كتاب الرأي : من أجل مدرسة دامجة

أسفي:
المغربية المستقلة : سفيان سنوي باحث متخصص في مجال الإعاقة

لقد أضحى العديد من الفاعلين التربويين و الإداريين يتحدثون اليوم عن مفهوم التربية الدامجة كمصطلح جديد في الساحة التربوية و الاجتماعية.
لأن المنظومة التربوية تبنت هذه المقاربة كأساس تقوم عليه عملية تربية و تعليم الأطفال في وضعية إعاقة, من خلال الرؤية الاستراتيجية (2030/2015)عبر وضع مخطط وطني لتفعيل التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة.
و الجدير بالذكر هو أن المفاهيم المؤطرة لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة داخل المدرسة المغربية تعددت من حيث المصطلحات و المفاهيم المستعملة في المذكرات و الإجراءات الإدارية و التنظيمية و التربوية (الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة, الأطفال المعاقون, الأطفال في وضعية إعاقة).
و من حيث المقاربات كذلك (التربية المتخصصةéducation spécialisée تربية الإدماج المدرسيéducation d’intégration ثم التربية الدامجة éducation inclusive ) .
و إن كان الفرق بين هذه المقاربات و التربية الدامجة هو جعل المتعلم في وضعية إعاقة في بيئة مدرسية مناسبة لاحتياجاته وهو مفهوم يعكس رؤية مستوحاة من مفهوم حقوقي بدرجة الأولى بهدف تنمية مشاعر الانتماء وقبول المتعلمين في وضعية إعاقة، فضلا عن توفير تدابير داعمة لدعم تعلم هؤلاء المتعلمين ضمن مناهج مدرسية تتيح لهم حق التعلم والتواصل و التفاعل مع أقرانهم و تنمي مهاراتهم و قيمهم و تحسن مستواهم التعليمي و تراهن على مبدأ الإمصاف و المساواة, الأمر الذي يتطلب توفر الموارد البشرية و التجهيزات و الأدوات و الخدمات المناسبة.
و لا تقتصر الخدمات التي من مفترض أن تقدمها المدرسة الدامجة و فصولها على البرامج التربوية الملائمة و المكيفة و لا على الأساليب و المواد التعلمية التي تساعد تطبيق التربية الدامجة بل لابد من توفر مدرسين مكونين في هذا المجال, الأمر الذي يستوجب وضع استراتيجية وطنية في مجال التكوين سواء في إطار التكوين الأساس أو المستمر لهيئة التدريس بكل أشكالها لاسيما المقبلين على مراكز التربية و التكوين ضمن مجزوءة خاصة بالتربية الدامجة لأن هذه الأخيرة ليس نموذجا من نماذج التربية التخصصية ولكن مقاربة جديدة للتفكير و الممارسة التربوية و التي تشمل جميع المتعلمين.
إن التحول من التعامل مع متعلمين داخل فصول اعتيادية إلى فصل يجمع في مكوناته مجموعة من المتعلمين في وضعية إعاقة, يقتضي تملك كل الفاعلين في العملية التعليمية التعلمية لفلسفة هذه المقاربة ولاسيما المدرس, لإنها فرصة لتنمية و تطوير المهارات المهنية و ليس عبء عليه في ظل الإكراهات التي تعرفها الممارسة التربوية داخل المدرسة العمومية.
إن التحولات المجتمعية اليوم تفرض علينا تمثل حقوق الإنسان في شموليتها و كون التعليم حق لكل فرد بغض النظر عن قدراته و احتياجاته, لإن نظام الفصل و العزل الذي كان سائدا في النماذج و المقاربات السابقة هو نظام كان قائما على التفرقة بين أفراد المجتمع.
لذلك فإن نجاح مقاربة التربية الدامجة بالمدرسة الدامجة ينطلق من تنزيل الفاعلين لهذه المقاربة من جهة و من جهة أخرى تفرض تضافر جهود كل من الإدارة و المدرس و الأسرة و مؤسسات المجتمع المدني و القطاعات الحكومية عبر استراتيجة واضحة و التقائية تجعل من المدرسة الدامجة مؤسسة للتنشئة الاجتماعية تكرس مفهوم المجتمع الدامج.

Loading...