حوار نجم من نجوم المسرح : مع الفنان صالح بوراخ

حوار منقول من الزميلة : تفاوت بريس

الفنان : صالح بوراخ
مقدمة : لا يمكن الحديث عن تاريخ المسرح الأمازيغي بالدار البيضاء دون ذكر إسم الفنان صالح بوراخ فهو من المؤسسين الأوائل لأب الفنون الناطق بالأمازيغية بالمدينة ، حبه للمسرح و التمثيل جعله لسنوات طوال يقدم الكثير من التضحيات و النضالات في سبيل التأسيس لهما و تطويرهما و الرقي بهما؛ و كانت مناسبة مشاركته في العمل التلفزيوني الأخير المتمثل في المسلسل الدرامي “تلاتيك” الذي يعرض خلال رمضان هذه السنة بقناة “تامازيغت” فرصة لتلتقيه “تيفاوت بريس ” و تجري معه هذا الحوار غاية في تقريبه أكثر من محبيه و من كل المهتمين بالفنون الأمازيغية .
01. بداية من هو صالح بوراخ ؟
– صالح بوراخ من مواليد سنة 1971 بالدار البيضاء ، أنحدر أصلا من منطقة إيداو باعقيل وانكيضا التابع إداريا لإقليم تيزنيت . فنان مسرحي و ممثل.
02. ماهي الإرهاصات و المؤشرات الأولى التي أظهرت ميولاتكم نحو الفنون بصفة عامة؟
– في البداية كان الأمر عبارة عن ميل جارف للإستماع للموسيقى الأمازيغية العريقة و أساسا فن تيرويسا، فقد كنت شغوفا بالإستمتاع على وجه الخصوص بأغاني العميد الرايس محمد الدمسيري و الرائد الرايس أحمد بيزماون، بل امتد الأمر إلى درجة العمل على كتابة كلمات أغاني هؤلاء و التأمل فيها و حفظها ، و بعدها امتد اهتمامي بالموسيقى إلى فعل نفس الشيء مع الموجة الموسيقية الجديدة آنذاك المتمثلة في المجموعات الشبابية ك “أوسمان” و “إزنزارن” و “ناس الغيوان”.
03. ماذا عن المسرح هل كان له حضور في حياتك ذلك الوقت ؟
– لا المسرح لم يكن له حضور بين في ذهني آنذاك لكن مع بداية تسعينيات القرن الماضي بدأ ميلي لكل ما هو مسرحي، و أعتقد أن المؤشر الأول على ذلك كان من خلال إعجابي الشديد بالقصيدة الغنائية المعنونة ب “القاضي د الحاج” للرايس المرحوم الدمسيري ،لقد استهوتني مضامينها و قوة و عمق الخيال فيها فهي من النوع الذي يصلح لإدماجه و تشخيصه فوق خشبة المسرح، كما كانت مسرحية “سيدي قدور العلمي” للفنانين الكبيرين” محمد بلقاس وعبد الجبار الوزير” من أولى الأعمال التي قربتني من أب الفنون و حببته إلي لكونها تتناول نصا ثراثيا عبارة عن حكايات قديمة تاريخية جميلة و مفيدة للغاية.
و بعيدا عن هذا أستطيع أن أجزم أن تجربة عملي رفقة والدي في محل للبقالة كانت أكبر معهد مسرحي تخرجت منه ، فمهنة البقال تجعلك ممثلا مسرحيا رغما عنك فهي تعج بالمواقف المضحكة و الدرامية أيضا و تدفعك الإحتكاكات مع أصناف مختلفة من الناس لتتقمص العديد من الشخصيات و الأدوار..
04. و متى كانت البداية مع عالم المسرح و كيف ؟
– البداية كانت من خلال لقائي بالأخوين امحمد خاجي و حسن عاشور و الذي كان على هامش إحدى الأنشطة الثقافية لجمعية تامسنا الأمازيغية بحي البرنوصي بالدار البيضاء ، ففي إحدى اللحظات كنا في نقاش مع الأستاذ عبد العزيز بوراس أحد قياديي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي حول هموم الثقافة و الفنون الأمازيغية ، و تداولنا في إمكانية تأسيس نادي يهتم بفن المسرح على اعتبار أن الصديقين خاجي و عاشور يهتمان بالمسرح أيضا، و في نهاية الحديث اتفقنا نحن الثلاثة أنا و خاجي امحمد و حسن عاشور على تأسيس نادي “تامونت ن تيفاوت للمسرح” ، و جاءت تسمية “تامونت” تيمنا بجريدة “تامونت” التي كانت تصدرها جمعية “أمريك”، تلك كانت البداية ، و بالفعل تم تنفيذ الفكرة و تم تأسيس نادي “تامونت” و كانت دار الشباب بالحي المحمدي مقرا له، و تشكل النادي من الأسماء التالية : خاجي امحمد، صالح بوراخ، حسن أنظام، الطيب أقديم المعروف الآن ب “أبغاينوس”، أحمد الصغيري، نزهة الطالبي وحسن عاشور. وقد كانت حصيلة هذه التجربة الأولى إبداع بعض السكيتشات و المسرحيات القصيرة منها “تيرزي أوكايو” ،”تاموكريست ن فاضما” ،”إمكاس ن واكال”. و بالمناسبة فإنني أوجه من خلال هذا المنبر تحية إجلال و إشادة لكل تلك الأسماء التي ذكرتها فقد كانوا مناضلين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، بل يمكن القول أنهم كانوا ضحايا حب المسرح، فالتضحيات الجمة و المختلفة التي قدموها من أجل التأسيس للمسرح بالدار البيضاء لا يمكن عدها و لا حصرها.
بعدها تطور الأمر نحو تحويل النادي إلى جمعية فتم تأسيس جمعية “تيفاوت ن تامونت” كنت ضمن أعضاء مكتبها و ترأسها الأخ “خاجي امحمد”.
05. هل كانت هنالك من تجربة أو تجارب سابقة أو موازية بالدار البيضاء؟
– نعم تجدر الإشارة لذلك، فبعد فترة قصيرة من تأسيس نادي “تامونت” بادر الأخ “عبد الله أصوفي” رفقة آخرين إلى تأسيس نادي “أكليف” للمسرح، لكن عمره للأسف كان قصيرا بدوره رغم أن الأخ أصوفي واصل تجاربه الشخصية و المحترمة في ميدان المسرح بعد ذلك. تجربة نادي أكليف أفرزت عملا مسرحيا واحدا تم استدعائي للمشاركة ضمن طاقمه المتكون إظافة إلي من : عبد الله أصوفي ، أحمد واها، حسن أنظام، حسن أنشوم و آخرون. و العمل هذا هو مسرحية “تامازيغت” التي تم المشاركة بها في العديد من أنشطة الجمعيات الثقافية الأمازيغية بالدار البيضاء.
06. بعدها قررت الإنسحاب من جمعية “تيفاوت ن تامونت” و تأسيس جمعية مسرحية جديدة ،أليس كذلك ؟
– بالفعل فبسبب اختلافات بيني و بين الأخ امحمد خاجي الذي كان في تلك الفترة رئيسا للجمعية حول استراتيجية و آفاق العمل، حيث كنت من أشد المنادين بتطوير ترسانتنا الفكرية و آليات اشتغالنا و محاولة السعي نحو الإحترافية في عملنا المسرحي عوض التقوقع في دائرة الهواة و الإستمرار في تقديم أعمال و مشاركات صغيرة من حيث الشكل و المضامين ، لقد كان كانت طوحاتي كبيرة و حماستي متقدة و كان حلمي أنذاك هو الإسراع في العمل على إنجاز عمل مسرحي ناضج و متكامل و تتوفر فيه كل المعايير الفنية المطلوبة ، بسبب ذلك قررت الإنسحاب و المغادرة و البحث عن آفاق جديدة، وقد تم تتويج ذلك بعد فترة قصيرة و بالضبط سنة 1995 بتأسيسي رفقة رفاق آخرين جمعية أناروز للثقافة و الفن و الذي انبثقت عنها فرقة “أناروز المسرحية ” و كان أعضائها هم : حميد الأمغاري أحد أعضاء المجموعة الغنائية الشهيرة إعشاقن، حسن بوعشرة، محمد أرسموك، خديجة الشاطر، محمد بنمسعود، فاطمة أروهان، الحسين تحميدات، عائشة عطاب، سعيد أبوكاض، صالح بوراخ و حسن عاشور.
07. العمل الناجح و الوحيد الذي أنتجته فرقة أناروز هو مسرحية “بوتيلي” ، حدثنا عن هذا العمل المسرحي ؟
– مسرحية بوتيلي عمل مسرح متكامل و ناجح جدا باعتراف كل المتتبعين للمسرح الأمازيغي بالدار البيضاء لقي صدى و تجاوبا غير مسبوق لدى الجمهور، حيث تم عرض المسرحية في العديد من القاعات الكبرى بمدينة الدار البيضاء و الخميسات. نص المسرحية كان من إقتباس الأخ سعيد أبوكاض من رواية مسرحية للكاتب البلغاري “ستانيسلاف سترانيف” و كانت من إخراج المخرج المسرحي المقتدر محمد شجاري.
08. و ماذا عن مآل الفرقة و لماذا لم نسمع لها جديدا ؟
– للأسف دخلنا و لسنوات طويلة مرحلة جمود بسبب إكراهات كثيرة ذاتية و موضوعية ، من بينها انشغال بعض أعضاء الفرقة بهمومهم الحياتية ، كما ساهم في الأمر استمرار بحثنا عن نص مسرحي ملائم و في المستوى الجيد، فقد حرصنا على عدم السقوط في فخ التسرع و تراجع مستوى الفرقة. التفكير الدائم في تجديد الفرقة و ضخ دماء جديدة بها يسكننا، و لدينا النية في تجديد الجمعية و استقطاب كفاءات جديدة إليها، فقط ننتظر الفرصة المناسبة و الدعم اللازم.
09. كيف دخلت تجربة التمثيل ضمن خانة أفلام الفيديو ؟
– بحكم قربي من الوسط الفني و نسجي علاقة تعارف و صداقة مع الكثير من الفنانين و الموسيقيين من بينهم أعضاء مجموعة أرشاش، و كان ضمن هؤلاء الفنان “صالوت محمد” المعروف ب “أكرام” و بحكم أنه يشتغل آنذاك بشركة “وردة فيزيون” و سبق له أن شاهد مسرحيتنا “بوتيلي” و يعرف جيدا قدراتي الفنية، فقد كان من اقترحني للعمل في فيلم “الكابران حماد” الذي أنتجته شركة “وردة فيزيون”، و تلك كانت البداية مع دخول عالم التمثيل و كان فيلم “الكابران حماد” أول عمل لي و أول تجربة في هذا الحقل الفني.
10. ماهي حصيلتك حتى الآن في هذا الباب (أفلام الفيديو)؟
– ثمانية أفلام و هي : الكابران حماد + تيكاس + أمغار ن إيمغارن + نتان نغد نتات + أسكاس ن توفيت + الخير يوف العار و تامدايت الذي كان أول تجربة لي مع الإخراج إضافة للعب دور الممثل فيه.
11. و ماذا عن الأعمال التلفزيونية ؟
– ثلاثة أعمال و هي : الصبر ن الدونيت من إخراج عبد الله داري ، تيفينار من إنتاج نبيل عيوش و إخراج هشام العسري و فيلم ورطة بالدارجة المغربية للمخرج عبد الرحيم غربال. و أخيرا الدراما الإجتماعية الجديدة “تلاتيك” التي تم تصويرها و إنتاجها أسابيع قبل حلول شهر رمضان المبارك.
12. طيب ، إذن حدثنا عن هذا العمل التلفزيوني الجديد “تلاتيك” ؟
– “تلاتيك” أول مسلسل درامي أمازيغي مطول حيث يتشكل من 30 حلقة، يعرض حاليا بقناة “تامازيغت”، هو دراما إجتماعية و قصة مؤثرة جدا مليئة بالشخوص و الأحداث و المواقف الإنسانية المتباينة و المتناقضة و المتأرجحة بين الخير و الشر، أعتبر هذا المسلسل مؤشر على دخول الدراما الأمازيغية لمرحلة جديدة و متقدمة ، و الدليل على ذلك هي نسبة تتبعه و مشاهدته من قبل الجمهور حسب ما لاحظناه و حسب الأصداء و الإرتسامات التي تصلنا. ظروف التصوير و العمل كانت مريحة صراحة ، و لا يسعني إلا أن أحيي كل طاقم هذا المسلسل و كل من ساهم بشكل أو بآخر حتى يرى النور و في أحسن صورة.
13. ما هو أبرز و أهم عمل فني في مسارك الفني إلى حدود الساعة ؟
– في تقديري أهم عمل فني شاركت فيه و كان أقربهم إلى قلبي هو الفيلم التلفزي “ورطة” ، لعبت فيه الدور الثاني بعد بطل الفيلم، و هو من إنتاج شركة “عليان” لنبيل عيوش، و السبب في هذا هو كون هذا الفيلم كان و باعتراف الكثير من النقاذ بمثابة تحول إيجابي و قفزة هامة في مسار الدراما الإجتماعية الأمازيغية ، حيث كانت الإحترافية إحدى بصماته علاوة على الأجواء و الظروف الملائمة التي تم الإشتغال فيها. الفيلم تم عرضه مدبلجا باللهجتين الريفية و العامية لكن لم يعرض بعد لحد الآن بلهجته الأصلية التي تم تصويره بها أي أمازيغية سوس. بعد ورطة يأتي فيلم “تيفينار” لنبيل عيوش أيضا و المقتبس نصه من رواية “أكنشيش” للكاتب و الشاعر العالمي محمد خير الدين، ثم في المرتبة الثالثة عندي يأتي فيلم “الكابران حماد” .
14. هل لديك أعمال و مشاركات إبداعية أخرى؟
– عملت في مجال السينوغرافيا في ثلاثة أعمال و هي: “مافيا العقرب”، “الدق و السكات”و “شالاظا و لموناضا”. كما ساهمت في كلمات أغنية من صنف الراب بالأمازيغية مع الملحن الكبير المرحوم “عبدو العمري” سنة 1999. من جانب آخر ساهمت بصوتي في دبلجة بعض الأفلام إلى الأمازيغية و هي : القسم 8 ، عيشة الدويبة ، الدية، رسالة، و رمانة و برطال. في مجال السيناريو كتبت سيناريو فيلم “تامدايت” ، و عملت كمحافظ في فيلم “أسكاس ن توفيس” و كمساعد مخرج أول في فيلم “إيكر ن زاويت”. كما كانت لي بضعة مشاركات في وصلات إشهارية توعوية عبر التلفزيون. و في مجال التنشيط قمت بتنشيط و تقديم العديد من المهرجانات الفنية و الوطنية.
15. كيف ترى مستوى السينما الأمازيغية حاليا ؟
– في إعتقادي من السابق لأوانه الحديث في المرحلة الراهنة عن شيء إسمه “السينما الأمازيغية”، فلا زلنا بعيدين شيئا ما عن هذا المفهوم وفق المعايير الفنية المتعارف عليها عالميا، فنحن لازلنا في مرحلة التأسيس و البناء و التراكم، و حيث أن المقصود هو الفيلم الأمازيغي فهذا الأخير في تطور مضطرد و يشق طريقه نحو الأفضل و بخطى ثابتة ، لدينا مواهب و طاقات فنية ذات مؤهلات كبيرة فقط ينقص الدعم المادي و هذه مسؤولية التلفزيون على وجه الخصوص الذي عليه أن يهتم أكثر بمسألة الإنتاج و دعم الفيلم الأمازيغي. أعتقد أن الدعم المالي هو ما يحول دون التأسيس لصناعة الفيلم الأمازيغي و التجربة التي أطلقها نبيل عيوش مؤشر قوي و إيجابي يؤكد هذا القول.
16. و ماذا عن عن وضعية و مستوى المسرح الأمازيغي راهنا ؟
– للأسف الشديد يشهد تراجعا كبيرا و شبه جمود و السبب أيضا هو ندرة الدعم المالي و انعدام تكافىء الفرص أمام الدعم الهزيل الذي يتلقاه المسرح الأمازيغي من وزارة الثقافة، و ما يعزز هذا القول هو أن هناك ما ينيف عن 20 فرقة مسرحية أمازيغية بينما نجد فرقتين من بينها من تتلقى دائما الدعم فيما يتم إقصاء و تهميش الأخريات. المشهد المسرحي الأمازيغي يتسم بالغنى و التنوع و بدوره يعج بالمواهب و الطاقات الفنية و الدليل على ذلك هو تتويج بعض الفرق المسرحية الأمازيغية بالجوائز في ملتقيات دولية. و خلاصة القول أن كرة النهوض بالمسرح الأمازيغي هي في مرمى وزارة الثقافة و وزارة الإتصال و المؤسسات التابعة لها و أولها الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة.
17. كيف تنظر إلى وضعية الفنان الأمازيغي بصفة عامة ؟
– وضعية مزرية و مخجلة جراء قلة الدعم و التشجيع و ندرة فرص العمل، و جراء إفراغ بطاقة الفنان من مضمونها، فعلى سبيل المثال لا يتم احترام الحامل للبطاقة في أولويته في العمل و لعب الأدوار الرئيسية ، بل الأنكى من ذلك هو استغلال أسماء بعض الفنانين المحترفين بإدراج أسمائهم في “العقود المبدئية” بينما يتم التخلي عنهم في نهاية المطاف بعد التوصل بالدعم الحكومي و تعويضهم بأسماء مغمورة و مبتدئة. لا نصادر حق الجميع في إيجاد الفرصة للعمل و إبراز ما في جعبتهم من مواهب لكن لا يجب أن يتم ذلك عن طريق التلاعب و على حساب من هم أكثر تجربة و أقدمية في الميدان. كل أملنا في أن يساهم الجميع في النهوض بوضعية الفنان و احترام حقوقه و هذا يجب أن يلعب فيه الإعلام المرئي و المسموع و المكتوب ورقيا و إليكترونيا دور الرائد.

Loading...