاوضات تبادل الرهائن بينه و بين أبيها الملك ‘ أودجاك ‘ ، حيثُ كان الأمير ‘ أوسمان ‘ يزورُ الأميرة ‘ افرين ‘ من حينٍ إلى حينِ ، و كان يستمعُ لصوتها الجميل و هي تغني أغانٍ تانسية شعبية ، و قد بدأ هذا الحب كنوع من الإعجابِ بصوتها الجميل ، ثم تطورت العلاقة بينهما لتصبح قصة حب حقيقية ، فتركا مملكة ‘ توسمان ‘ خوفاً من غصبِ الملكِ ‘ سيداموس ‘ و رحلا إلى ‘ أرض العميان ‘ ، لكن القوانين في أرضِ العميانِ مختلفةٍ. .ذلك لأنهم يعتبرون ذوي البصر أقلُّ من مستوى البشر. .نوعٌ من الحمقى ، حيثُ أنهم يمتلكون أشياء غريبة يسمونها ‘ العينين ‘. .أجفانهم تتحرك و عليهم أهذاب ، و هذا العضو المريض قد أتلف عقولهم ، و لقد اشترط على الأميرِ ‘ أوسمان ‘ و الأميرة ‘ افرين ‘ أن ينزعانِ أعينهما ليستردانِ عقليهما ، و بالتالي يمكنهما أن يعيشانِ في ‘ أرض العمليان ‘. .هكذا صارَ العمى شرطاً ليرتفعُ المرء من مرتبةِ الحمقِ ليصيرُ إنساناً كاملاً .
هل عرفتم من أنا الراوي. . .؟ أنا حفيد الأمير ‘ أوسمان ‘ .