المغربية المستقلة : الممثل الكاتب المسرحي وسام يلديز سويدر

ما الفرق بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ؟
لا يختلف الناس إذا قالوا أن المعرفة لا تحصل دون التفكير والتدبير إذ فضول الانسان يدفعه دوما الى التساؤل عن حقائق هذا الوجود المبهمة من أجل إزالة الغموض والإبهام ويصل إلى بناء الحقيقة محاولا بذلك تحدي الصعوبات والعوائق التي تواجهه ، أن عملية التفكير لا تحدث إلا بواسطة التساؤل باعتبار السؤال هو الطلب والاستفسار ، ومن الناحية الاصطلاحية فهو يأخذ عدة معاني حسب التخصص إلا ، وبما أن مجالات الحياة متعددة ومتباينة فإن الأسئلة هي الأخرى متعددة ومختلفة ، مما يجعلنا نميز بين نوعين من الأسئلة ، أسئلة علمية وأخرى فلسفية، لذا يمكننا أن نتساءل : ما الذي يميز السؤال العلمي عن السؤال الفلسفي ؟
لاشك أن هناك اختلاف بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي حيث يتعارضان من حيث الموضوع فنجد أن السؤال الفلسفي مجاله العالم المعقول الماورائي الميتافيزيقي ، ومنه فالفيلسوف يدرس الطبيعة دراسة شاملة أي نظرة شمولية للحياة والإنسان والكون أما مجال السؤال العلمي فيدرس الفيزيقا أي العالم المادي الطبيعي إذ يتعلق بالقضايا المادية المحسوسة ، فهو يتعلق بما هو كائن لأنه يدرس ظواهر الطبيعة الخاضعة للحواس ، كما يعتمد على الأحكام التقريرية مما جعل نتائجه بعيدة عن الذاتية ومن أمثلة السؤال العلمي ما هي مكونات الماء ؟.
أما من حيث التخصص فنجد السؤال العلمي محدود وجزئي ،بينما السؤال الفلسفي كلي وشامل ، ثم إن السؤال العلمي يستعمل الفروض والتقدير الرياضي مثل : تجارب “مندل ، نيوتن ،” كما أن التجريب يكون من أجل الوصول إلى اكتشاف العلاقات الضرورية التي تتحكم في الظواهر وبالتالي قوانينها من اجل التنبؤ بها مستقبلا . يقول كلود برنار:”أن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنتطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا .” أما السؤال الفلسفي فيعتمد على المنهج العقلي التأملي ،الذي يعتمد على الحجج والبراهين العقلية عن طريق البحث عن العلل والأسباب الأولى للموجودات .
وأما من حيث المنهج ، فالسؤال العلمي يعتمد على المنهج التجريبي الاستقرائي الذي يقوم على الفرضية التجربة والملاحظة ، على عكس السؤال الفلسفي الذي ينتقل من مجال البحث الحسي إلى مجال البحث عن العلل القصوى من أجل الوصول إلى الحقيقة المطلقة ، ومن أمثلة الأسئلة الفلسفية السؤال عن الحقيقة، كما أن الهدف من السؤال العلمي هو الوصول إلى نتائج دقيقة ووضع قوانين علمية موحدة ، أما السؤال الفلسفي فحقائقه تتباين بتباين المواقف وتعدد المذاهب والنزعات حيث يصل الفلاسفة إلى نظريات متباينة ، كما نلاحظ أن السؤال العلمي ينطلق من التسليم بالمبادئ قبل التجربة بينما السؤال الفلسفي ينطلق من التسليم بمبادئ ما بعد التجربة .
إن الاختلاف بين السؤالين لا ينفي وجود علاقة اتفاق بينهما فكلاهما يطرحان بصيغة استفهامية و يعدان سبيلا للوصول إلى المعرفة فهما يهدفان إلى البحث عن الحقيقة والتحكم في الظواهر التي تحيط بالإنسان من خلال فهم عللها وأسبابها وهذا الأمر يكون سبيل الإنسان إلى بناء حضارة راقية حيث يساهمان في إثراء المنتوج الثقافي والحضاري وكل الفضل في المعارف التي توصل إليها الإنسان يعود إلى مجموعة الأسئلة التي طرحها العلماء والفلاسفة ثم أجابوا عنها وهذا ما عبر عنه المفكر الفرنسي كارل ياسبرس بقوله : ” قيمة الفلسفة في الأسئلة التي تطرحها “.
إضافة إلى أن كلا منهما يثير الفضول ويدفع بالمتعلم إلى البحث فالإنسان كائن فضولي يمتاز بحب الإطلاع ولا يمكن إشباع فضوله إلا من خلال طرحه للأسئلة ، وما السؤال في النهاية إلا استدعاء للحقيقة والمعرفة ، ويضاف إلى ذلك أن كلا منهما يطرح سؤال استفهامي نتيجة الحرج والحيرة إذ لكل منهما موضوع ومنهج وهدف معين . هذا إلى جانب أن كلا منهما يستعمل مهارات مكتسبة ، ثم أنهما يشتركان في الدافع الواحد وهو تجاوز المعرفة العامية لأن كل من العالم والفيلسوف يتصفان بالدقة والعمق في مختلف الأسئلة التي يطرحها كلا منهما ، لهذا فكلاهما يخص الإنسان دون بقية الكائنات لان هذا الأخير هو الوحيد الذي يطرح أسئلة فلسفية وأخرى علمية . كما أن كلاهما يتجاوز المعرفة العامية كونهما سؤال مقتصر طرحه على نخبة العقول دون العامة من الناس التي تكتفي بطرح أسئلة بسيطة تتعلق بالحياة اليومية كما إنهما يعبران عن قلق فكري إزاء مشكلة معينة ضمن الأسئلة الانفعالية حيث تجعل العقل في ديناميكية دائمة .
وبهذا يمكن القول أن هناك علاقة تكامل وتلاحم و تداخل بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي على الرغم من الاختلاف الموجود بينهما من الناحية الموضوعية والمنهجية والغائية لأن هناك تأثير متبادل بينهما ، حيث إن السؤال الفلسفي يخدم السؤال العلمي والسؤال العلمي يخدم السؤال الفلسفي ، هذا الأخير ينطوي على جانب علمي بدليل ظهور المذاهب الفلسفية كما إن الأول يعتمد على أسس الفلسفة مثل (علمية الماركسية) حيث إن علماء العصور القديمة كانوا يقيمون علمهم عن طريق الفلسفة وذلك للابتعاد عن الأخطاء من الناحية المنهجية و المعرفية وقد سميت بفلسفة العلوم وأيضا الفلاسفة استعملوا العلم لتطوير أفكارهم ونقصد هنا ابن الهيثم، الخوارزمي،ابن خلدون، إقليدس، فيثاغورث، ابن باحة ، أرخميدس وغيرهم مما يعني أن الفلسفة تعتمد على العلم ،ذلك لكون السؤال العلمي ينطوي على أبعاد فلسفية فالفيلسوف هو الذي يوجه العلم من الناحية المنهجية والمعرفية ، وهذا بتقييم ونقد العلوم من أجل تحقيق التطور والابتعاد عن الأخطاء وفي هذا يقول كارل ياسبرس : ” ومع ذلك فان نشوء فلسفة ما يبقى مرتبطا بالعلوم ، انه يفترض كل التقدم العلمي المعاصر ” . وبهذا فالفلسفة تتأخر ما لم تتخذ المنهج العلمي سندا لها ، وهي بدورها تدفع العلم إلى التفكير في مبادئه ومنهاجه وفرضياته وفي هذا يقول هيجل : ” تظهر الفلسفة في المساء بعد أن يكون العلم قد ظهر في الفجر وقضى يوما طويلا “، كما أن أوغست كونت نظر إلى الفلسفة على أنها نوع من العلم في وضعيته المنطقية .
كنتيجة لما سبق يمكن القول أن هناك تمايز بين التصورين أي بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي ، لكن على الرغم من وجود ذاك التمايز والتعارض إلا أنه يستحيل الفصل بينهما فصلا قاطعا ، كيف لا والعلاقة بينهما اتصالية واضحة ، فكلاهما مكمل للآخر بحيث يؤثران ويتأثران ببعضهما البعض لأن لكل من السؤالين علاقة وظيفية فعالة وخدمة متبادلة دوما لا تنقطع فهناك تواصل مفتوح لا نهائي بينهما ، إذا علاقة السؤال العلمي بالسؤال الفلسفي هي علاقة تكامل وتجاذب وليست علاقة تنافر وتناقض لهذا يقال أن : “الفلسفة تسأل والعلم يجيب “. معنى هذا أنه لا مجال للتفريق بين السؤال العلمي و السؤال الفلسفي فكلما زادت الأسئلة زادت الأجوبة وأينما عجزت الفلسفة يتدخل العلم وأينما توقف تدخلت الفلسفة فالعلاقة هي علاقة انسجام وتناغم بينهما، يقول الفيلسوف لوي ألتوسير: “لا يلاحظ وجود الفلسفة إلا في عالم يحتوي على ما نسميه علما ” ، ويقول أيضا : “لكي تولد الفلسفة أو تجدد نشأتها لا بد من وجود العلوم” .